رفعت الحكومة الأمريكية السرية عن جزء يسير من وثائق تكشف العلاقات الخفية مع زعيم الثورة الإيرانية الخميني. وأوضحت الوثائق الأمريكية أن الخميني كان على صلة بالحكومة الأمريكية منذ ستينيات القرن الماضي إلى وصوله إلى طهران، قادماً من باريس.
وتشير وثيقة نشرتها وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه)، إلى أن الخميني تبادل رسائل سرية مع الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي بعد أشهر من الإفراج عنه من السجن في إيران مطلع تشرين الثاني/نوفمبر 1963، قبل عشرة أيام من زيارة مقررة آنذاك لسكرتير الحزب الشيوعي ورئيس الاتحاد السوفييتي ليونيد بريجينيف لطهران، وأنه طالب خلالها بألا "يفسر هجومه اللفظي بطريقة خاطئة، لأنه يحمي المصالح الأمريكية في إيران".
وقام موقع "بي بي سي" فارسي بعرض المستند لأول مرة أمام القراء، والذي ورد فيه "في تشرين الثاني/نوفمبر 1963، قام آية الله الخميني بإرسال رسالة إلى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الحاج ميرزا خليل جامرائي، الأستاذ في كلية اللاهوت بجامعة طهران وسياسي مقرّب من المجموعات الدينية المعارضة، وشرح الخميني في رسالته أنه لم يعارض المصالح الأمريكية في إيران، على العكس فإنه اعتقد بأن الوجود الأمريكي كان ضروريًا لإحداث توازن ضد الاتحاد السوفييتي والنفوذ البريطاني المحتمل، كما شرح الخميني اعتقاده في التعاون الوثيق بين الإسلام وبين أديان العالم، خصوصًا المسيحية".
وتشير المعلومات إلى وصول الرسالة إلى واشنطن يوم 6 تشرين الثاني/نوفمبر 1963، فيما لم يمكن التأكد هل قرأ الرئيس الأمريكي هذه الرسالة أم لا، حيث توفي "كيندي" بعد أسبوعين في حادث اغتيال في "تكساس".
وبحسب «بي بي سي»، فإن الخميني أرسل رسالة أيضاً لإدارة الرئيس جيمي كارتر وفقاً لمستند يعود تاريخه إلى 19 كانون الثاني/يناير 1979، أي قبل انطلاق الثورة الإيرانية بأسابيع، والتي وعد فيها الرئيس الأمريكي، بعدم قطع إيران للنفط عن الغرب، وعدم تصدير الثورة إلى دول المنطقة، وإقامة علاقات ودية مع الولايات المتحدة.
وجاء في رسالة الخميني لكارتر "سترون أنه لا يوجد عداء خاص بيننا وبين أمريكا، وسترون أن الجمهورية الإسلامية المبنية على الفلسفة والقوانين الإسلامية، لن تكون إلا حكومة إنسانية، تسعى للسلام ومساعدة البشرية".
ولا يزال تقرير السفارة الأمريكية في طهران الذي يحتوي على المتن الكامل لرسالة الخميني، في الأرشيف الوطني الأمريكي محاطاً بسرية، لكن خلاصة هذه الرسالة جاء في مستند "الإسلام في إيران" والذي أتى في سياق تقرير بحثي مكوّن من 81 صفحة لـ"CIA"، بتاريخ شهر آذار/مارس لعام 1980، وفيه تم ذكر رجال دين آخرين مثل آية الله خويي، وآية الله شريعتمداري وآية الله خميني.
وفي تقرير لـ "CIA" خرج من تصنيفه كَسِريّ في عام 2005، ذكرت بعض الفقرات المتعلقة برسالة آية الله الخميني، إلا أن بعض الأجزاء تم حجبها.
وفي كلمة ألقاها في مراسم إحياء الذكرى السنوية الـ 27 لرحيل الإمام الخميني، قال المرشد الإيراني علي خامنئي: إن لدى إيران العديد من الأعداء الصغار والكبار، إلا أن أكبرهم أمريكا وبريطانيا الخبيثتان، مشيرًا إلى أن الإعلام البريطاني يختلق الوثائق ضد الإمام الخميني باستخدام وثائق أمريكا، التي لا تمتنع حتى عن استهداف طائرة ركاب في إشارة لحادث إسقاط طائرة ركاب مدنية إيرانية أسقطتها سفينة حربية أمريكية عام 1988 وقتل جميع ركابها وعددهم 290 راكبا منهم 66 طفلا.
علاقات الخميني بأمريكا تعدت هذا إلى فتح قنوات اتصال وعقد لقاءات منتظمة مع المسؤولين الأمريكيين. المعلومات والتفاصيل المعروفة مثلا أن رمزي كلارك، النائب العام الأمريكي السابق، أجرى محادثات مع الخميني في باريس وكان ينقل إليه وجهات نظر الرئيس الأمريكي كارتر. وأيضا بروس لينجن، القائم بالأعمال الأمريكي في طهران، عقد لقاءات سرية عدة مع الخميني في قم.
ومعروف أيضا أنه في الفترة التي سبقت الثورة وعودة الخميني إلى طهران، تم فتح قناتي اتصال على الأقل بينه وبين الإدارة الأمريكية، واحدة في طهران عن طريق مهدي بازرجان ومحمد بهشتي، والثانية وهي الأهم في باريس. وقناة باريس كانت عن طريق إبراهيم يزدي مساعد الخميني - وكان طبيبا في أمريكا وعلى علاقة بأجهزة المخابرات الأمريكية - ووارن زيمرمان، وكان دبلوماسيا كبيرا في السفارة الأمريكية في فرنسا. والاثنان عقدا خمسة لقاءات على الأقل.
هذه مجرد جوانب من المعلومات التي تكشفت في السنوات الماضية عن العلاقات السرية بين الخميني والمحيطين به قبل الثورة وبين أمريكا. والمؤكد أن هناك جوانب أخرى كثيرة لم تعرف بعد.
أما محور الاتصالات بين الطرفين فكان بالنسبة للخميني هو أن تتدخل الإدارة الأمريكية لدى الجيش الإيراني لكي يقف على الحياد، أي لكي يتخلى عن الشاه، وألا يأخذ موقفا في مواجهة "الخمينيين" وهذا هو ما حدث بالفعل. وبالنسبة لأمريكا فكان التخلص من الشاه بحد ذاته هدفا والإتيان بنظام ذي وجه إسلامي يمكن أن يقف في وجه التمدد الشيوعي إذا دعت الحاجة، والأهم من ذلك أن يضبط ويسيطر على منطقة الخليج. فكانت إيران هي البعبع الذي تستخدمه أمريكا لإخافة كل جيرانها الذين هرولوا لأمريكا وعقدوا معاهدات الحماية معها وفتحوا لها أراضيهم وبلادهم لتبني فيها قواعد عسكرية لها، ودفعوا المليارات لشراء السلاح من أمريكا طلبا للحماية، واستُنزف العراق بحرب دامت سنوات خرج منها منهكا مضعضعا مما سهل لأمريكا لاحقا احتلاله واقتلاع نفوذ الإنجليز منه وجعلته تحت نفوذ إيران وأزلامها إداريا ليديروه ويحكموه بحسب ما تريده أمريكا. بالإضافة للخدمات الأخرى التي قدمتها إيران لأمريكا وصرح مسئولوها بذلك، فلولا إيران لما استطاعت أمريكا احتلال أفغانستان، ودورها في سوريا بدعم المجرم بشار عميل أمريكا بشكل مباشر من رجالها وقواتها أو من خلال حزبها في لبنان، ودورها في اليمن بدعم الحوثيين ومدهم بالسلاح، فأينما كانت هناك مصلحة لأمريكا في منطقتنا نجد إيران تحميها وتحرص عليها.
رأيك في الموضوع