حلّ الملك الأردني عبد الله الثاني يوم الأحد الماضي 29 أيار/ مايو البرلمان الأردني قبل نهاية مدته الدستورية، وكلّف الدكتور هاني الملقي بتشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة عبد الله النسور التي جاءت مع البرلمان المنحل ورحلت معه باستقالتها. وقد جاء هذا الأمر في ظل الاحتقانات التي يعتمل بها الشارع الأردني الذي أرهقته سياسات حكومة النسور الجبائية وضيقت عليه سبل معيشته وأوصلت المديونية الأردنية إلى رقم غير مسبوق (35 مليار دولار) في ظل تزايد معدلات الفقر والبطالة وفشل في الحد من الفساد الذي كان شعار الحكومة المستقيلة. ويقول مراقبون إن حكومة عبد الله النسور كانت من أكثر الحكومات رفعا للأسعار، حيث أعادت الحكومة قراءة مختلف الضرائب والرسوم وضاعفت فيها بعض الرسوم 4 مرات ما كانت عليه، دون مراعاة لحال الناس وظروف حياتهم القاسية، ما أثر سلبا على مختلف القطاعات الاقتصادية وعلى القوة الشرائية للفرد. كما أشاروا إلى أن حكومة النسور كانت أكثر حكومة في تاريخ الأردن تحصل على مساعدات خارجية على شكل منح، حيث حصلت على حوالي 5 مليارات دينار، من أصل 10 مليارات دينار منحت للحكومات المتعاقبة منذ عام 2006. وتؤكد تقارير اقتصادية أن مستويات الفقر والبطالة في عهد حكومة النسور كانت قياسية هي الأخرى، إذ وصلت معدلات البطالة المعلنة لأعلى مستوى لها منذ عام 2006، وبلغت في الربع الأول من العام الحالي حوالي 14.6%.
وبعد تكليفه من قبل الملك بتشكيل الحكومة، أدى هاني الملقي وأعضاء حكومته الجديدة يوم الأربعاء الأول من حزيران اليمين الدستورية أمام الملك عبد الله الثاني، وستكون مهمتها الرئيسية رعاية الانتخابات التشريعية التي يتوقع أن تجرى في نهاية أيلول المقبل، وفق الدستور الذي ينص على إجرائها خلال أربعة شهور من حل البرلمان، وإن كانت مسؤولية الإشراف على الانتخابات ملقاة على كاهل الهيئة المستقلة للانتخاب التي تنتظر حاليا مرسوماً ملكياً بتحديد موعد الانتخابات للتحضير لها.
وقال مصدر موثوق - كما نقلت بعض المصادر - أن موظفين كباراً في القصر الملكي كانوا يتعمدون تسريب أخبار قرب تكليف "الملقي" بتشكيل الحكومة العتيدة، وذلك فيما يشبه إطلاق "بالونات اختبار" لجس نبض الرأي العام بهذا الخصوص. وأكد المصدر أن قرار التغيير الذي طال انتظاره قد تبلور بصيغته النهائية مساء يوم الأربعاء، الذي صادف عيد الاستقلال!
الملقي يشكل حكومة انتقالية في المقام الأول، وقد تنتهي إلى حكومة "دائمة" تنافس سابقتها على الرقم القياسي لأعمار الحكومات، ولكنها في المدى المرئي، فهي حكومة مكلفة بملفين اثنين أساسيين، الأول؛ الإشراف على إجراء الانتخابات البرلمانية في أيلول المقبل... والثاني؛ متابعة الملفات الاقتصادية التي مهدت لها حكومة عبد الله النسور قبل أن تغادر، وأهمها إجراء المراسم الختامية لإخراج الصندوق الاستثماري مع السعودية إلى دائرة الفعل والعمل، حتى لا يظل حبراً على ورق.
لا شك أن الملقي يشكل حكومته في بيئة إقليمية شديدة التعقيد والخطورة، ولكن من تتبع الإدارة الأردنية لأزمات الإقليم في السنوات الخمس الفائتة، يرى أن الحكومة لم تكن سوى طرف من أطراف عديدة، انخرطت في التعامل مع هذه الأزمات وإدارتها، والمؤكد أنها ليست الطرف الأكثر تأثيراً... الأمر لن يتغير مع حكومة الملقي، انتقالية كانت أم "دائمة"؟
لقد مضى زمن طويل، منذ أن كان التغيير الحكومي يحمل في طياته دلالات سياسية خاصة، الحكومات تأتي وتروح فيما السياسات عموماً، وتحديداً السياسة الخارجية، تبقى على حالها، محكومة بأهدافها وضوابطها ومحدداتها وطريقة صنعها...
تشكيلة الحكومة كما هو شخص الرئيس لا تؤشران بحال من الأحوال إلى تغيير في النهج الذي جثم على صدر أهل الأردن، فالقصة "استحقاق دستوري" لا أكثر ولا أقل. الفريق الذي استقر عليه الملقي لن يحدث فارقا كبيرا في أي ملف، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو غيرهما؛ فالحكومة على وجه الحقيقة لا علاقة لها بالسياسة الخارجية للبلد، فهذه ترسمها أطراف أخرى غير الحكومة. والسياسة الاقتصادية قائمة على الجباية والاستدانة وتنفيذ توصيات صندوق النقد وبعثاته التي يمكن أن تستقر مستقبلا في البلاد.
رئيس الحكومة الجديد هاني الملقي، شخصية اقتصادية، شغل آخر منصب له كرئيس لسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، وهو وزير سابق للخارجية، والصناعة والتجارة، والمياه والري، والطاقة، والتموين، وسفير سابق لدى مصر، وتولى الملقي مناصب رسمية مهمة من بينها: رئاسة المجلس الأردني في مفاوضات السلام «الاتفاقيات التفصيلية» بين الأردن وكيان يهود 1994-1996، والمدير التنفيذي للأكاديمية الإسلامية للعلوم «منظمة المؤتمر الإسلامي» من 1987-1989، ومدير دائرة الطاقة المتجددة «الجمعية العلمية الملكية» 1984-1987.
وقد أقر مجلس النواب في 27 نيسان/أبريل الماضي تعديلاً دستورياً يحصر العديد من الصلاحيات السياسية والأمنية والقضائية بيد الملك عبد الله الثاني.ونص التعديل المتعلق بالمادة 40 من الدستور على منح الملك "صلاحية منفردة" بتعيين ولي العهد ونائب الملك ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ورئيس المجلس القضائي وقائد ومدير المخابرات ومجلس الدرك.
الحكومات في بلادنا ومنذ زمن بعيد تأتي وتذهب دون أن تترك أثرا طيبا ودون أن تذكر بخير، بل أحيانا يصبح التخلص منها وتغييرها مطلبا شعبياً ظناً من الناس وبتأثير وسائل الإعلام أنها صاحبة قرار وصلاحيات أو صاحبة "الولاية العامة" كما طالب بها بعض رؤساء الوزراء الذين لم يعمروا طويلا في مناصبهم دون أن يحصلوا عليها - الولاية العامة - والحقيقة أن هذه الحكومات بكل مكوناتها من الرئيس مروراً بالوزراء ليسوا أصحاب ولاية عامة حتى على وزاراتهم التي هم مسئولون عنها حسب الدستور، وما حدث في عجلون ليس ببعيد، فرئيس الوزراء وهو وزير الدفاع أيضاً يسمع أخبار دخول وخروج فريق متخصص من كيان يهود عبر وسائل الإعلام!!
فهذه الحكومات واجهة لتنفيس غضب الناس من سياسات الدولة والنظام والتي غالبا ما تتخذ قراراتها المصيرية والمؤثرة بعيداً عن رئيس الحكومة وكأنه غير موجود، وكثيراً ما كنا نرى أو نسمع عن زيارات ووفود من دول مؤثرة أو جهات سيادية دون أن نرى أو نسمع أن رئيس الحكومة أو من يمثله كان حاضراً في تلك الاجتماعات المصيرية!!
رأيك في الموضوع