شهدت العاصمة الماليزية، كوالالمبور، منذ العام الماضي، سلسلة احتجاجات شعبية مناهضة لرئيس الوزراء، نجيب عبد الرزاق، تطالبه بالرحيل عن منصبه. وآخرها المظاهرة التي قام بها طلاب ماليزيون في 27 آب/أغسطس 2016 في كوالالمبور للمطالبة باعتقال رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق المتورط فى تحقيق تجريه الحكومة الأمريكية حول حدوث عملية احتيال واسعة النطاق فى صندوق الاستثمار الماليزي (الوسط الإخبارية، 8 آب/أغسطس 2016).
الأمر البارز من تلك الاحتجاجات مشاركة رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد فيها، بل أصبح مهاتير أشد المنتقدين لنجيب الذي يواجه ضغوطاً، بسبب فضيحة فساد في صندوق تمويل حكومي. حيث دعا مهاتير رئيس الوزراء الحالي نجيب عبد الرزاق لتقديم استقالته بسبب فضيحة مالية تتعلق بصندوق تنمية ماليزيا (1أم.دي.بي، وقدم مهاتير طلبا للمحكمة في آذار/مارس بتجميد أصول نجيب، وطلب أيضا الكشف عن جميع الأصول التي تحمل اسم نجيب والتي تحمل أسماء من ينوبون عنه، واتهم بالدعوى أن نجيب قد تدخل في العديد من التحقيقات فيما يتعلق بصندوق تنمية ماليزيا (رويترز، 19 نيسان/أبريل 2016). وقبل رفع هذا الطلب بأسبوع، قرر مهاتير محمد الانسحاب من الحزب الحاكم الذي هو حزبه خلال فترة رئاسته للبلاد، واعتبر حزب المنظمة الوطنية المتحدة للملايو "مسانداً للفساد" تحت قيادة رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق (البيان، 29 شباط/فبراير 2016).
والأمر البارز أيضا في المسعى للإطاحة برئيس الوزراء الحالي نجيب عبد الرزاق هو دعم زعيم المعارضة الماليزية المسجون أنور إبراهيم لخصمه القديم مهاتير محمد. وهذا الدعم يمثل تحولا جذريا في المشهد السياسي في ماليزيا لأن الخصومة بين الرجلين قائمة منذ قرر مهاتير إقالة أنور من منصبه كنائب لرئيس الوزراء في عام 1998 وسجنه بتهمة ممارسة فعل قوم لوط التي قال كثير من المراقبين إن وراءها دوافع سياسية. وفي بيان صدر من محبسه يوم الخميس 3 آذار/مارس 2016، قال أنور إنه "سيدعم موقف" المجتمع المدني والأحزاب السياسية والأفراد وبينهم مهاتير في المساعي لعزل نجيب". وأضاف أن رئيس الوزراء الحالي "مسؤول عن مواصلة الانخراط في أفعال سياسية نفعية تعيث فسادا في المؤسسات الإدارية وتثقل كاهل الشعب بأزمة اقتصادية متواصلة". (رويترز، 4 آذار/مارس 2016)
وقد واجه نجيب ضغوطا للتنحي منذ منتصف العام الماضي لصلته بفضيحة مالية تتضمن صندوق تنمية ماليزيا الذي تملكه الدولة وودائع في حساباته البنكية الشخصية لا سيما بعد تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في منتصف عام 2015 أنها بلغت نحو 700 مليون دولار. وأوضحت الصحيفة في تقريرها أن الودائع تم تحويلها في 21 و25 آذار/مارس من عام 2013، خلال الحملة الانتخابية الساخنة في ماليزيا... وقررت الصحيفة أيضا في شهر كانون الثاني/يناير من هذه السنة أنها تتبعت المزيد من الودائع ليتجاوز المبلغ الإجمالي في حسابات نجيب المليار دولار.
وتزايد الأمر بعد اتخاذ وزارة العدل الأمريكية في شهر تموز/يوليو الماضي إجراءات لمصادرة أصول تابعة لصندوق سيادي حكومي في ماليزيا تبلغ قيمتها مليار دولار، حيث زعمت الوزارة أن تلك الأموال "اختلست" من صندوق تنمية ماليزيا 1MDB، ورغم أنها لم تذكر اسم رئيس وزراء ماليزيا "نجيب عبد الرزاق" مباشرة، إلا أنه معروف في القضية بسبب الأموال الطائلة التي دخلت حسابه المصرفي (بي بي سي عربي، 21 تموز/يوليو 2016).
وقد نفى عبد الرزاق الذي يرفض على مدى شهور الدعوات الموجهة له للاستقالة من زعماء في المعارضة وشخصيات في الدولة، نفى ارتكاب أي خطأ أو أنه أخذ أي أموال لربح شخصي. وأعلن المدعي العام الماليزي، الثلاثاء 26 كانون الثاني 2016، أن السعودية قدمت "هبة" بقيمة 681 مليون دولار كانت بهدف "مساعدته للفوز بانتخابات عام 2013، وحسب زعمه أن هذه الهبة هي التي أثارت الشبهات حول تورط رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق في فضيحة مالية.
ولكن الشيء الملاحظ أيضا أن علاقة أمريكا وماليزيا بقيادة نجيب عبد الرزاق، تزايدت خلال الانتقادات لنجيب، لا سيما في المشروع الذي قامت به أمريكا في ما يسمى بالحرب ضد (الإرهاب). وقد وقعت ماليزيا والولايات المتحدة اتفاقا في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي لتعزيز التعاون في مكافحة (الإرهاب)، وبموجب هذا الاتفاق يمكن لماليزيا الوصول لقاعدة البيانات الأمريكية الخاصة بـ"الإرهابيين". وقامت ماليزيا أيضا بترويج الإسلام الوسطي المعتدل ليتصدى لخطاب (الإسلام المضلل) كما وصفته أمريكا حيث قال باراك أوباما إن "ماليزيا يمكنها تقديم دعم غير عادي لقضايا مثل التصدي للخطاب المضلل الذي انتشر وتبنته التنظيمات الإرهابية حول العالم". وأرسلت ماليزيا خبراء مختصين إلى أستراليا في شباط/فبراير لمساعدتها في مكافحة (الإرهاب)، وهذا يعني استغلال أستراليا (حليفة أمريكا والمعادية الوقحة للإسلام والمسلمين) لماليزيا في محاربة (الإرهاب) أو التطرف والقضاء عليه، وتغيير الإسلام بدعوى إصلاحه التي أطلقها رئيس الوزراء الأسترالي السابق والمعادي الكبير للإسلام توني أبوت... وسنت الحكومة الماليزية العديد من القوانين والتشريعات القمعية لمنع انتشار التهديدات الإرهابية استجابة لطلب من أجهزة الأمن، وغير ذلك من الوظائف التي قامت بها الحكومة الماليزية بقيادة نجيب.
نعم، فإن قضية الفساد والاختلاس والسرقة لأموال الدولة هي سائدة في البلاد الإسلامية وليس فقط في ماليزيا - مع الأسف الشديد -، وذلك نتيجة فساد النظام الديمقراطي، ولكن فضح الحكومة الأمريكية لذلك كما تمثل في تقرير وزارة العدل الأمريكية فضلا عما قررته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، شيء لافت للنظر، فماذا تريد أمريكا من ذلك إن لم يكن ترسيخ سيطرتها على البلاد فضلا عن كون ماليزيا لا تزال تحت نفوذ إنجلترا حتى الآن. وبما أن المشروع الاستعماري الذي قام به الغرب بقيادة أمريكا يتركز اليوم على الحرب ضد (الإرهاب)، فيظهر استفادة أمريكا من القضية السياسية التي تعانيها ماليزيا الآن. وأما ما يحدث في الساحة فما هو إلا تنافس بين السياسيين على الحكم كما يظهر في البلاد الإسلامية الأخرى ومع الأسف الشديد. لأجل ذلك يجب أن يعي الشعب الماليزي المسلم، فساد النظام المطبق عليهم الآن والذي أدى إلى انتشار الفساد وأزمة البلاد وضيق المعاش، ومكر هؤلاء المستعمرين، أمريكا وأعوانهم التي لا تزال تلعب بمشاعر المجتمع وتخادعهم بالآمال والأحلام الكاذبة للتغيير، كما حصل في إندونيسيا، وأن يقوم بالتغير الجذري بالإسلام وتطبيق شريعته في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
بقلم: أدي سوديانا
رأيك في الموضوع