تدخل ثورة الشام عامها السابع وما زالت مضرجة بدمائها مثخنة بجراحها، لم تهتد بعد إلى الطبيب الماهر الذي يعرف الداء ويصف الدواء، فقد مضت ست سنوات على هذه الثورة ومرت خلالها بمحطاتٍ عدة كان لا بد ونحن نمرّ في يوم ذكرى انطلاقتها أن نقف على أبرزها ونستخلص الدروس والعبر التي ترسم للثورة مسارها الصحيح وتعيد بوصلتها إلى الاتجاه الصحيح.
لعل أبرز ما يذكره أهل الشام عن بدء ثورتهم هو سرعة توسع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام رغم ضعف العدة والعتاد، وقلة المؤونة، ثم ما لبثت ثورة الشام كذلك حتى باتت تُحاصر العاصمة دمشق وباتت تدق ناقوس الخطر على نظام الإجرام في عقر داره، فاستنفرت أمريكا عملاءها؛ فسرعان ما تدخلت إيران وحزبها في لبنان ليكونا داعمَين لنظام أسد المجرم، في المقابل تدفقت أموال الداعمين لتشتري الذمم وتطفئ عنفوان الثورة المتقد في نفوس أهل الشام.
في الوقت ذاته لم تُغفل أمريكا أهم أعمدة الثورة فسارعت لصُنع كيانٍ سياسي ليكون ممثلاً لثورة الشام وناطقاً باسمها، فكان المجلس الوطني ثم تبعه الائتلاف الوطني، ثم تلاه هيئة المفاوضات، حيث كانت هذه الكيانات ناطقة بالفعل لكن ليس باسم الثورة بل باسم أعدائها، فحملت مشروع الدولة المدنية وسارت في الحل السياسي الذي حددته أمريكا في أول مؤتمر عقدته بجنيف لبحث ما يجري في سوريا.
كانت فكرة الحوار مع النظام ومهادنته أو الصلح معه تُعتبر جريمة بحق الثورة وشهدائها، لكن سرعان ما تحولت عند هذه الفئة السياسية إلى حنكة سياسية وحقن للدماء!! فكان جراء ذلك أن خسرت الثورة كثيراً من المناطق الاستراتيجية، خاصة محيط العاصمة دمشق، ومدينة حمص وأخيراً حلب، واليوم آخر حيٍّ في حمص عاصمة الثورة هو حيّ الوعر يلقى مصير سابقيه، فيُهجر أهله، ويعود إلى ما بات يُعرف بـ"حضن الوطن"!
لقد كانت هدنة "الفوعة وكفريا" الجريمة الشنعاء التي مهدت الطريق لغيرها من الهدن الكبيرة والشاملة، حيث لم تكن هذه الهدن سوى هدنة من طرف واحد، فبينما يلتزم الموقعون على الهدنة ببنودها، يقوم النظام المجرم بخرق الهدنة ومخالفتها، ولطالما سُجلت الخروقات لتُقدم للأمم المتحدة والمجتمع الدولي لعلهم يقتعنون أن هذا النظام هو نظام مجرم سفاح، لا عهد له ولا ذمة. لكن الأمم المتحدة ومن ورائها المجتمع الدولي كان موقفهم واضحا منذ البداية، فالثورة لا ترضيهم، بل إنها تُعتبر عدوهم الذي يريد اقتلاع نفوذهم من بلاد المسلمين، ولعل بعض المنضبعين بالغرب يقول الآن إن الغرب لم يدعم الثورة بسبب وجود تنظيم الدولة وما يُسمى بالفصائل المتطرفة؛ فلنعد إلى بداية الثورة لنجد أن هذه الفصائل لم تظهر إلا بعد انقضاء أكثر من عام ونصف على ثورة الشام، فلماذا لم يدعم الغرب الثورة وقتها؟ أجيبه وببساطة، إن الغرب لم يدعم الثورة لأنها تعارض مصالحه، ولأنه اضطر لأن يبدي وجهه الحقيقي؛ وما قدمه من شعارات حول حقوق الإنسان والحريات، ما هي إلا لذر الرماد في العيون، وللتعمية على جرائمه بحق الإسلام والمسلمين.
هذه هي ثورة الشام الكاشفة الفاضحة، فهي لم تكشف وجه الغرب الحقيقي فقط، بل كشفت أيضاً حقيقة موقف الأنظمة الإقليمية ومنها النظام التركي من الثورة، فلقد كان سقوط حلب حدثاً مدوياً، كشف تواطؤ النظام التركي مع المجرم بوتين، وكذلك فقد كشف لعامة أهل الشام أنه لا بد من قيادة سياسية مخلصة، تقود ثورة الشام إلى برِّ الأمان، وتحفظ الثورة من خاطفيها والعابثين بها.
ست سنوات مرّت على ثورة الشام، كانت مليئة بالتضحيات الجسام، قدم فيها أهل الشام مئات الآلاف من الشهداء والملايين من المهجرين، ولكنهم لم يحصلوا على ثمار تضحياتهم، فقد بات شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" كلمات كتبها التاريخ عن بداية الثورة، ولم يعد في حسبان قادة الثورة إسقاط النظام، بل جُل ما يفكرون به هو مهادنة النظام ومفاوضته!
لقد كان تقديم المال السياسي القذر لثورة الشام، جرثومة خطيرة فتكت بالثورة، وحولت إسقاط النظام إلى مهادنته، وحولت قتال النظام إلى وقف إطلاق النار معه، كما حولت الجبهات المشتعلة إلى نقاط حراسة للعدو!
لقد كانت هذه السنوات الستّ كافية لكشف الأطروحات التي قدمها الكثير والتي افتقدت للمشروع الواضح والمتكامل، وأيضاً كانت كافية لرسم مسار الثورة بشكل صحيح، فما مرَّ بالثورة خلال سنواتها فيه من الدروس والعبر ما يكفي لإعادة الثورة إلى مسارها الذي يرضي الله، فالثورة اليوم لا يجمعها سوى مشروع سياسي منبثق عن عقيدة الإسلام، مشروع لا يقبل التلون ولا الذوبان، مشروع مبلور كلُّ ما فيه، مشروع يحمله ثلة صادقة مخلصة، مشروع تتبناه كافة شرائح الثورة فتُسقط النظام في عقر داره وتقيم دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
ست سنوات كان فيها حزب التحرير وما زال الرائد الذي لا يكذب أهله، فوقف مع الثورة وحث عليها، ورسم لها مسارها وحدد لها ثوابتها، وحذر فيها من المال السياسي القذر، وكشف لها خطط أمريكا وعملائها، وقدم لها مشروعاً سياسياً مستنبطاً من الكتاب والسنة، مشروع دولة الخلافة على منهاج النبوة، واليوم يقدم نفسه كقيادة سياسية للثورة وهو الأجدر بها، يقود الثورة بما يرضي الله، يقودها نحو التخلص من نظام الإجرام وإقامة نظام الإسلام، بفهم واضح ومبلور، وعقيدة راسخة ثابتة، وبإيمان بالله وثقة بوعده، وذلك تحقيقاً لبشرى نبينا محمد e «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».
رأيك في الموضوع