قبل الدخول في موضوع أزمة السد وتفريط حكام مصر والسودان لا بد لنا أن نعرّف بالسد تعريفاً مختصراً حتى نضع القارئ في الصورة، فالسد يقع على النيل الأزرق (الرافد الرئيس لنهر النيل) على مسافة تتراوح ما بين 20 و40 كيلو متراً من الحدود الإثيوبية مع السودان، وقد تم التفكير في بناء السد في العام 1956م، وفي العام 1964م تم تحديد الموقع النهائي بواسطة بيت خبرة أمريكي وذلك دون الرجوع لمصر حسب اتفاقية 1929م التي تعطي مصر حق الاعتراض في حالة إنشاء أي مشروعات على النهر وروافده، إلا أن المشروع لم يبدأ بصورة جدية إلا في 2010م عندما أُعلن عن الانتهاء من تصميم السد.
وفي 31 آذار/مارس 2011م وبعد يوم واحد من الإعلان عن المشروع تم فتح عقد قيمته 4,8 مليار دولار دون تقديم عطاءات للشركة الإيطالية Salini Costruttri، وفي 28 أيار/مايو 2013م تم الانتهاء من تحويل مجرى النيل الأزرق لعمل الأساسات الخرسانية،ومنذ هذا التاريخ الأخير وحتى اليوم تسير إثيوبيا بخطى حثيثة في بناء السد، وتماطل في التفاوض مع حكام السودان ومصر، وتكسب عامل الزمن بالسير في البناء. وتأتي الطامة عندما وقّع رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا في 23 آذار/مارس 2015م اتفاق مبادئ، وبهذا التوقيع يكون قد اعترف حكام السودان ومصر ضمناً بقيام السد، وأصبح الحديث فقط عن الآثار المترتبة على قيام السد وكيفية تجنبها. وعن هذا الاتفاق قال الرئيس المصري: (هذ اتفاق إطار وسيُستكمل، نحن اخترنا التعاون واخترنا أن نثق في بعضنا البعض من أجل التنمية واستكمال هذا الاتفاق الإطار). أما السودان فإن حكامه يؤيدون قيام السد بلا وعي ولا يلتفتون لما يقوله الخبراء عن المخاطر التي من المتوقع حدوثها عند قيام السد، فوزير الموارد المائية والكهرباء في السودان معتز موسى قال: (إن هذا السد هو نعمة بالنسبة لإثيوبيا ومكسب كبير بالنسبة لنا)، وقال موسى أيضاً: (إن جميع الأطراف ستحترم النتائج التي ستسفر عنها الدراسات حول سد النهضة، موضحاً أن كل الوثائق التي وقعتها الدول الثلاث منذ تقرير لجنة الخبراء العالميين في أيار/مايو 2013م لم تتحدث وثيقة واحدة عن إيقاف بناء السد، ولم تتطرق الدول الثلاث إلى أن نحمل إثيوبيا على إيقاف العمل بالسد كبادرة لحسن النية..)، وأوضح (لسنا بحاجة إلى إيقاف السد ولكن بحاجة إلى تعزيز الثقة بيننا، لافتاً إلى أن إيقافه لشهر أو اثنين ليس حلاً لأي مشكلة ولكن الحل هو الوصول إلى تفاهمات حقيقية).. وكما ذكرنا فإن إثيوبيا لعبت على عامل الوقت في مفاوضات عبثية كان آخرها في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2015م بالخرطوم وأكد هذا الكلام المهندس حيدر يوسف، وكيل وزارة الري السودانية السابق حيث قال: (إن تكرار عملية التفاوض من أجل التفاوض دون جدوى على أرض الواقع هو استراتيجية إثيوبية في التعامل مع أزمة السد)، متسائلاً (كيف يتم إسناد الدراسات لشركتين فرنسيتين في وقت واحد وهي 70% لمكتب (بي آر أل) و30% لمكتب أرتيليا، أي أن فرنسا ستتحكم في الدراسات بالإضافة إلى توريد التوربينات!) وطالب حيدر مصر بتوظيف كل أوراق الضغط قبل فوات الأوان، وضرورة تدخل البرلمان المصري والسوداني بالسعي لرفض اتفاق إعلان المبادئ.
أما المخاطر المتوقعة من قيام السد حسب خبراء متخصصين فإنها تتلخص في الآتي:
1/ تحكم إثيوبيا في تدفق مياه النيل الأزرق مما يؤثر على مصر والسودان، وبخاصة في فترة الخمس سنوات التي هي مدة ملء الخزانات، ففي هذه الفترة ستفقد مصر 12 مليار متر مكعب، وسيفقد السودان 3 مليارات متر مكعب سنوياً وهي ستؤدي لعطش ملايين الأفدنة الزراعية وتشريد ملايين المزارعين في البلدين، إضافة للتأثير المباشر على التوليد الكهربائي في البلدين.
2/ إذا انهار السد (لا قدر الله) لأي سبب فإن المياه المتدفقة ستدمر كل مدن السودان وتقضي على الحياة فيها تماماً، كما أنها ستدمر كل السدود على طول نهر النيل وستؤثر كذلك على مصر عندما تصل إليها المياه.
3/ سيتسبب قيام السد في موجة جفاف تضرب جميع الأراضي السودانية شمال السد والتي كانت تستفيد من فيضان النهر الموسمي والذي سيتوقف ببناء السد مما سيؤثر سلباً على البيئة في تلك المنطقة وعلى سكانها الذين سيضطرون إلى الهجرة.
هذه بعض الآثار السلبية لقيام سد النهضة الإثيوبي، وهي كافية لاتخاذ مواقف حاسمة تجاهها، ولكن المواقف الحكومية في كل من مصر والسودان تبين مدى التفريط المخزي الذي يحدث وعدم إعطاء الموضوع ما يستحقه من المواقف القوية التي لا تتساهل في حقوق الأمة؛ وهو طبيعي من أنظمة رضيت بالارتماء في أحضان الغرب الكافر تنفذ له أجندته حتى لو كان في ذلك هلاك العباد وخراب البلاد. فلو كانت للأمة دولة مبدئية تسهر على حقوق رعاياها وتقف مواقف العزة والقوة لما حدث ما يحدث من مهازل، ولما تجرأت إثيوبيا ومن هم وراءها من قوى على الإقدام على مثل هذه المشاريع الكارثية، ولكن نقول للجميع إن الفجر آت، وإن دولة المسلمين الخلافة الراشدة على منهاج النبوة عائدة قريباً بإذن الله وهي التي ستعيد الأمور إلى نصابها.
رأيك في الموضوع