نشرت وكالات الأنباء ووسائل إعلامية متعددة أن النظام المصري رتب لقاء بين حفتر مصحوباً بعقيلة صالح رئيس برلمان طبرق من جهة وفايز السرّاج رئيس حكومة "وثيقة الصخيرات" من جهةٍ أخرى. للبحث في المسائل المختلف عليها بين حفتر وحكومة السرّاج.
غير أنه بعد ذلك الترتيب أُعلن فشله، ورجع فايز السرّاج إلى طرابلس على وجه السرعة. وأعلن في بيانٍ له "بأن حفتر هو من رفض اللقاء إلاّ بشروطه" وحمّل السراج حفتر مسؤولية فشل اللقاء. وتبعه نائبه "القوي" أحمد معيتيق قائلاً: "بأن الجيش الليبي المعترف به، هو الجيش الذي يتبع "حكومة الوفاق" المنبثقة عن وثيقة الصخيرات"، وظهر ذلك كردٍ على موقف حفتر ومن يدعمه.!!
وفي هذه الأثناء جاء على صفحة "الناطق العسكري للقوات المسلحة المصرية" على موقع الفيسبوك: "بأنه حصلت جملة من التفاهمات بين المتحاورين الليبيين منها:
1- تشكيل لجنة مشتركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة من 15 عضواً عن كل طرف للنظر في القضايا التي سبق النظر فيها بين الفريقين، للتوصل إلى صيغةٍ توافقية ورفعها إلى مجلس النواب لإقرارها.
2- قيام مجلس النواب بإجراء التعديلات الدستورية اللازمة، لتضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري، بعد الاتفاق عليها في اللجنة المشتركة.
3- العمل على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعد أقصاه "شباط/فبراير 2018" حسب ما نصت عليه "وثيقة الصخيرات".
4- استمرار شاغلي المناصب الرئيسية في ليبيا لحين انتهاء الفترة الانتقالية.
يقولون إن الاجتماع لم ينعقد لأن حفتر رفض الجلوس مع السراج!!! والسؤال: كيف تستدعيهم السلطات المصرية ولا يكون الاجتماع!! مع أن الطرف المقابل للسراج جميعهم كالخاتم في إصبع السلطات المصرية، بما فيهم حفتر نفسه "صاحب المقولة المشهورة عنه: أنا مع مصر حتى لو قامت بعمل ضد مصلحة ليبيا". فهل لو أرادت مصر حصول اللقاء يجرؤ أي منهم أن يقول لا؟!
إذا ما المقصود من كل هذا الضجيج الإعلامي حول المبادرة المصرية لحل الأزمة الليبية؟
يبدو أن المسعى كله كان يتمحور حول مسألتين.
الأولى: كيف تستطيع مصر إلغاء وثيقة الصخيرات التي يعول عليها الأوروبيِون بشكل كامل، في الوقت الذي لا تريدها أمريكا، وتسعى إلى إسقاطها. وما جاء في تقرير صحيفة "لاستمبا الإيطالية" يبين موقف أمريكا بشكل جلي "حيث ذكرت أن قادة الإدارة الأمريكية بيّنوا خلال اجتماعات كثيرة أن إدارتهم لم تعد ملزمة بقرارات الحكومة السابقة فيما يتعلق بليبيا، وأنهم أبلغوا مسؤولين في واشنطن وفي إيطاليا بأن أمريكا لم تعد ملتزمة بدعم حكومة الوفاق في ليبيا التي شكلت تحت إشراف أُمميّ".
الثانية: أن مصر تدرك أن السراج رجل ضعيف ولا ثقل له في المعادلة الليبية، فهو لا قبيلة له، ولا سلاح لديه، ولا وسط سياسياً يدعمه، فهو مجرد واجهة وضعت ليظن كل اللاعبين على الساحة إمكانية استغلاله، ومن المفيد معرفة المحرك الحقيقي له ولجوقتهِ.
ولذلك أظن أن النظام المصري ومن خلفه أرادوا إذلاله وجعله ينبطح أكثر في موضوع: إلغاء "وثيقة الصخيرات"، وسَوقه وإقحامه في قتال الثوار حتى ينهي أحدهم الآخر ومحاولة إقحام بعض من معه في تشكيلته إلى الانجرار في قتال الثوار في طرابلس.
غير أن هذا المخطط الذي تسير فيه السلطات المصرية بدأت حظوظه تتضاءل بعد مستجدات كثيرة على الساحة، أهمها:
أولاً: - أن المساعي المبذولة على صعيد توحيد الثوار قد أثمرت انضواء الثوار تحت مسمى "الحرس الوطني" استجابة لمساعي الخيّرين، وشعوراً بالمسؤولية والخطر الداهم عليهم وعلى البلاد، واستجابة للقانون الذي أصدره المؤتمر الوطني العام.
- القرار رقم 2 بتاريخ 2015 "بإنشاء وتشكيل الحرس الوطني" كمؤسسة شبه عسكرية موازية لمؤسسة الجيش ومؤسسة الشرطة، خاضعة لرئاسة الدولة وغير خاضعة للحكومة، مهمتها الحفاظ على الثورة والتصدي لأي محاولة انقلابية على السلطة؟
- استجابة الشارع وتفاعله مع دعوات التصدي لحفتر٠
- رجوع حكومة خليفة الغويل "حكومة الإنقاذ" إلى المشهد السياسي بشيء من القوة. وسيطرتها على مجموعة من المقرات الحكومية مدعومة من الثوار داخلياً وبشيء من الرأي العام، واستيلاؤها على وزارات منها الدفاع والداخلية والشهداء والعمل والتعليم وغيرها.
- إقدام هذه الحكومة على إصلاح المطار الدولي وصيانته وافتتاحه، مما يشكل رئةً يتنفس عبرها تيار الثورة.
- حصول حكومة الغويل على شيء من التأييد من الجزائر حسب ما أفاده أحد أركانها.
ثانيا: ما ظهر في الأسبوع الماضي من تخلخل للوضع في المناطق الشرقية التابعة لحفتر. فقد انتفضت بعض القبائل على حفتر على إثر اعتقال أبناء لهم، منهم قبيلة "البراعصة" وقبيلة "العواقير" وهما من كبرى القبائل التي اعتمد عليها حفتر في البداية.
مع انشقاق قائد المنطقة الوسطى في الشرق "منطقة الجبل الأخضر" واتهامه حفتر في بيان متلفز بأنه خرّب ليبيا وبأنه متحالف مع تنظيم الدولة وبأنه لا يحارب (الإرهاب) بل يكذب في ذلك. بالإضافة إلى عجزه العجز المريع لمدة 3 سنوات في القضاء على "ثوار بنغازي" وهم قلّة، بضعُ مئات في رقعة ضيقة في مدينه بنغازي، وقد فقد في المواجهة معهم ما يزيد عن 14 ألفاً من عناصره ومحاربيه حتى أصبحت المآتم في كل بيت من بيوت القبائل الشرقية السائرة معه.
وقد يقود هذا الحال الذي أصبح عليه حفتر إلى التفكير الجدي لدى داعميه بضرورة استبداله، ولكن العقبة الكأداء أنهم لا يملكون غيره وحاجتهم الماسة له في الظرف الحالي.
فما هو المتوقع حصوله في المستقبل القريب؟ بعد هذا الاهتراء في حكومة السراج وعجز وثيقة بعثة الأمم المتحدة على إحداث أي تقدم على مستوى الوضع المتأزم في ليبيا، وبعد عودة الروح في الثوار من جديد، وحصول ما يمكن أن نسميه بدايات انتفاضة في المناطق الشرقية على سلطة حفتر وفي الوقت ذاته الذي تبدو فيه أمريكا على وشك تغيير سلوكها السياسي في ليبيا. ولعل الدور غير الواضح الذي تقوم به تركيا في ليبيا فهي تعلن دعمها "لوثيقة الصخيرات" ولحكومة السراج، وفي الوقت نفسه تتواصل بشكل لافت ودائم لحكومة "خليفة الغويل" أي "حكومة الإنقاذ" بوصفها حكومة الثوار، مما يزيد الوضع غموضاً.
فهل يعي الثوار المخلصون والوسط السياسي الداعم لهم على صورة المشهد السياسي في البلد؟ ومن ثم العمل الجاد السريع على استثمار هذا الإرباك وهذا الارتباك الحاصل للقوى المناوئة للثورة، بمزيد من الوحدة والعمل على الارتباط التام بثوابت الأمة في التمسك باستقلالية الثورة عن أي تأثير أو تأثر بالغرب، والالتزام بما قدمه علماء البلاد في مبادرة طيبة لتطبيق أحكام الإسلام في تعديل للقوانين والتشريعات المعمول بها في البلاد وما قاموا به من مراجعات في ذلك، والابتعاد بالكامل عن فكرة الاستعانة بالأجنبي حتى لا يؤول حالهم لما آل إليه السراج أو حفتر من خضوع ووقوعٍ في شباك العدو الأجنبي؟!
بقلم: أحمد المهذب
رأيك في الموضوع