كسر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بروتوكول البيت الأبيض، وذلك بسماحه للمصورين وكاميرات القنوات الفضائية بالتقاط صور اللقاء التاريخي الذي جمعه مع ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ومن المعتاد ألا يُسمح للمصورين ووسائل الإعلام بالحضور والتقاط الصور إلا في حال كان الاجتماع مع رئيس دولة، كما كسر "البروتوكول" في هذا اللقاء، بإقامة وليمة غداء للأمير محمد بن سلمان بأمر الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، في الوقت الذي لا يقيم الرؤساء الأمريكيون ولائم إلا لرؤساء الدول المهمين جداً.
لم تكن زيارة محمد بن سلمان الأخيرة إلى أمريكا زيارة بروتوكولية فقط، بل كانت محطة تاريخية مهمة في تاريخ العلاقة بين الدولتين تجاوز فيها ترامب وضيفه البروتوكول في أكثر من مناسبة، لإظهار حجم العلاقة الودية بين الإدارتين الأمريكية والسعودية، خصوصا تناول الغداء في الجناح الشرقي للبيت الأبيض في الصالة العائلية تحديدا، وهذا دليل على قوة العلاقة التاريخية بالذات مع عملاء أمريكا داخل العائلة الحاكمة هناك والتي بدأت منذ اجتماع الملك عبد العزيز آل سعود مع الرئيس روزفلت على متن يو إس إس كوينسي في عام 1945م، والبناء عليها لمرحلة مستقبلية بعد تثبيت رجالات أمريكا في الحكم وبشكل يُضعف أو ينهي أي دور في الحكم لرجالات الإنجليز بعد مجيء سلمان ومحمد بن نايف ومحمد بن سلمان بحيث تعطى السعودية دورا محوريا في أكثر من مجال تكون فيه إحدى أدوات أمريكا لتحقيق مصالحها في المنطقة وبقرة تحلبها أمريكا متى شاءت لتستنزف ثرواتها وقدراتها في خدمة البيت الأبيض.
وحتى لا يكون الكلام عاما ننتقل من العموم إلى التفصيل، سائلا الله التوفيق والسداد.
لقد ورد عن ترامب قوله: "عليك أن تكون قادرا على التفاوض، مع اليابان ومع السعودية. هل تتخيلون أننا ندافع عن السعودية؟ بكل الأموال التي لديها، نحن ندافع عنها، وهم لا يدفعون لنا شيئاً؟" ومما ورد عنه "السعودية ستكون في ورطة كبيرة قريبا بسبب داعش، وستحتاج لمساعدتنا، لولانا لما وجدت وما كان لها أن تبقى".كما سبق أن دعا العائلة السعودية إلى تقديم ثلاثة أرباع ثروة السعودية إلى أمريكا بدلا من نصفها التي كانت تدفعها مقابل حماية حكمهم واستمراره في الجزيرة العربية، وأضاف أن ما يقدمه آل سعود إلى أمريكا من مال حتى لو كان نصف ثروة البلاد لا قيمة له ولا أهمية بالنسبة لما تقدمه أمريكا لهم من حماية ورعاية.
هذا فضلا عن قانون جاستا الذي هو في حقيقته سيف مسلط على رقاب السعودية لابتزازها تارة والتخلص من عملاء بريطانيا تارة أخرى بتحريك القضايا ضدهم إن شعرت أمريكا منهم بمحاولة الحركة ضد عملائها.
لذا ليس عجبا أن قدّم محمد بن سلمان الدفعة الأولى تحت بند الاستثمارات التي تجاوزت قيمتها 200 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، وذكر الخبر أن توسيع التعاون الاقتصادي يمكن أن يخلق مليون وظيفة مباشرة وملايين الوظائف غير المباشرة في أمريكا خلال الأربع سنوات المقبلة.
وما إقدام السعودية على بيع بعض حصص شركة أرامكو بحجة الخصخصة بطرح بعض الأسهم للبيع إلا خدمة للشركات الأمريكية وتوفير المال المطلوب لأمريكا وخططها في المنطقة.
وأضف إليه تأزيم العلاقة بإيران وملفها النووي - وإيران هي أكبر من خدم مصالح أمريكا في غزو العراق وأفغانستان ودورها الإجرامي في الشام - إلا من باب ارتماء الخليج في أحضان أمريكا وشراء السلاح وتحريك عجلة الاقتصاد الأمريكي وعسكرة الخليج.
لقد ارتفعت حيازة السعودية من سندات الخزانة الأمريكية إلى 112.3 مليار دولار بنهاية كانون الثاني/يناير 2017، بزيادة قدرها 9.5 مليار دولار مقارنة بشهر كانون الأول/ديسمبر 2016، مسجلة أكبر زيادة شهرية منذ إعلان البيانات في تموز/يوليو 2015، وتحتل بذلك المرتبة الـ12 من بين كبار حاملي السندات الأمريكية.
هذا فيما يتعلق بالعلاقة الثنائية وخدمة الداخل والاقتصاد الأمريكي، أما ما يتعلق بخطط أمريكا في المنطقة فقد تعهد ترامب بإنشاء مناطق إنسانية آمنة في سوريا ومطالبا دول الخليج خاصة السعودية والإمارات بتمويل هذا المشروع بحجة أن بلاده غير قادرة، بسبب الحجم الضخم لدينها العام، على تمويل هذا المشروع، مضيفا أنه سيطالب دول الخليج بتقديم الأموال المطلوبة.
ومن جانب آخر فقد زار الجبير وزير خارجية السعودية العراق مبدياً "استعداد السعودية لدعم إعادة الاستقرار في المناطق المحررة". بتلزيم مناطق السنة في العراق للسعودية وتركيا لإحكام القبضة على أهل المنطقة لنقلها من منطقة تحدٍ لأمريكا إلى منطقة نفوذ من خلال العملاء في الداخل والعملاء الإقليميين، بالإضافة إلى أخطر دور وهو دورها السابق واللاحق فيما يسمى محاربة (الإرهاب) أي الإسلام، وقد ورد هذا التعهد بمحاربة (الإرهاب) على لسان محمد بن سلمان مدعيا أن السعودية اكتوت بناره وأنها على أتم الاستعداد لأن تكون في المقدمة، والسعودية سوف تسير بهذا المطلب لأبعد مدى لطبيعة مكانتها الدينية وزعامتها لها- لتضليل المسلمين بأنها ليست حربا على الإسلام - وبسبب كثرة المتهمين فيها مع أنهم على إخلاص معظمهم كانوا ضحية المؤامرات الأمريكية.
وأخيرا إن أمريكا بحاجة إلى الاطمئنان على نفوذها في السعودية حيث كان سابقا متقلبا بحكم ترتيب ولاية العهد فأرادت أن تأتي بجيل من الشباب - وليس ببعض العجزة الذين كانت تتحرك سيارات الإسعاف خلفهم - وقامت بقرارات مصيرية بعد وفاة عبد الله آل سعود بل منعته من التحرك قبيل وفاته لمحاولته عزل سلمان فقامت بترتيب الوضع الداخلي بشكل تأمن فيه على عملائها وتنقل بلاد الحجاز من التقلبات إلى العمالة الثابتة لها.
ويبقى أمر آخر يبدو أن إدارة ترامب أدركته جيدا وهو التنافس بين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف في تثبيته ملكا بعد وفاة سلمان، وهذا من شأنه أن يدفع سلمان وابنه لدفع أكثر مما تطلبه أمريكا خاصة وأنه يملك أقوى عناصر القوة في السعودية (وزارة الدفاع ورئيس أكبر شركة بترول في العالم وهي أرامكو) وهو يضرب بسيف والده الملك. ولعل هذه الزيارة هي اعتراف ضمني بالملك القادم ومقابل هذا الاعتراف سوف يقدم لأمريكا أكثر مما تطلب.
خلدون عطا الله – الأردن
رأيك في الموضوع