أنهى النظام التركي مهمته في تسليم حلب بنجاح؛ حيث أعلن عن إنهاء عملياته المسماة درع الفرات والتي لم تحقق أي مكسب لثورة الأمة في الشام؛ بل على العكس استنزفت طاقات الكثير من الفصائل في معارك جانبية تخدم مصالح النظام التركي وسيده الأمريكي، ولا تصب في إسقاط طاغية الشام، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أخذ يعمل على زرع الكراهية بين العرب والتركمان من جهة وبين الأكراد من جهة أخرى في المناطق التي سيطر عليها عن طريق اللعب على وتر القومية النتن حيث شهدت المناطق التي تمت السيطرة عليها من قبل درع الفرات مظاهرات ضد الأكراد ليدق إسفينه بين الفرقاء ويجعل من (العرب والتركمان) وقودا لتحقيق مصالحه في منع قيام كيان كردي على حدوده.
إن المتتبع للأحداث والتصريحات يجد أن هنالك تحضيرات لعملية واسعة على محافظة إدلب آخر قلاع ثورة الأمة في الشام؛ حيث أضاف قائد سلاح البر الأمريكي، الجنرال مارك ميلي، في تصريح له خلال مؤتمر عقد في واشنطن حول الحروب في المستقبل الثلاثاء، 21 آذار/مارس 2017، "نحن نشهد على الأرجح تغيراً جوهرياً في الميادين التي ستجري فيها الحروب" إذ إن ساحات الوغى ستنتقل من أراضٍ خالية إلى مناطق حضرية "مكتظة بالسكان". أضف إلى ذلك تأكيدات روسيا نشر قوات لها بمنطقة عفرين الخاضعة لقوات كردية سورية في ريف حلب الغربي وامتدادها نحو ريف إدلب الشمالي بحجة منع حصول صدام محتمل بين حلفائها الأكراد وبين القوات التركية والجيش السوري الحر، بالإضافة إلى تصريحات قائد «وحدات حماية الشعب» الكردية سبان حمو، الذي لم يستبعد توجه «قوات سوريا الديمقراطية» بالتعاون مع فصائل في «الجيش الحر» وعشائر، وبدعم جوي روسي، إلى إدلب لقتال «فتح الشام» فيها. بالإضافة إلى فرض «غرفة العمليات العسكرية» التي تديرها «وكالة الاستخبارات المركزية» الأمريكية (الموم) على جميع فصائل المعارضة السورية «المعتدلة» الاندماج في كيان واحد، في خطوة تمهد إلى اقتتال بين الفصائل المصنفة بين الاعتدال والتطرف وهذه عادة الغرب في استخدام المسلمين بعضهم ضد بعض لتحقيق مصالحه، أضف إلى ذلك ما نشرته وسائل الإعلام حول اتفاق ممثلين عن قطبي جيش الفتح (حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام) مع وفدٍ قوامه "الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني" بوساطةٍ قطريةٍ على إخلاء سكان "كفريا والفوعة" في ريف إدلب، مقابل إخراج مقاتلي الزبداني ومضايا وبلودان بريف دمشق والمئات من المعتقلين لدى النظام السوري. ومن المتوقع أن يتم إخراج المدنيين من كفريا والفوعة والإبقاء على العسكريين لاستخدامهم في أي هجوم محتمل على محافظة إدلب وخاصة مع الكم الهائل للأسلحة التي تلقيها الطائرات على هذه المناطق بين الفينة والأخرى.
وبهذا يكون التحضير للسيطرة على آخر قلاع ثورة الأمة في الشام جارياً على الصعد كافة ريثما تنتهي الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة على مدينة الرقة مستخدمة قوات حماية الشعب الكردية كرأس حربة في هذا الصراع الدامي، هذه المدينة التي باتت تشهد استعدادات من تنظيم الدولة لمغادرتها متجها إلى مدينة دير الزور شرق سوريا، وبين هذا وذاك يستمر مسلسل المفاوضات حيث أنهى حلقته الخامسة دون الوصول إلى شيء سوى الاتفاق على عرض حلقة جديدة من حلقاته الهزلية؛ يتخلله فاصل إعلاني يتم الدعاية فيه إلى منتج أمريكا المدلل طاغية الشام، وبأن إزاحته عن السلطة ليس من أولوياتها حيث قالت سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة «إن سياسة الولايات المتحدة في سوريا لم تعد تركز على إزاحة الرئيس بشار الأسد عن السلطة»، وكعادتها جعلت الشعوب شماعة لتمرير المؤامرات تحت شعار حق تقرير المصير وأنها هي من تقرر مستقبل هذا المنتج.
لا شك أن إزاحة طاغية الشام لم يكن يوماً من أولويات أمريكا وليس من المتوقع من عدوة الإسلام والمسلمين غير ذلك؛ بل كانت محاربة ما تسميه (الإرهاب) هي الأولوية لها في كل مكان وزمان، وقد مارسته عملياً في أفغانستان والعراق وليبيا وغيرها من الأماكن، كما مارسته منذ انطلاقة ثورة الشام، بل وجرّت خلفها المجتمع الدولي وقيادات الكثير من الفصائل وهذا لا يحتاج إلى كثير شرح، فاستطاعت من خلال حربها على ما أسمته (الإرهاب) أن تدمر البلاد وما تحتويه من بنى تحتية وقتل الكثير من المسلمين بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ وتشريدهم، حيث أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تجاوز عدد لاجئي سوريا الفارين من الحرب في بلادهم التي دخلت عامها السابع خمسة ملايين شخص، في ما وُصف بأكبر أزمة للاجئين في العالم. وبهذا يتبين أنه لا همّ للغرب سوى قتل المسلمين وتشريدهم وتدمير بلادهم وما ذلك إلا لغياب إمام المسلمين الذي يدافع عنهم ويرعى شؤونهم، قال رسول الله e: «إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به»، فلا بد لكل مسلم أن يدرك هذه الحقيقة وأن يتخذ الغرب عدواً له وأن يقطع أي صلة له به أو بعملائه، ويعمل جاهداً وفق طريقة رسول الله e لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ستعيد للمسلمين عزتهم وكرامتهم وتنسي الغرب وساوس الشيطان وما ذلك على الله بعزيز.
بقلم: أحمد عبد الوهاب
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع