تعيش المنطقة الحدودية المغربية الموريتانية توترا منذ منتصف شهر آب الماضي انعكس على سخونة قضية الصحراء وأعاد للواجهة شبح الحرب بين المغرب والجبهة الانفصالية البوليساريو. فما حقيقة ما يجري؟
بتاريخ 14/08/2016 بدأ المغرب حملة تطهيرية للمنطقة الحدودية الكركرات مع موريتانيا للحد من أنشطة التهريب والتجارة غير المشروعة حسب بيان ولاية جهة الداخلة - واد الذهب المغربية الصادر يوم 16/08/2016، وذكر البيان أن العملية نفذتها المصالح الأمنية وعناصر الجمارك. وردا على التحرك المغربي راسل زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي يوم 15 آب/أغسطس الأمين العام الأممي بان كي مون للاحتجاج على ما وصفه بـ"الانتهاك المغربي" لوقف إطلاق النار. وقد صرح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق خلال مؤتمر صحفي عقده بتاريخ 18/08/2016: "إن البعثة الأممية نشرت في 16 و17 آب/أغسطس وسائل برية وجوية للتحقيق في الاتهامات حول انتهاكات في الجزء الجنوبي الغربي من الصحراء الغربية قرب موريتانيا"، وأضاف "أن البعثة لم تلحظ وجودا عسكريا أو معدات عسكرية، بل فقط آليات مدنية تعبر الجدار الرملي المغربي".
واستمر المغرب في عمليته وبدأ بترصيف الطريق الحدودي الرابط بين المغرب وموريتانيا والموجود وراء الجدار الأمني وهو ما أكده البيان الثاني لولاية جهة الداخلة - واد الذهب الصادر بتاريخ 23/08/2016 حيث أفاد أنه "تم الشروع مؤخرا في تعبيد محور طرقي على امتداد مسافة 3.8 كلم بمنطقة الكركارات، جنوب المملكة".
وبحجة عدم استجابة الأمم المتحدة لمطالب جبهة البوليساريو ولعدم اضطلاع بعثة المينورسو بدورها في مراقبة انتهاكات وقف إطلاق النار، دخلت وحدة عسكرية للانفصاليين يوم 28/08/2016 إلى المنطقة العازلة وتمركزت بالقرب من العمال المغاربة الذين يعملون في ترصيف الطريق، مما حدا بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بدعوة المغرب والبوليساريو إلى وقف أي عمل من شأنه تغيير الوضع القائم، وسحب وحداتهما العسكرية لمنع أي تصعيد جديد.
لقد صورت العديد من وسائل الإعلام على إثر هذه العملية العلاقة بين المغرب وموريتانيا بدق طبول الحرب وربطتها بحادثة رفع العلم الموريتاني بمدينة الكويرة التي يعتبرها المغرب مدينة مغربية لكنها غير مأهولة ولم يدخلها المغرب منذ انسحاب موريتانيا منها سنة 1979. وقد فند الوزير المتحدث باسم الحكومة الموريتانية محمد الأمين ولد الشيخ هذه الادعاءات ونفى وجود تدهور في العلاقات بين البلدين قائلا: "لا يوجد أي شيء يلفت الانتباه مع المغرب، لا على المستوى الاقتصادي ولا على المستوى السياسي ولا على المستوى العسكري". كما أضاف بأن "الأمور طبيعية وما تم تداوله مجرد كتابات تظهر من هنا وهناك تعبر عن رأي كاتبها فقط".
والراجح من خلال مجريات الأحداث أن العملية التطهيرية المغربية تمت بتنسيق مع موريتانيا وبعلم الأمم المتحدة. وهو ما تناقلته بعض المواقع المغربية قبل البدء بالعملية، كما صرح الوزير الخلفي أن العملية مستمرة بتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة المينورسو.
والملاحظ أن المغرب أصدر بيانين بشأن التوتر بالجنوب وكلاهما صادر عن ولاية جهة الداخلة - واد الذهب، وقد أراد المغرب بهذا أمرين؛ أولا: إثبات أن العملية تتم على أراضٍ ذات سيادة مغربية بصدور البيان عن ولاية جهة الداخلة - واد الذهب، أي عن وزارة الداخلية، وثانيا: إعطاء العملية صبغة مدنية وليست عسكرية بقوله إن العملية بتنفيذ المصالح الأمنية والجمارك. وبغض النظر عما جاء في البيان من أن العملية هي لمنع التهريب أو بشكل أوسع في تصريح الوزير الخلفي الناطق باسم الحكومة المغربية من أن "العملية التطهيرية تأتي لمواجهة ما تشهده المنطقة من مخاطر على الأمن، وانتشار عمليات التهريب، والاتجار في المخدرات، وكل أنواع الاتجار غير المشروع"، فإن ترصيف الطريق الحدودي بين المغرب وموريتانيا وجعله مسيجا بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام سيلعب دورا مهما في تيسير انسياب حركة المرور وتأمين لها، وهو مطلب مغربي في ضوء انفتاحه الاقتصادي على دول الجنوب، إضافة، وهو الأهم أن المغرب يكون بتسييج الطريق قد منع جبهة البوليساريو من أي منفذ على المحيط الأطلسي ويكون بذلك قد أنهى ما قيل من بداية الصراع أن الجزائر تدعم الجبهة للحصول على منفذ بحري على الأطلسي. فالحدود المغربية الموريتانية غير ملتصقة وذلك أن المغرب في حربه مع جبهة البوليساريو أنشأ جدارا رمليا لصد هجمات الانفصاليين وبفعل اتفاق وقف إطلاق النار اعتبرت الأمم المتحدة ما وراء الجدار مناطق عازلة، بينما اعتبرتها الجبهة مناطق محررة تتحرك فيها بكل أريحية، فالطريق المسيج سيمنع الحركة من شرق السياج إلى غربه فيكون المغرب بذلك منع انتقال عناصر الجبهة إلى الساحل الأطلسي وإلى مدينة الكويرة.
ولهذا كانت ردة فعل الجبهة قوية بإرسالها قوات عسكرية للمنطقة العازلة في خرق سافر لوقف إطلاق النار. فهل الجبهة قامت بهذا الفعل دون ضوء أخضر أمريكي؟
إن قضية الصحراء هي من القضايا العالقة لتصفية الاستعمار الإسباني للجنوب المغربي وقد تلقفتها أمريكا وأبقتها نقطة ضغط على المغرب تتحكم بكل تفاصيلها من خلال الجبهة والأمم المتحدة للنفاذ للمغرب ولشمال إفريقيا، وهي في كل مرة تفتعل الأزمات للضغط على المغرب لتحقيق مصالحها به وربطه بسياستها في المنطقة، وآخرها تصريح الأمين العام بأن المغرب دولة محتلة للصحراء.
فالأمم المتحدة والتي تتحكم أمريكا بمفاصلها وقفت إلى جانب المغرب لما نددت الجبهة بأنه يخرق اتفاق وقف إطلاق النار، مما جعل المغرب يستمر في أعماله بتعبيد الطريق وبعد 15 يوما يخرج الأمين العام بالتعبير عن قلقه وذلك بعد أن قامت الجبهة بإرسال جنود للمنطقة العازلة وهو ما لا يتم إلا بموافقة أمريكية. فالأمم المتحدة نسقت مع المغرب في عمليته وفي منتصف الطريق دعته لعدم تغيير الواقع على الأرض ودعته والجبهة لسحب جنودهما معتبرة أن الدرك الملكي قوات عسكرية! هذا إضافة إلى ما ذكرته وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، من وجود وثيقة سرية للأمم المتحدة تفيد أن المغرب خرق اتفاقية وقف إطلاق النار التي وقعها سنة 1991 مع جبهة "البوليساريو" الانفصالية، عندما قام بإرسال جنود ومعدات عسكرية إلى منطقة "الكركرات" الواقعة على الحدود المغربية الموريتانية، دون إشعار مسبق لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وإنه وإن بدا أن اللوم هو للمغرب والجبهة لكنه موجه بالأساس للمغرب للعودة إلى بيت الطاعة بجلوسه للمفاوضات مع الجبهة التي تنصل منها منذ مدة وللعودة للرؤية الأمريكية للحل.
فلا حرب في الأفق المنظور بين المغرب والجبهة وإنما هي ضغوط وتسخين أجواء لأهداف سياسية تتوخاها أمريكا، ففي رسالة وزير دفاع الجبهة لحبيب إلى قائد أركان المينورسو جاء في ختامها "فإنني أبلغكم أنه وابتداء من صباح 28 آب/أغسطس 2016، فإن قواتنا المسلحة قد انتشرت بالمنطقة لمنع أي نشاط مغربي خارج الجدار بما فيها منع مواصلة تعبيد الطريق التي شرع فيها بهدف تعديل الوضع القائم يوم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ". ثم أضاف "بالتالي ومن خلال ممارسة الأمم المتحدة الضغط اللازم على المملكة المغربية من أجل احترام الاتفاقية العسكرية رقم 1 ووضع حد فوري لأنشطتها، سيخف التوتر ويتمكن الطرفان من المساهمة مع الأمم المتحدة في المحافظة على وقف إطلاق النار وتعزيز الثقة في المنظمة الأممية لقيادة مسار الحل السلمي للقضية الصحراوية". فالغاية من وجود الوحدة العسكرية هو العودة لقيادة مسار الحل السلمي للقضية. وإن كريستوفر روس يستعد للانتقال للمنطقة باقتراح حل جديد مع انتقال رئاسة مجلس الأمن الدولي خلال شهر أيلول/سبتمبر 2016 لنيوزيلندا وهي من أشد المدافعين عن جبهة البوليساريو حسب ما نقل موقع الصحراء زوم.
إنه ما دامت قضية الصحراء في يد أمريكا من خلال مجلس الأمن فلن تنعم بحل وستبقى تتأرجح بين البرودة والسخونة، وإنه وإن كانت المؤشرات لا تقول بوجود حرب حاليا لكنها غير مستبعدة إن رأى المستعمر مصلحة له في ذلك، وإن طريق الحل هو منع أي تدخل للكافر المستعمر فيها سواء أمريكا أو بريطانيا أو أوروبا واعتبارها قضية داخلية علاجها في الإسلام بجعل العقيدة الإسلامية أساس الحل، فأهل الصحراء وغيرهم من سكان المغرب مسلمون فهم إخوة متحابون لقرون قبل أن يفرقهم المستعمر، والإسلام يوجب عليهم أن يحيوا إخوة في ظل دولة واحدة تقيم فيهم العدل وتقسم بينهم بالسوية ولا تفرق بينهم على أساس عرقي أو جهوي. وهذا الحل وإن كنا نخاطب به المغرب والجبهة وأطراف النزاع خاصة الجزائر، فإننا نعلم أن الحكومات الحالية ليست له أهلاً، ولن تكون كذلك إلا إذا اتخذت الإسلام مبدأ لها وأقامت دولته دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
بقلم: محمد عبد الله
رأيك في الموضوع