(مترجم)
صرح ألكسندر زاخارتشينكو، رئيس جمهورية دونيتسك الشعبية الذي نصب نفسه بنفسه، صرح لوسائل الإعلام الروسية في 2 آذار/مارس 2017 معلقاً على الإنذار النهائي لحصار دونباس بقوله: "الآن بدأ العد التنازلي، كل يوم يمثل مسماراً يدق في نعش البلاد التي تُسمى أوكرانيا، والدولة ستتوقف تقريباً عن الوجود بعد ما يقارب 60 يوماً على الأكثر". وقال زاخارتشينكو أيضاً إنه كان ينتظر بداية تصعيد الأنشطة العسكرية في دونباس.
لقد تميزت بداية عام 2017 من خلال تصعيد جديد للصراع في دونباس. فقد بدأ في منتصف كانون الثاني/يناير 2017 وبناء على مبادرة من نواب البرلمان الأوكراني سيمين سيمينشينكو وبافل كوستينكو وفلاديمير باراسوك، حظراً تجارياً على منطقتي دونيتسك ولوغانسك الواقعتين تحت سيطرة المسلحين الموالين لروسيا. ويهدف هذا الإجراء وفقاً لقول المبادرين إلى الإفراج عن السجناء المحتجزين في الجمهوريات التي استقلت بنفسها ولقمع (الإرهاب) الذي يمول من خلال التجارة مع هذه الجمهوريات.
وقد قامت السلطات الأوكرانية، تحسباً للتداعيات السلبية لهذه الأحداث، بخطوات استباقية على الفور تقريباً. ولذلك، وفي 27 كانون الثاني/يناير، دعا رئيس الإدارة الإقليمية المدنية - العسكرية لدونيتسك، بافل زيربريفيسكي، "لسن تشريع" تجاري ينظم التجارة مع منطقتي دونيتسك ولوغانسك.
وفي 29 كانون الثاني/يناير، وبعد أول مكالمة هاتفية بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، بدأت عمليات عسكرية في أفديفكا. وقد بدأ في ذلك اليوم إطلاق نار كثيف من المواقع الأوكرانية من خلال أنظمة المدفعية والصواريخ والدبابات والتي حظرتها اتفاقيات مينسك. وفي 15 شباط/فبراير، أعلن مجلس الوزراء الأوكراني عن حالة طوارئ في قطاع الطاقة بسبب عدم توفر الفحم اللازم لتوليد الكمية المطلوبة من الكهرباء، والذي كان نتيجة لحصار دونباس الذي بدأ في مطلع هذا العام.
وبالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الأمريكيون بشأن الأزمة الأوكرانية في شباط/فبراير، شكلت خيبة أمل كبيرة لروسيا. فقد قالت نيكي هالي، السفيرة الأمريكية الجديدة في الأمم المتحدة، في 2 شباط/فبراير عام 2017 خلال أول خطاب لها: "إن الولايات المتحدة تقف مع شعب أوكرانيا، الذي يعيش لأكثر من ثلاث سنوات المعاناة نتيجة للاحتلال والتدخل العسكري الروسي... الولايات المتحدة لا تزال تدين وتدعو إلى توقف الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم بشكل فوري، فشبه جزيرة القرم هي جزء من أوكرانيا".
وفي يوم 15 شباط/فبراير، نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على موقع توتير ما يسمى "تغريدة مليئة بخيبة الأمل" قال فيها إن روسيا احتلت شبه جزيرة القرم بسبب ليونة أوباما المفرطة. وفي الليلة السابقة، عبر المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبيسر، عن موقف دونالد ترامب فيما يتعلق بروسيا في قضية شبه جزيرة القرم بقوله: "الرئيس ترامب يعلن بشكل واضح بأنه يتوقع أن يقوم البرلمان الروسي بوقف تصعيد العنف في أوكرانيا وإعادة شبه جزيرة القرم".
وجاءت تهديدات زاخارتشينكو على خلفية ما ورد أعلاه نتيجة لانتهاء مهلة المطالبة بإنهاء حصار منطقتي دونيتسك ولوغانسك. ومنذ بداية الربيع توقفت الجمهوريات التي استقلت بنفسها عن توريد شحنات الفحم إلى أوكرانيا وقامت "بتأميم" المؤسسات الصناعية الأوكرانية القائمة على الأراضي الواقعة تحت سيطرتها.
واليوم، يتضح للجميع بأن الأزمة الأوكرانية منذ البداية لم تكن تجري بشكل منعزل عن القضايا الدولية الأخرى. فالقوى الكبرى، خاصة أمريكا وروسيا، وبشكل أقل أوروبا؛ فرنسا وإنجلترا وألمانيا، تقوم بشكل دائم باستغلال تفاقم الأزمة الأوكرانية لتعزيز مصالحها.
نعم، إنه من الضروري الحديث عن إعادة توزيع التدفق التجاري من بعض الأقلية الأوكرانية الغنية في التجارة مع الجمهوريات التي استقلت بنفسها، ولكن نظراً لأهمية الأزمة الأوكرانية بالنسبة للاعبين الدوليين، فإن هذا العامل لا يشكل في أحسن الأحوال سوى مسألة ثانوية، ولكنها ليست أساسية.
ويرجع تصاعد الأحداث إلى أسباب داخلية طبيعية، ولكن في كثير من الأحيان تكون نتيجة لتأثير هؤلاء اللاعبين الدوليين. ولا يعتبر سراً أن ما يسمى رئيس الجمهوريات التي استقلت بنفسها ليس أكثر من دمية في يد الكرملين، وضعف الحكومة الأوكرانية في ظل ظروف الحرب غير المعلنة والأزمة الاقتصادية يجعلها عاجزة عن مواجهة المبادرة التي يقوم بها هؤلاء النواب الثلاثة، والتي تحركها على الأرجح بعض القوى الخارجية.
أما فيما يتعلق بإمكانية تنفيذ المخطط الذي تحدث عنه زاخارتشينكو، فيبدو أنه من المستبعد جداً. فقد تغيبت روسيا عن مبادرة بشأن هذه المسألة في النصف الأول من عام 2014، عندما كانت هناك عملية ما يسمى "إعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا". وفي ذلك الوقت، كانت روسيا مصممة وعلى أهبة الاستعداد للتدخل بشكل واسع في حالة مقاومة القوات المسلحة الأوكرانية، التي كانت في ذلك الوقت تتواجد في إقليم شبه جزيرة القرم. ولكن اليوم، فإن روسيا ستصاب بخسائر فادحة في حالة قيامها باجتياح واسع للأراضي الأوكرانية. وذلك على الرغم من أن هناك احتمالاً ضئيلاً لقيامها بذلك، وهذا يرجع إلى حقيقة أن روسيا الحديثة تفضل المساعدات العسكرية كأداة على المناورات السياسية وفقاً للتقاليد المتبعة منذ قرون.
وإمكانية تدمير أوكرانيا باستخدام الوسائل الاقتصادية فقط، أي من خلال توقف توريد الفحم و"تأميم" الشركات الأوكرانية يعتبر أمراً مستحيلاً. فالحكومة الأوكرانية ستجد قريباً حلاً بديلاً عن خطوط التوريد هذه عن طريق ما يسمى الشركاء الغربيين.
وتقع الآن مواجهة كبرى بين أمريكا وروسيا في الأزمة الأوكرانية. ومنذ البدايات الأولى للأزمة، حافظت أوروبا، التي تخاف من صراع واسع النطاق على حدودها، على سياسة التهدئة مع روسيا، ففرضت العقوبات وقامت بتجميد الصراع. وفي هذه المواجهة، تتخذ أمريكا موقفاً هجومياً بينما تتخذ روسيا موقفاً دفاعياً.
إن ضم شبه جزيرة القرم والصراع في شرق أوكرانيا يشكلان "نقطة ضعف" لروسيا. ورغبة روسيا غير المنضبطة بالعودة إلى نادي القوى العظمى الدولي بأي ثمن يجعلها تنخدع بأن أمريكا "ستتعاون معها في عدد كبير من القضايا الدولية". فمنذ بداية الأزمة الأوكرانية، تقوم أمريكا باستغلال روسيا في التعامل مع القضايا الدولية، مثل: البرنامج النووي الإيراني، و"تسوية الأزمة السورية"، وتخويف أوروبا من أجل تعزيز دور حلف شمال الأطلسي.
ومع وصول إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، الذي يجعل على رأس أولويات سياسته الخارجية مواجهة القوة الاقتصادية والعسكرية الصينية المتصاعدة، فإن روسيا التي تمتاز سياسياً بقصر النظر، ستجد فرصة أخرى لكسب ود أمريكا. غير أن ضعف السياسة الخارجية الروسية لا يسمح لها أن تدرك أن أمريكا، على الأقل في المدى المتوسط، لا يمكن أن توافق على تسوية كاملة للأزمة الأوكرانية، لأنه حسب فهمها سيكون من الغباء جداً أن تقوم بقتل الدجاجة التي تبيض لها ذهبا!
هذه هي سياسة القوى العظمى الحديثة في الأزمة الأوكرانية، وبالنسبة لهم، فإن أوكرانيا وثرواتها وأهلها لا تشكل سوى "أشياء" قابلة للاستهلاك في سبيل تحقيق مصالحها الدولية.
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في أوكرانيا
رأيك في الموضوع