(الحلقة الثانية)
لقد أدركت فرنسا أن ماضيها الاستعماري الدموي وطريقتها الاستعلائية في التعامل مع الدول الإفريقية يحولان بينها وبين إعادة تثبيت شركاتها في الدول الإفريقية، لذلك أوكلت إلى المغرب مهمة التقدم نحو دول إفريقيا - الفرانكفونية بالأساس ومن ثم الإنجلوسكسونية - ليكون قاطرةً للشركات الفرنسية وإحدى وسائل فرنسا لاستعادة نفوذها الاقتصادي والسياسي المتآكل، دون الحاجة لظهورها (فرنسا) مباشرة في الصورة تجنباً لتجييش مشاعر العداء نحوها واتقاءً لخطر الحركات الإسلامية الناشطة في قتل واختطاف الرعايا الغربيين، ذكر موقع فرانس 24 بتاريخ 18/02/2014، "أن التهديد المتنامي للصراعات المرتبطة بالتشدد الديني والتي دفعت فرنسا إلى التدخل في مالي وإفريقيا الوسطى، والأمريكان إلى البحث عن وسطاء لتدخل غير مباشر، يجعل من المغرب شريكاً رئيسياً".
ومثل فرنسا فإن بريطانيا تريد للمغرب أن يكون بوابة للشركات البريطانية في إفريقيا. فقد أكد وزير الشؤون الخارجية البريطاني المكلف بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، توبياس إلوود، في زيارته للمغرب في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 على "أن الموقع الاستراتيجي للمغرب جعل منه بوابة مهمة نحو إفريقيا في مجال الاستثمار".وقال في كلمته التي ألقاها خلال لقاء جمع رجال أعمال مغاربة وبريطانيين "إن توجه المغرب إزاء إفريقيا واستثماراته بهذه القارة، حوله إلى بلد مهم بالنسبة لكل البلدان التي تتطلع إلى التواجد بإفريقيا في إطار شراكات اقتصادية متعددة الأطراف". وبريطانيا ولتجربتها بأسواق المال فهي تعمل على تعزيز مكانة المغرب كقطب مالي بإفريقيا، ففي حزيران/يونيو 2014 زارت المغرب، اللورد فيونا وولف، عمدة حي المال والأعمال في لندن واستقبلها الملك محمد السادس شخصيا. وقد صرحت وولف خلال لقائها رجال الأعمال المغاربة «المغرب وبريطانيا تربطهما علاقات عريقة وضاربة في التاريخ. فقبل 800 سنة بعث الملك جورج وفدا من رجال الأعمال إلى المغرب لبحث فرص الاستثمار والأعمال. وجاء أولئك الرواد الأوائل على ظهور الخيول. أما نحن فأتينا اليوم على متن الطائرة». وأضافت وولف أن زيارتها للمغرب تندرج في إطار اهتمامها بأسواق غرب أفريقيا، وقالت: «المغرب يشكل اليوم جسرا نحو الأسواق الأفريقية. ونحن هنا لبحث فرص الشراكة والتنمية المستدامة للأعمال، انطلاقا من المغرب في اتجاه أفريقيا». وحول دور الحي المالي اللندني في دعم المغرب في تطوير القطب المالي للدار البيضاء قالت وولف: «الدار البيضاء تمتلك الكثير من المؤهلات والمقومات اللازمة لتحقيق طموحها المشروع بأن تصبح مركزا ماليا إقليميا. لندن أيضا بدأت من هنا. بدأنا كمركز مالي إقليمي، ثم أصبحنا مركزا ماليا دوليا. ونحن على أتم الاستعداد لوضع خبرتنا وتجربتنا رهن إشارة الطموح المغربي». ويتميز القطب المالي للدار البيضاء بتوجه إقليمي لفائدة أفريقيا، وقد أضحى ثاني قطب مالي على مستوى القارة الإفريقية بعد جوهانسبورغ، ويحتل المرتبة 44 على صعيد العالم، وأن 17 في المائة من الاستثمارات المغربية بإفريقيا، تأتي من هذا القطب.
أما لماذا اختارت فرنسا/بريطانيا المغرب بالذات لأداء مهمة استعادة نفوذها في إفريقيا، فالجواب كالتالي:
- من الناحية القيادية: من المعلوم تاريخياً أن الدول التي تعاقبت على المغرب كانت تضم داخل حدودها على مدى قرون جزءاً كبيراً من دول الصحراء وجنوبها، لذلك فارتباط هذه الدول بالمغرب أمر طبيعي، لذلك جرى استغلال هذا الماضي بالإضافة إلى المشاعر الدينية عموماً، والصوفية خصوصاً، الطاغية في بعض الدول الإفريقية، والتي تجعل شعوب هذه الدول متعلقة بالمغرب خصوصاً بالنسبة لأتباع الطريقة التيجانية لكون مؤسس الطريقة مدفوناً في فاس بالمغرب، وقد نشرت بعض المواقع أن الملك محمد السادس قدم نفسه بمثابة الأب الروحي الديني لغرب إفريقيا من خلال المحافظة على الصلاة رفقة رؤساء الدول التي زارها وبناء المساجد والمراكز الإسلامية وإهداء عشرات الآلاف من نسخ القرآن...
- من الناحية الاقتصادية: تعلم فرنسا/بريطانيا انفتاح شهية الملك للأعمال التجارية، لذلك أوكلتا إليه هذه المهمة وسمحتا له بأن يغترف قليلاً مقابل ما سيجلبه لهما، ولم يُضِع الملك الفرصة فقد اصطحب شركاته معه (التجاري وفا بنك، مناجم،...) لكي يضمن لها نصيب الأسد من المشاريع الموقعة، فيما ينال باقي الشركات المغربية فتات الفتات.
- من الناحية السياسية: المغرب هو أكثر الدول استقراراً في شمال إفريقيا وبالتالي الأقدر على القيام بهذه المهمة.
وفي الأخير نقول إنه للأسف يثبت مرة بعد مرة أن حكامنا لا يتصرفون من تلقاء أنفسهم وأنهم يتحركون بناء على ما يصدر إليهم من أوامر، وأن الضجة التي أثيرت وتثار حول زيارات الملك لدول إفريقيا يراد منها بالأساس التغطية على الغاية الأساسية منها وهي خدمة مصالح الدولتين الاستعماريتين فرنسا وبريطانيا، ولو كان القصد من هذه الجولة هو تنمية الاقتصاد المغربي كما يقال، فقد كان الأولى ضخ هذه الجهود والمساعدات داخل المغرب، فهو أحوج إليها إن تم تطبيق مفاهيم الوطنية التي تتبناها الدولة.
بقلم: محمد بن عبد الله
رأيك في الموضوع