في الرابع والعشرين من آب/أغسطس اخترقت الطائرات التركية المجال الجوي السوري، وبدأت تقصف أهدافا في منطقة جرابلس في سوريا، تبع ذلك عبور ما يقارب من 1500 مقاتل سوري الحدود التركية كانوا قد تجمعوا في منطقة كاركاميش التركية في عملية أطلق عليها اسم درع الفرات، وقد كان لافتا أن بدء تركيا بالهجوم وقع قبل أن تطأ أقدام نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن أرض تركيا، وهي رسالة تعبر عن مدى خضوع حكام تركيا للإرادة الأمريكية.
وقد عبر بايدن عن رضاه بالعملية العسكرية التركية خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم حيث قال بايدن: "علينا أن نجعل ذلك واضحاً للغاية؛ على قوات الاتحاد الديمقراطي أن تعود إلى الضفة الأخرى من الفرات (الضفة الشرقية)، لأنها لن تتمكن، ولن تحصل، تحت أي ظرف كان، على الدعم الأمريكي إن لم تلتزم بتعهداتها" (العربي الجديد، 24/8/2016)، في تصريحات لاحقة، قال يلدريم "إن التوغل العسكري الذي تدعمه الولايات المتحدة في سوريا سيتواصل إلى حين عودة مقاتلي مليشيا وحدات حماية الشعب الكردية إلى شرق نهر الفرات". (العربي الجديد، 24/8/2016). وكان الناطق باسم البيت الأبيض، جوش أرنست، قال "إن عملية "درع الفرات" التي بدأتها تركيا، فجر أمس الأربعاء، ضد تنظيم "داعش" في مدينة جرابلس السورية، هي آخر الأمثلة حول الدعم المهم الذي تقدمه أنقرة لجهود مكافحته". (الخليج أون لاين، 25/8/2016)
وعقب مغادرته لتركيا أعلن جو بايدن من ستوكهولم الخميس 25 آب/أغسطس أن القوات التركية جاهزة للبقاء في الأراضي السورية قدر ما هو مطلوب لإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة في هذه البلاد. وقال بايدن، في مؤتمر صحفي، عقده أثناء زيارته إلى العاصمة السويدية ستوكهولم، إن واشنطن وحلفاءها في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط يبحثون حاليا عن حل لمسألة الانتقال السياسي في سوريا (روسيا اليوم، 25/8/2016)، وفي المحصلة فإن إطلاق تركيا لعملية درع الفرات جاء بناء على طلب من أمريكا وتنسيق معها، وقد كان واضحا أن تركيا تتهيأ لهذا الدور وتتجهز له بما سبق من تطورات لافتة في الموقف التركي أشرنا إليها سابقا. كما أن تركيا وبدعم أمريكي رتبت أوراقها مع روسيا وإيران وكذلك مع سوريا!
وقد أعلنت تركيا عن أهدافها من العملية العسكرية على لسان وزير الدفاع فكري إيشيك، في مقابلة تلفزيونية على شاشة إحدى القنوات المحلية، حيث قال إن بلاده بدأت العملية العسكرية بغية تحقيق هدفين رئيسيين، أولهما ضمان أمن الحدود التركية، والثاني تأمين عدم تغلغل قوات حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الكردية إلى المنطقة بعد طرد تنظيم الدولة، مضيفا "من حقنا البقاء هناك لغاية إحكام الجيش السوري الحر السيطرة على المنطقة، للأسف لا يوجد في سوريا دولة في الوقت الحالي، وموقف تركيا في المحافظة على وحدة الأراضي السورية واضح وثابت". وشدد الوزير التركي على أنه "لا بد من انسحاب حزب الاتحاد الديمقراطي لحدود شرقي الفرات، وكنا اتفقنا مع الولايات المتحدة الأمريكية على ضرورة انسحاب تلك القوات خلال أسبوعين كحد أقصى، مضى منها أسبوع وباقي أسبوع آخر على انقضاء المهلة سننتظر خلالها اكتمال الانسحاب"، داعيا إياها للتراجع بأسرع وقت، ومحذرا من أن لتركيا الحق في إجراء أي عمليات في حال تخلفها عن ذلك. وأوضح إيشيك أنهم يولون أهمية خاصة لعدم الاشتباك في المنطقة، "ويجب على قوات (ب ي د) وتنظيم داعش أن تعي ذلك جيدا، وإلا ستقوم تركيا باتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الصدد"... وأضاف الوزير التركي أن بلاده أبلغت أمريكا وروسيا سابقا بالعملية، وأبلغت إيران في وقت لاحق، وأن بلاده لم تتصل بشكل مباشر مع النظام السوري" (ترك برس، 25/8/2016).
وليس شيئا غريبا أن يكون التدخل العسكري التركي في سوريا من خلال منطقة جرابلس وذلك لأنه على الرغم من محاولة أردوغان وحكومته توجيه الأنظار إلى تنظيم الدولة كخطر يحدق بتركيا إلا أن هذا يحتاج إلى وقت وأعمال كبيرة قد تضر بسمعة أردوغان وحزبه، فقد تعالت صيحات المصلين في المسجد في أعقاب أداء الصلاة على ضحايا تفجير غازي عنتاب بالقول (أردوغان قاتل)، وهذا يعني أن نسبة كل الأعمال لتنظيم الدولة قد يكون مكشوفا، كما يبدو أن أمريكا على عجلة من أمرها وحاجتها ماسة للتدخل التركي، لذلك كانت البوابة الطبيعية للتدخل التركي بزج اسم الأكراد كمبرر يتوافق مع المشاعر القومية المتجذرة في الجيش التركي، وقد نوه وزير الدفاع التركي في المقابلة المذكورة سابقا "فيما يخص اسم العملية "درع الفرات"، لفت إيشيك النظر إلى أن القوات المسلحة التركية صاحبة تجارب كبيرة في هذا المجال، واسم درع الفرات جميل ويعكس الإرادة السياسية التركية، وأعتقد أن جنودنا اقترحوا الاسم على الرئيس أردوغان وهو صادق عليه بدوره". أما لماذا الفرات فهذا لأن تركيا قد وضعت خطا أحمر لمناطق السيطرة الكردية في شمال سوريا، وكانت سابقا تنادي بالمنطقة العازلة التي كانت تمتد حسب المطلب التركي من إعزاز إلى جرابلس بطول 110كم وبعمق 65كم في الأراضي السورية حتى مدينة الباب، وبما يضمن عدم اتصال المناطق الكردية شرق وغرب سوريا، وبعد إنشاء أمريكا لقوات سوريا الديمقراطية أصبحت تركيا تحذر هذه القوات (الأكراد المكون الرئيسي لهذه القوات) من تجاوز نهر الفرات، وعندما احتاجت أمريكا لهذه القوات في معارك منبج سكتت تركيا عن تجاوز قوات سوريا الديمقراطية نهر الفرات باتجاه منبج بشرط خروجها من منبج بعد انتهاء الأعمال القتالية، إلا أن حاجة أمريكا لتركيا في سوريا وسير العمليات العسكرية التركية في سوريا يدل على أن تركيا تسير نحو جعل المنطقة العازلة أمرا واقعا، وقد "نقل مراسل الجزيرة عن مصادر في المعارضة السورية المسلحة أن قوة بها أكثر من مئتين من القوات الخاصة التركية ونحو خمسين مدرعة دعمت مقاتلي المعارضة... وذكرت المصادر أن القوات الخاصة التركية خاضت اشتباكات مباشرة مع قوات سوريا الديمقراطية - التي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري - في محيط قريتي العمارنة ويوسف بيك اللتين تمكنت قوات "درع الفرات" من السيطرة عليهما لاحقا... وقالت المعارضة المسلحة إنها سيطرت على ست قرى في الجهة الغربية من جرابلس بريف حلب الشرقي بعد اشتباكات مع تنظيم الدولة؛ هي الحلوانية وتل شعير وحمير العجاج والبير التحتاني والبير الفوقاني وطريخم. كما سيطرت على قريتين في المنطقة الواقعة إلى الشرق من بلدة الراعي التابعة لمنطقة الباب، ما يفتح الطريق أمام المعارضة المسلحة لوصل المدينة ببلدة الراعي شمالي حلب، ثم السيطرة على كامل الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا". (الجزيرة.نت، 27/8/2016).
وهذا يعني أن أمريكا قد تمنح عميلها أردوغان جائزة المنطقة العازلة مقابل الدور القادم الذي ستلعبه تركيا في السيطرة على الفصائل المسلحة في الشمال السوري، حيث إن انضواء فصائل مقاتلة تحت دعم الغطاء التركي في سوريا، سيجعلها أسيرة للقرار التركي، أضف إلى ذلك أن هذه الفصائل أصلا قد ارتبطت بنظام الدعم الموجه منذ البداية، فما لم تنفك من هذا الارتباط فستسير عاجلا أم آجلا إلى حتفها بحسب المشروع الأمريكي لسوريا، وستكون تركيا أردوغان هي الضامن لهذا المسير. ولو عقلت هذه الفصائل حالها وتدبرت أمر ثورة الشام لعلمت علم اليقين أن مصير كل المتآمرين والمتخاذلين كان مصيرا واحدا وهو الاندثار والزوال مع بقاء الثورة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها «فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده».
رأيك في الموضوع