منذ وطِئت أقدام الغزاة الأمريكيين أرض العراق والموتُ بات هو السِّمةَ الأبرز في حياة الناس، ولم تعُد نشرات الأخبار تنقل إلينا غير فجائِعِ الترويع والتفجير والخطف والقتل على الهوية وهدم المباني والمساجد، وإحراق البنوك والمراكز التجارية الضخمة. أعانَهُم على تحقيق مشروعِهِم المُدمِّر أزلامٌ وأقزامٌ باعوا آخِرتَهُم بعرَضٍ من الدُّنيا قليل، وتنَكَّروا لدينِهِم وأمَّتِهِم، ورضوا بأن يكونوا معاول تخريبٍ لبلادِهِم.
وحدثت تفجيرات منطقة (الكرَّادة) غربيَّ العاصمة بغداد بوتيرةٍ مختلفةٍ بلغت أضعاف ما سبق في أضرارها وتداعياتها، فلقد خلفت من القتلى والجرحى ما يربو على (500) نفسِ بريئةٍ فيما بقي من ليالي العشر الأخيرة من رمضان، ناهيك عن حجم الدمار الذي طال أبنية ومجمَّعات تجارية بأكملها فأحال المنطقة إلى خراب.. لتسرق فرحة عيد الفطر المبارك.
ولعلَّ جُملة من المُعطَيات تسلِّطُ الضوءَ على ما حدثَ، وتنبيك أنَّ مَن يقِفُ وراء تلك المأساةِ هو (حِزب الدعوة) بقيادة (المالكيّ) بشكل رئيس، أعانه على فِعلتِهِ المُنكرةِ مليشياتٌ تابعة وشخصيات نافذة أخرى في تشكيلة التحالف الوطني وفي مراكز الدولة المختلفة، ومِن أبرزِ تلك المُعطيات، ما يأتي:
- كيف تمكّنت السيارة الملغمة من عبور (12) حاجزَ تفتيش، بينها (9) حواجز رئيسةٍ يتم تفتيشُ السيارات فيها يَدويًّاً؟ ولماذا أُغلِقَ الشارعُ قبل ساعة من التفجير؟ ثم صدرت أوامرُ بفتحِهِ، فحصل التفجير فيهِ بعدها بدقائق..! (بحسبِ أناسٍ من سكان المنطقة عايشوا الحدَث في تصريحٍ لموقع "العربي الجديد" وغيره)،
- ويقول ضابطٌ رفيعُ المستوى في وزارة الداخلية العراقية: "هناك معلومات تُخفيها الحكومة بعد سيطرتها على مَلفِّ التحقيق الذي يُشرفُ عليه ضباط جَميعُهُم مِن (حزب الدعوة) أو مقربون من زعيمهِ (المالكيّ) ولا تفصحُ عنها،
- أن "سيارات الإطفاء استخدَمَتْ الماءَ العاديَّ لدى وصولها، وهو ما أدى إلى اتساع نطاق اللهب، وتعذّر الدخول إلى المباني المشتعلة لإنقاذ المحاصرين"، فنتج عنه تفَحُّمُ جُثثهم، وتساءل - الضابطُ المذكور - عن سِرِّ عدم استجواب مدير الدفاع المدنيّ: اللواء كاظم سلمان المُقرَّبِ من (المالكيّ)؟
- تأكيدُ "الضباط والمنتسبين المُحتجزين على ذمة التحقيق" أن السيارة المَعنية كان يقودها شخصٌ عراقيٌّ يحمل هويَّة حكومية تابعة لأحد الأجهزة الأمنية"...! أي أنَّ تبنيَ تنظيم "الدولة" للمسؤولية عما حصل غيرُ صحيح..!
إذاً باتَ واضِحاً أن (المالكيَّ) وقادةَ مليشياتٍ وأعضاءَ في التحالُفِ الوطني هم أصحابُ المصلحة في افتعالِ التفجير وصولاً لِتسَنُّمِ مناصِبَ رفيعةٍ كان (المالكيُّ) وعَدَهُم بها إذا ما عادَ - مرة أخرى - لرئاسة الحكومة.. كشف هذا الأمر نائبٌ في التحالف الوطنيِّ، عن عقد (المالكيّ) اجتماعاتٍ مع قياداتٍ في دولة القانون والتيار الصدريِّ والمجلس الأعلى لإقناعهم وإغرائهم بمناصب وزاريةٍ وامتيازاتٍ ماليةٍ لتأييد ترشيحِه بدلا عن (العباديِّ)، وأضاف النائبُ في تصريحاتٍ أوردتها (الشرق الأوسط)، واطلعَت عليها (سكاي برس): إنَّ "المالكيَّ بدأ - منذ تَسَلَّمِ (العباديُّ) مهامَّهُ رئيساً للوزراء بوَضْعِ العراقيل أمامه لإفشال مُهمَّتِه، حتى يعود هو لرئاستها. يؤيِّدُ ذلك أنَّ (المالكيَّ) نفسهُ صرَّحَ - في مقابلة أجرتها معه (الإذاعةُ البريطانيَّة) - بأنْ لا مانعَ لديه من العودة مجدداً لرئاسة الحكومة، إذا كان هناك توافقٌ سياسيٌّ على ترشيحه من قِبل الائتلاف (الشيعيّ) الذي سيشكل أغلبية في (البرلمان)، وأنَّ "قرار العَودة سيكونُ من موقع المسؤولية الوطنية"...!
وكردود أفعالٍ على ذلك الخَرق الأمنيِّ الفاضح - الذي لو حصل عُشرُهُ في أي بلدٍ يُحترمُ فيهِ القانونُ لسقطت حكومةٌ بأكملها - أصدر (العباديُّ) حُزمة قراراتٍ من بينها: إعفاءُ قائد عمليات بغداد من منصبه، وإعفاء مسؤولي الأمن والاستخبارات في بغداد من مناصبهم، وقبولُ استقالة وزير الداخلية (محمد الغبَّان) المنتمي لقوات (بدر) بقيادة هادي العمريِّ زعيم الحشد الشعبي.
كما أمرَ بسَحب أجهزة "كشف المتفجرات" اليدويَّةِ المغشوشة - بعد عشر سنوات من استخدامها - من جميع نقاط التفتيش رغم شيوع فشلها لدى الحكومة العراقية، بل وقضاءِ السلطاتِ البريطانية بسجن الوسيط البريطاني (جيمس ماكورك) الذي باع تلك الأجهزة، و"أثبت أنها تُستخدمُ لفحص المُنظفات وليس المتفجرات"...! وقضى (العباديُّ) أيضاً بإحالة جميع المتورطين في تلك الصفقة إلى القضاء العراقي، ومنع خروجهم من البلاد، لحين اكتمال التحقيق، ومِن بينِهِم نَجلُ (المالكيّ) وصِهرُهُ، إذ أشرف كلاهُما على عمليَّةِ التوريد لصالح وزارة الداخلية، فضلاً عن وكيلٍ لوزارة الداخلية السابق هو (عدنان الأسديّ) إبَّانَ ولايةِ (المالكيِّ). تلك الأجهزة (الفضيحة) - وما أكثر فضائحَ حُكَّامِ المسلمين - كلفتِ العراقَ "ملايين الدولارات، وتسببتْ في قتل آلاف الناس، ما حمَلَ رئيسَ اللجنة الأمنيَّة في البرلمان (حاكمُ الزامِليّ) على القول: "المتورط تحمل مواجهة تهم القتل العمد".
أما عن أهداف تلك العملية الإجرامية - التي يندى لها جبينُ الإنسانيَّةِ الحَقَّةِ - فيبدو أنَّ عِدَّة أهدافٍ في آنٍ معاً تلوح في الأفُق، ومنها:
أولاً: إثباتُ فشَلِ (العباديّ) في حماية (الشِّيعة) أولاً وباقي (المُكوِّناتِ) لاحقاً، وصرفُ الأنظار عن (الانتصارات) الخجولة التي تحققتْ في الرمادي والفلوجة وما جاورَها التي - ربما - زادتْ من رصيدهِ شعبيَّاً.. ما يؤدي إلى تبخُّرِ أحلام (المالكيّ) في العودة لمواقع التأثير..!
ثانياً: إذكاءُ نارِ الطائفيَّة البغيضةِ تنفيذا لسياسة أمريكا الهادفة لجعل العراق فوضى عارمة وخراباً شاملاً يقطعُ كلَّ أملٍ في إدارة عجلةِ البناء والتطوُّرِ فيهِ كسائر بلدان الأرض. وهذا ما استغلَّتْهُ مليشياتُ الحشد الشعبي وأحزابٌ مثل (الدعوة) و(بدر) و(الفضيلة) طائفياً وصوَّرتهُ اعتداءً (سُنِّياً) استهدفَ (الشِّيعة) لتبرير أعمالٍ انتقاميةٍ بالخطف والقتلِ وهدمِ المساجد في عِدةِ محافظات أخذاً للثأر بُعَيْدَ هذا التفجير.
لكنَّ الحقيقة بانت: إذ صرَّحَ مصدرٌ رفيعُ المستوى في وزارة الصحة العراقية: أن "محاولات توظيف الحدث الإرهابيِّ من قبل المليشيات والأحزاب السياسية لمكاسب انتخابية ولخلق فتنة طائفية جديدة بالعراق دفعتنا إلى الكشف عن (هويات) الضحايا الذين تسعى أطرافٌ في الحكومة إلى تحويلها لمجزرة طائفية تخصّ طائفة معينة دون سواها"، على حدّ قوله... حيث أظهرت (هويات) الضحايا بأنهم ليسوا من طائفةٍ واحدة - بحسب الأسماء والألقاب - أنهم من السُّنَّة، والشِّيعة، والنصارى، وهناك عددٌ قليل من الصابئة والأكراد. (إ.ه.) فنقول: هذا التصريحُ يُعزِّزُ ما ذهبنا إليه من تحميل المسؤولية عن الجريمة لتلك الجهات آنفة الذِكر، وصدق اللهُ العظيم إذ يقول: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.
بقلم: عبد الرحمن الواثق
رأيك في الموضوع