منذ أن انطلق التحرك الأخير في حي جوبر بالعاصمة دمشق عبر معركة "يا عباد الله اثبتوا" يوم الأحد التاسع عشر من آذار/مارس الجاري بمشاركة عدة فصائل، وما زالت المعارك مستمرة، وقد حققت انتصارات كبيرة مع انطلاقتها بالسيطرة على المنطقة الصناعية الواقعة بين حي جوبر وحي القابون المحاصر، ووصلت المعارك إلى حي العباسيين وتمت السيطرة على كراجها الشهير والذي لا يبعد كثيراً عن وسط العاصمة دمشق وأحيائها القديمة، هذه المعركة وعلى ضآلة عدتها وعتادها إلا من الإيمان المطلق بنصر الله، جيشت المشاعر وألهبت الثورة من جديد وأعادت لها البريق، في الوقت الذي كانت تمر فيه قبل أيام ذكرى إكمال عامها السادس، وسط تشاؤم كبير من حاضنة الثورة تبع سقوط حلب المدوي وتهجير آخر أحياء حمص عاصمة الثورة، باتفاقات دولية وخذلان كبير ممن يدّعون دعمها وعلى رأسهم النظام التركي.
وترافق هذا الحدث العسكري الكبير مع تحركات سياسية ودبلوماسية، أصرّ فيها رئيس وفد التفاوض نصر الحريري في تصريح صحفي على التمسك ببحث الانتقال السياسي وفق القرار الأممي 2254، والتركيز على المضامين من أجل الوصول إلى الانتقال السياسي لمحاربة (الإرهاب)، وهذه المضامين هي السلال الأربع التي يعمل عليها المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا الذي خرج عن صمته وطالب الجميع بالتوقف عن القتال والتوجه إلى جنيف للوصول إلى حل سياسي حقيقي، وهو ما لم يسمعه أهل الشام عند كل تقدم للنظام من هذا المبعوث، إلا إن كان التقدم من طرف الثوار، في صورة تعكس حقيقة مهمة هذا المبعوث، وفعلاً عقدت الجمعة الجلسة الخامسة في ماراثون جنيف دون أن تخرج عن شيء جديد سوى الاتفاق على جنيف آخر بموعد جديد.
لكن التحرك العسكري الأخير وهو اللافت هذه المرة أكثر، وهذا التقدم أعاد الدماء في عروق الثورة والثائرين من جديد، وأعطى للثورة زخماً كانت تحتاجه في ظل التآمر الدولي الكبير عليها منعاً لانتصارها، وإشاعة اليأس في نفوس أهل الشام، في المقابل وعلى الطرف الآخر كشف هذا الحراك ضعف النظام وتهاويه في عقر داره، تحت ضربات الثائرين رغم كل ما يمتلكه من عدة وعتاد ومليشيات مستوردة من كل أصقاع الأرض، وطبعاً هذا عائد لأسباب عدة: أهمها أن النظام الذي لا يمثل أهل الشام كان يركن إلى الواقع الدولي وضماناته بأن الثورة لن تصل إلى العاصمة بل على العكس كانت مكنسة التهجير تسير بخطىً متسارعة نحو تنظيف حزام دمشق من الثائرين، برعاية أممية، وكانت قوات النظام قد انتقلت إلى أطراف حيي القابون وبرزة تحاول إحكام الحصار بغرض فرض الاستسلام عليها ومن ثم يجري عليهم ما جرى على من قبلهم في داريا وقدسيا والهامة وغيرها، بالخروج إلى محافظة إدلب.
وما كاد النظام أن يسترد وعيه من صدمة العاصمة حتى بدأ الثوار معركة جديدة بقيادة هيئة تحرير الشام وبعض فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي وحددت هدفها بتحرير مدينة حماة، فشكلت صدمة متناهية للنظام وهو يرى تساقط المناطق والحواجز والثكنات بيد الثائرين دون أن يستطيع إيقافهم، ما دفع السفير الروسي بمكتب الأمم المتحدة في جنيف أليكسي بورودافيكين إلى تحذير من سماهم مخترقي وقف إطلاق النار، من "مصير لا يحسدون عليه" سينتظرهم في حال واصلوا الانتهاكات، وترافقت هذه التصريحات مع محاولات عدة للضغط على الثوار لإيقاف المعارك بحجج عديدة، لكن كل ذلك لم يفت في عضد الثوار عن مواصلة تقدمهم، ما استدعى من نظام أسد أن يستعيد عدداً كبيراً من قواته من عدة جبهات للدفاع عن العاصمة كان أبرزها انسحاب قواته من مدينة تادف بالريف الشرقي لحلب، بالإضافة لأعداد كبيرة من المليشيات الطائفية العراقية واللبنانية بحيث يستطيع إيقاف التقدم باتجاه وسط دمشق، كما بدأت الطائرات الروسية بقصف عنيف جداً وبأعداد كبيرة على النقاط التي تقدم إليها الثوار، بكافة أنواع الأسلحة والصواريخ مستخدمة سياسة الأرض المحروقة حتى تتوقف الهجمة، كما استنفر النظام قواته في عدة مناطق بالتوجه إلى حماة حتى يوقف التقدم الحاصل على جبهاتها، لمنع الثوار من الوصول إلى المدينة ومطارها الاستراتيجي.
هذه التحركات الدراماتيكية التي حصلت في دمشق وحماة ومن قبلها في درعا كشفت حقائق عدة كان حزب التحرير "الرائد الذي لا يكذب أهله" سبّاقاً في كشفها لأهله في الشام أولها: أن النظام لا يسقط إلا في عقر داره في العاصمة، فالأفعى لا تقتل إلا بقطع رأسها، وهذه الحقيقة تؤكدها نظرية العالم المؤرخ ابن خلدون الذي قال قبل مئات السنين في القرن الرابع عشر (إذا غلب على الدولة من مركزها فلا ينفعها بقاء الأطراف والنطاق فتضمحل لوقتها، لأن المركز كالقلب تنبعث منه الروح، فإذا غُلب القلب انهزم جميع الأطراف)، ثانياً أن على الثوار أن يقطعوا علاقاتهم بالداعمين الذين تبين أنهم كانوا من أكبر أسباب انهزام الثوار وانحسارهم في كثير من المناطق، ثالثاً: أن النظام متهالك وهو أوهن من بيت العنكبوت ويعيش على أكسجين الدعم الخارجي والغطاء السياسي الدولي وعلى رأسه أمريكا، رابعاً: أن ثورة الشام متجذرة في وجدان أهل الشام، فما أن وصلت أخبار التحرك العسكري في دمشق وما تبعه من معارك في حماة حتى انطلق الناشطون والحاضنة الشعبية في مظاهرات تؤكد على مطالب الثورة وأولها إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه وإقامة حكم الإسلام، وكان لشباب حزب التحرير الدور الكبير في هذا التحرك الشعبي، فهم القلب الذي ينبض بين جوانح أهله.
وخلاصة المشهد العسكري والسياسي أن الغرب وعلى رأسه أمريكا مستمرون في مؤامراتهم ومؤتمراتهم عن طريق أتباعهم حكام المسلمين، على ثورة الشام وأهلها الصابرين المحتسبين أجرهم على الله، بعد ست سنين وعيونهم ترقب دمشق بانتظار خبر إعلان إسقاط النظام وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ومبايعة الخليفة الراشد على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله r، ﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾.
بقلم: أحمد معاذ
رأيك في الموضوع