انعقد يومي الأربعاء والخميس 16 – 17 من الشهر الحالي مؤتمر الدوحة الثاني عشر والذي حمل عنوان (الأمن الروحي والفكري في ضوء التعاليم الدينية)، وكانت أهم محاوره الدعوة إلى تغليب لغة الحوار والتسامح على لغة العنف والكراهية وازدراء الأديان والمعتقدات والمذاهب في المجتمع، وقد أوصى المؤتمر الذي شارك فيه عدد كبير من الباحثين و"رجال الدين" والمفكرين على ضرورة التصدي لكل الانحرافات الضالة والتعصبات العرقية ومكافحة الإرهاب، وأعطى أعضاء المؤتمر فئة الناشئة من الشباب الاهتمام الأكبر في التركيز على سبل تحصينهم من العنف الفكري والأخلاقي والتضليل الثقافي، وتمحور حوار أعضاء المؤتمر حول أهمية ترسيخ مفهوم وحدة الأديان وأن الإرهاب أصبح يهدد السلم المجتمعي والدولي ولا يمكن أن يعالج إلا بمشروع فكري بديل لأجيالنا القادمة. (موقع المؤتمر الرسمي).
فلنعلم أن فكرة حوار الأديان التي يروج لها الغرب اليوم، هي فكرة دخيلة لا أصل لها في الإسلام، فهي تدعو إلى إيجاد قواسم مشتركة بين الأديان، بل تدعو إلى إيجاد دين جديد ملفق، يعتنقه المسلمون بدلا من الإسلام. أما الإسلام فقد أوجب علينا حمل الدعوة الإسلامية إلى غير المسلمين جميعهم، أي أن كلامنا معهم هو دعوتهم إلى الإسلام الذي لا دين حق سواه، وليس التحاور معهم لإيجاد القواسم المشتركة. إن من عقيدة المسلم الثابتة أن الله تعالى أرسل محمدا e خاتم الأنبياء والرسل إلى الناس كافة طالبا منهم ترك ما هم عليه من أديان أياً كانت، وداعيا إياهم أن يتخذوا الإسلام وحده دينا، فمن استجاب فقد أسلم ومن أبى فقد كفر، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران]، وقال رسوله e: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار» (رواه مسلم)، والنصوص في ذلك مستفيضة، فإن كانت عقيدة الإسلام تنص على أن من يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وشريعة الإسلام تنص على وجوب حمل الدعوة الإسلامية إلى غير المسلمين بالدعوة والجهاد حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فمن أين إذن أتى هؤلاء المتحاورون بفكرة حوارهم؟!..
لقد عمل الغرب على بث هذه الفكرة وتأصيلها، فقد عقدت مؤتمرات عدة وأقيمت محاضرات شتى وألفت كتب عديدة للحديث بهذا الشأن، واستخدم الغربيون الكفار وسيلة حوار الأديان كغيرها من الوسائل بعد أن فشلوا في إبعاد المسلمين عن عقيدتهم. وأدخلوا في ثنايا مجتمعاتنا الإسلامية مصطلحات وألفاظاً براقة تدل على معانٍ غير محددة بهدف التضليل والخداع.
إن الغرب الذي يدعو إلى الحوار مع المسلمين ينظر نظرة عداء إلى الإسلام، وهذه النظرة هي الدافع للحوار وهي تتحكم به وتديره. يقول المستشرق برنارد لويس عن الإسلام والرأسمالية (إنهما نقيضان لا مجال للحوار بينهما)، فهؤلاء من يدّعون أنهم يريدون الإخاء والعيش بسلام وأمان مع المسلمين هم ذاتهم من يعقدون بالمقابل المؤتمرات والاجتماعات التي تهدف إلى هدم الإسلام والتفرقة بين المسلمين، هؤلاء الذين يدّعون حبهم للمسلمين والإسلام هم أنفسهم من تمتلئ قلوبهم كرهاً وبغضاً للمسلمين..
فهل يعقل تصديق الكفار بأنهم يبحثون عن حل للتعايش مع المسلمين للحفاظ عليهم وعلى إسلامهم، مع كل ما لدينا من نصوص شرعية تحذرنا من الركون للكافرين ومودتهم وأمن جانبهم، قال تعالى في سورة هود: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾ وفي المجادلة: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، وفي البقرة: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، وأيضا مع كل ما نراه من جرائم الكفار في بلاد المسلمين منذ هدم الخلافة، مرورا بتوطين اليهود في فلسطين، وصولا إلى تقتيل المسلمين في الشام والعراق وبورما وأفغانستان وأوزبيكستان وغيرها، ومع إلصاق صفات الإرهاب والتطرف بالإسلام والمسلمين..
فمن استعراض هذه النصوص وغيرها، ومن مذاكرة جرائم الكفار في حق المسلمين عبر التاريخ وحتى يومنا هذا ندرك بما لا يدع مجالا للشك معنى وأهداف الحوار الذي يقيمه الغرب الكافر مع المسلمين، ألا وهو الحيلولة دون عودة الإسلام إلى الحياة كنظام لأنه يهدد بقاء مبدئهم وحضارتهم ويقضي على مصالحهم ونفوذهم، فالحذر الحذر من تصديق الادعاءات الكاذبة للكفار تجاه المسلمين والإسلام، فالحوار بين الأديان مخالفة عقائدية وشرعية، وهو فوق ذلك ضرب من ضروب الخيال لمخالفته لنواميس الفكر وطبيعة الحضارات، بل إن الغرب لا ينظر للإسلام إلا نظرة صراع، فلا بد للمسلمين من استكمال أدوات الصراع المكافىء والتي تتمثل بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستحفظ للمسلمين هيبتهم وفكرهم وحضارتهم، وتحمل للعالم دعوتهم.
بقلم: ليلى العامرية – بلاد الحرمين الشريفين
رأيك في الموضوع