قرر بنك اليابان المركزي خفض نسبة الفائدة على الديون المتبادلة ما بين البنوك، كذلك على الديون القائمة بين البنوك وبين البنك المركزي.
ووصلت نسبة الفائدة الربوية إلى – 0.1% . وهي أقل نسبة منذ عام 1972. ويهدف البنك من ذلك إلى ضمان نسبة تدفق مالي تصل إلى 80 ترليون ين ياباني. والجدير بالذكر أن غالبية البنوك المركزية العالمية قد أقدمت على خطوة مماثلة ومنها البنك المركزي الأوروبي الذي خفض نسبة الفائدة إلى 0.05% والبنك الكندي والبنك البريطاني والبنك الأسترالي وغيرها من البنوك العالمية. أما البنك الفيدرالي الأمريكي فكان قد رفع نسبة الفائدة قبل شهر لتصل إلى 0.5% وكان من المتوقع أن يستمر البنك الفيدرالي في رفع سعر الفائدة إلا أنه عدل عن ذلك.
والبنوك المركزية تضطر إلى خفض الفائدة من أجل الحفاظ على مستوى معين من السيولة النقدية وتدفق النقد في الأسواق في محاولة لزيادة النمو الاقتصادي وبالتالي زيادة الدخل. وآلية عمل هذا النظام تتلخص في أن يحافظ كل بنك من البنوك المحلية للدولة على مستوى معين من احتياط النقد المودع لدى البنك المركزي، وفي حال تدني مستوى الاحتياطي تعمد البنوك للاقتراض من البنوك الأكثر نقدا وبفائدة قليلة جدا ما يعني مشاركة البنوك الكبيرة للأخذ بيد البنوك الأقل قوة في السوق حتى يبقى مستوى ضخ المال في المشاريع والقروض الإنمائية على مستوى مرتفع. وحين تعجز البنوك عن حمل عبء بعضها البعض تلجأ للاقتراض من البنك المركزي والذي بدوره يقوم بضخ المال دون فائدة ربوية تذكر أو في مثل حال اليابان بفائدة سالبة، أي أن البنك المقترض يقوم بسداد أقل مما اقترضه من البنك المركزي. ولا يعني هذا أن البنك المركزي يخسر مالا لأن البنك المركزي يقوم بإصدار مال جديد - أي أوراق نقدية جديدة - دون أي رصيد مقابله من ذهب أو بترول أو عملة أجنبية (وذلك في حال اليابان وأوروبا وبريطانيا ذات العملة الصعبة). وبالتالي فإن ما يصدره البنك المركزي من نقد من أجل إقراض بنك آخر هو كله ربح للبنك وليس هناك أي خسارة. ولكن هذه العملية قد تؤدي إلى التضخم في المال وزيادة منسوب النقد في البلد ما يؤدي إلى هبوط الأسعار وبالتالي ضعف دورة الإنتاج. وقد عمدت البنوك المركزية في الدول الكبرى إلى هذا الإجراء منذ أزمة 2008 حيث عصفت أزمة البنوك العقارية في العالم.
ومن أجل رأب الصدع الذي نتج عن ضخ ترليونات من الدولارات واليورو والين والجنيه الإسترليني لجأت هذه الدول إلى ما عرف بالتيسير الكمي الذي يؤدي إلى إخراج الأموال خارج حدود الدولة أو الأقاليم. إلا أن التيسير الكمي لم يعد ممكنا لكثير من الدول خاصة اليابان وأوروبا بسبب انخفاض سعر البترول إلى مستويات متدنية وبالتالي انخفاض فاتورة البترول التي كانت تدفع لشركات النفط وسماسرته في أمريكا. ما يعني أن الأموال التي أصدرتها البنوك المركزية قد تكدست فعلا لدى البنوك ولم تجد لها مصرفا. وفي الوقت نفسه لم يتحرك الإنتاج والنمو الاقتصادي بالقدر الكافي لاستيعاب حجم الأموال المكدسة. أي أن الاقتصاد حقيقة لم يتعافَ بشكل صحيح بسبب ضخ الأموال خلال فترة الأزمة التي استمرت بشكل قاس ما بين 2008-2012 ولم تتحسن الحالة الاقتصادية بعدها. وبالتالي فإن الحل الذي تلجأ إليه البنوك المركزية في مثل هذه الحالة هو خفض الفائدة ولو إلى أقل من الصفر لتوزيع ما لديها من أموال على البنوك لعل ذلك يؤدي إلى زيادة الإقراض للأفراد والمؤسسات والمشاريع الإنمائية وبالتالي زيادة النمو الاقتصادي!!
والحاصل أن الاقتصاد والسياسة النقدية في الدول الرأسمالية دخلت فيما يعرف بدائرة مغلقة: زيادة نقد - تيسير كمي - خفض الفائدة - زيادة نقد مرة أخرى وهكذا. يضاف إلى ذلك قرارات سياسية لغايات سياسية تمنع الخروج من الدوامة مثل قرار تخفيض سعر النفط الذي منع أوروبا واليابان من تخفيض حجم المال في بنوكها المركزية دون الحاجة إلى تخفيض سعر الفائدة. والجدير بالذكر أن كبار منظري الاقتصاد الرأسمالي أمثال آلن جرينسبان كان قد اعتبر أن التحكم بالاقتصاد عن طريق نسبة الفائدة هو بمثابة حجر الزاوية في الاقتصاد الرأسمالي. فإذا ما فشل هذا المقياس ودخل الاقتصاد بدوامة كالتي نشهدها فلا شك أن حجر الزاوية هذا ينهار ويؤدي إلى انهيار الاقتصاد والنظام المالي برمته. وهذا ما يحذر منه كثير من الاقتصاديين الذين يراهنون على أن عام 2016 سيشهد انهيارا هائلا للمنظومة الاقتصادية العالمية. ولعل الانخفاض الحاد في أسواق الأسهم العالمية في الصين وأمريكا وأوروبا هي بداية نذير بل قل بشير لما تحمله هذه الأزمة.
ولو أن أرباب المال والاقتصاد كانوا منصفين في تفكيرهم ولا يتبعون أهواءهم وأهواء الذين يضلونهم بعلم لآمنوا بالذي حذرهم وأنذرهم منذ 14 قرنا في الكتاب الذي أنزله على محمد eحين قال: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾. فالربا مصيره إلى المحق والزوال هو وكل ما بني عليه. فها هو العالم يرى ويبصر كيف يتهاوى الاقتصاد العالمي وكيف يلجأ هؤلاء إلى ما أسموه فائدة ربوية تارة يرفعونها وتارة يخفضونها علّ سفينتهم ترسو على بر ولكن يأبى الله إلا أن يريهم أعمالهم حسرات عليهم.
ونحن بدورنا نحذر العالم أجمع أن الانهيار القادم سيكون أعم وأشمل وأشد وأقوى من ذي قبل لأنه هذه المرة سيصيب الديون الربوية المتعلقة بالأفراد والمؤسسات وليس فقط الديون العقارية. ما يعني أن البنوك لن تستطيع الاستمرار بالإقراض لأن حجم الدين المترتب على الأفراد والمؤسسات والحكومات سيصل إلى درجة تفوق مقدرة هؤلاء على تسديد فوائد الدين ناهيك عن أصولها أو قيمة خدمتها. وبالتالي فإن عجلة الحياة اليومية مهددة بالتوقف هذه المرة كما توقفت عجلة الإنتاج في السابق. ومثل هذه الأزمة سينتج عنها أزمات أخرى قد تؤدي إلى تهاوي أنظمة ودول في العالم لم تكن في الحسبان ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا﴾
رأيك في الموضوع