من المعلوم أنه يوجد اتفاق بين سائر الدول التي لها تأثير في الساحة السورية على الحيلولة دون قيام الخلافة على منهاج النبوة في سوريا، فقررت مستقبل سوريا رغما عن أهلها في مؤتمر فينّا 1 و2 بأنها دولة علمانية، أي دولة كفر بواح. وقد أكد على ذلك بمؤتمر الرياض يوم 10/12/2015 وبقرار مجلس الأمن 2254 الذي تقدمت به أمريكا وقبله المجلس بالإجماع يوم 18/12/2015 فاعتمد "مقررات جنيف وفينّا وإجراء انتخابات على أساس دستور جديد خلال 18 شهرا، وأوصى جميع الأطراف السورية باتخاذ التدابير لبناء الثقة من أجل المساهمة في فرض القيام بعملية سياسية وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار".
فأهم قضية بالنسبة لأمريكا هي المحافظة على الهوية العلمانية للدولة، وبقاء النظام تابعا لها بتحقيق العملية السياسية ووقف إطلاق النار وإشراك التنظيمات المسلحة التي تعتبرها معتدلة في عملية التفاوض. ومعنى ذلك القضاء على الثورة التي قامت لإسقاط هذا النظام وإقامة الخلافة مكانه وتحرير البلاد من النفوذ الأمريكي والغربي.
فبعد أن استطاعت جلب بعض هذه التنظيمات بواسطة السعودية إلى مؤتمر الرياض، اعتبرت ذلك نصرا كبيرا على الثورة، فشكلت "الهيئة العليا للمفاوضات" مع النظام. ولو لم يجلبوها لم يكن ليتحقق لهم شيء مهما عقدوا من مؤتمرات وأصدروا من مقررات كما حصل سابقا. ولذلك قال مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية يوم 1/1/2016: "لنكن واضحين، تمكنا من تحقيق مكاسب كبيرة فيما يتعلق بالتحول السياسي في سوريا خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط، حيث لدينا الآن توافق في مجلس الأمن على العملية السياسية، ولدينا معارضة سورية تم تقديمها في هذه العملية. ما نراه إنجازا الآن هو وجود عملية سياسية تتبلور ويمكنها أن تؤدي إلى وقف لإطلاق النار عبر القنوات السياسية باعتبار أنه لا يوجد حل عسكري لهذه الأزمة".فبدا لأمريكا أنها على وشك أن تحقق ما تريد.
ويتردد في الأنباء أن هناك اختلافاً بين الأطراف الدولية والإقليمية حول تصنيف الفصائل السورية المعتدلة والإرهابية. فروسيا وإيران تعارضان مشاركة جيش الإسلام وحركة أحرار الشام بينما تبنت السعودية الرأي القائل بأنهما فصيلان معتدلان. ولكن نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف قال يوم 25/12/2015: "إنه يوجد تفاهم مشترك بين روسيا والولايات المتحدة بشأن الجماعات الرئيسية التي يجب اعتبارها إرهابية في الشرق الأوسط". فهذا يدل على وجود اتفاق بينهما حول ذلك، ولكنهما يتظاهران بعكس ذلك، وكأن هناك اتفاقاً على هذا التظاهر لخداع الناس والتنظيمات حتى يتم إخراج العملية، ولتظهر السعودية أداة أمريكا كأنها معارضة وأنها حامية للثوار وهي تجرهم إلى حتفهم وقتل ثورتهم وإخضاعهم وبلادهم للهيمنة الأمريكية.
فروسيا ليست صاحبة القرار في الشأن السوري، فقد جاءت إلى هناك بتفاهم مع أمريكا وهي تتحرك بالتنسيق معها في كل أمر مهم، وهي تعلم أن النظام السوري تابع لأمريكا. وقد وكّلوا في مؤتمر فينّا النظام الأردني مهمة تصنيف الفصائل السورية المعتدلة والإرهابية، وروسيا لم تعترض على ذلك.
وأما إيران فهي أقل من أن يكون لها شأن، فهي تسير في الخط الأمريكي، ولا تستطيع الاعتراض على شيء تقرره أمريكا، وظهر ذلك من تصريحات مسؤوليها وعرضهم خطة تحقق ما تريده أمريكا من تشكيل حكومة من النظام والمعارضة ووقف النار وإجراء انتخابات. فأمريكا هي التي جلبتها إلى مؤتمر فينّا وأصرت على إشراكها في الشأن السوري لتلعب دورا تحدده لها. فأمريكا قررت أن يبقى الأسد مرحليا فأعطت لإيران دورا لتلعبه وهو الدفاع عن بقاء الأسد ليعزز ذلك الموقف الأمريكي ويغطي على حقيقته. ولو قررت أمريكا رحيل الأسد فلن يكون لإيران أي قدرة على منع ذلك. وكذلك أعطتها دورا آخر تلعبه لتعترض على بعض الفصائل حتى تتمكن أمريكا من إخضاع هذه الفصائل للشروط التي ستمليها عليها لتصبح معتدلة، ومن ثم تحتويها.
ولذلك أعلنت أمريكا على لسان وزير خارجيتها كيري يوم 29/12/2015 في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي عن "أسفه لمقتل قائد جيش الإسلام". وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية تونر "إن الولايات المتحدة لديها تحفظات على خطاب وتكتيك جيش الإسلام الفصيل المعارض الأقوى في ريف دمشق لكنها لا تغفل أن علوش كان مستعدا للمشاركة في مفاوضات سلام برعاية الأمم المتحدة.. نأمل أن لا يرسل هذا الأمر، مقتل علوش، رسالة تحبط باقي أعضاء المعارضة السورية الذين أبدوا استعدادهم للمشاركة في عملية السلام". فكأنه ليس هو المستهدف، ولكنها موافقة على ضرب من لا يستعد للمشاركة في عملية السلام أو يعترض عليها أو يتراجع عنها، حيث كان هناك اجتماع لقادة من جيش الإسلام وأحرار الشام وجند الرحمن، وقتل فيه عدد من قادة هذه الحركات، وذكرت الأنباء أنها كانت تراجع مواقفها من مقررات مؤتمر الرياض حيث لم يشر في بيانه إلى ما طلبه جيش الإسلام من ذكر سوريا كونها إسلامية عربية وكذلك إبعاد العناصر الأسدية من الأجهزة الأمنية، فهناك اعتراض على ذلك من قبل بعض القادة في الجيش على تلك المقررات. فلا تريد أمريكا إدراج مثل ذلك في أية اتفاقية، فتريد إخضاع هذه التنظيمات بإرسال رسالة لهم وذلك باستهداف قادتهم عن طريق روسيا والنظام التابع لها حتى لا يتراجعوا ولا يعترضوا على أي شيء في العملية السياسية ولا يطلبوا شيئا آخر غير ما تريده.
ولهذا أعلن دي ميستورا يوم 26/12/2015 أنه "ينوي إجراء محادثات بين السلطات السورية وأوسع نطاق ممكن من المعارضة وآخرين في جنيف يوم 25/1 المقبل.. وأنه يعول على التعاون الكامل من كل الأطراف السورية المعنية، ولن يسمح للتوترات المستمرة على الأرض بإخراج العملية"، في إشارة إلى مقتل قائد تنظيم جيش الإسلام وغيره. فيطلب دي ميستورا ألا يكون مقتلهم معرقلا لما تم التوصل إليه حتى يتم إخراج عملية السلام الأمريكية، ليعطي زخما لذلك ولئلا تبرد الأجواء ويحدث تجمد في هذه العملية بسبب مقتلهم، فأعلن أنه سيعمل على توسيع دائرة المشتركين من المعارضة، أي يريد أن يأتي بفصائل أخرى لتشترك في المفاوضات مع النظام الإجرامي.
وأما قول رياض نعسان آغا المتحدث الرسمي باسم "الهيئة العليا للمفاوضات" يوم 1/1/2016 أنه "من غير الممكن أن تبدأ المفاوضات المزمع عقدها بين المعارضة والنظام، في 24 كانون الثاني/يناير الجاري، في جنيف، دون إظهار الطرف الآخر (نظام الأسد)، حسن النوايا وتبدأ ببناء الثقة على الأرض"، فلأنه يدرك الصعوبة في خداع الناس بالتفاوض من دون أن يتحقق شيء مثل "وقف القصف وإطلاق سراح المعتقلين وإنهاء الحصار.. لبدء عملية التفاوض حسب قرار مجلس الأمن 2254" كما فسر معنى حسن النوايا، فالناس لن تثق بالعملية. وذكر أن "الهيئة ستلتقي مع دي ميستورا لدراسة الآليات التي ستمضي عليها عملية التفاوض". فهو لا يعمل على تأجيلها، بل سيمضي قدما فيها عندما يتقرر ذلك.
فكيف يقبل أي ثائر على نظام الطاغية لديه أدنى إخلاص بمقررات مؤتمر الرياض وأن تمثله هيئة المفاوضات التي تمخضت عنه، وكذلك بمقررات جنيف وفينّا وبقرار مجلس الأمن؟! وكلها لم تشر إلى مصير الطاغية بشار أسد؟ بل أقرت ضمنيا ببقائه عندما لم تشر إليه! والأهم من كل ذلك تأكيدها على بقاء نظام الكفر والنفوذ الأمريكي قائمين في البلد، وستشدد أمريكا من قبضتها حيث ورد في قرار مجلس الأمن "فرض العملية السياسية"، أي أن أمريكا ستفرض على الناس النظام السياسي الذي تريده وستبقى هي المتحكمة في البلد. وموافقتها الضمنية على ما تفعله روسيا والنظام من استهداف لقادة التنظيمات يبعث برسالة إلى هذه التنظيمات بأن أمريكا ستعمل على تصفية كل من يعترض على العملية السياسية ومفرزاتها من نظام ودستور جديدين. فعلى هذه التنظيمات أن تعي على ما يجري وعلى ما ستؤول إليه الأمور عند موافقتها على عملية السلام الأمريكية. فأمريكا لم تقبل بأدنى شيء من مطالبهم مثل سوريا إسلامية عربية! وعليها أن تدرك أن مستقبلها مظلم وسيجري تصفيتها بعدما توقع على ذلك، فقد بدأ العمل به من الآن، لأن أمريكا لن ترضى عن أي شخص لديه ذرة إخلاص ويريد الإسلام.
فالذي يسقط كل هذه المؤامرات هو انسحاب التنظيمات المخلصة من عملية التفاوض ورفضها لمقررات جنيف وفينّا والرياض ومجلس الأمن وقطع حبالها مع كل تلك الدول، والاستمرار في العمل حتى إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام، فلن تتمكن تلك الدول من فعل شيء ولو احتلت سوريا إذا بقيت هذه التنظيمات رافضة لكل ذلك. فعليها أن تثق بالله وبنصره، ﴿ولينصرن الله من ينصره﴾.
رأيك في الموضوع