توصلت مصر إلى اتفاق مع البنك الدولي للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار إضافة إلى مجموعة من القروض من الاتحاد الأوروبي بقيمة 370 مليون دولار، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والصندوق الكويتي للتنمية العربية، والصندوق السعودي للتنمية وصندوق أبو ظبي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية بقيمة 1.5 مليار دولار. واعتبرت وزيرة التعاون الدولي في مصر سحر نصر الاتفاق شهادة ثقة ستؤثر على التقييم العالمي لمصر وبرنامجها الاقتصادي الحالي، وستؤدي إلى تحسين المناخ الاستثماري بمصر، وعمل برامج قومية أكبر، وهذا هو أهم إنجاز تم تحقيقه. إلا أن الوزيرة لم تذكر أيا من الشروط التي اشترطها البنك على مصر لقاء القرض والتي كان أبرزها الحد من تضخم الأجور (أي تقليل أجور العمال) وترشيد الدعم (أي رفع الدعم عن السلع الأساسية ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار) وتحرير الطاقة (أي جعل الطاقة كالغاز والبترول ملكية خاصة للشركات الرأسمالية) وتشجيع القطاع الخاص.
واعتبر البنك الدولي أن القرض الموقع مع مصر بقيمة 3 مليارات دولار، يأتي لمساندة سياسات التنمية، ودعم برنامج الإصلاح الاقتصادي SAP)) خلال 3 سنوات، ولفت البنك إلى أن البرنامج جرى تنسيقه من قبل 6 وزارات، بقيادة وزارة التعاون الدولي، ويركز على ضبط أوضاع المالية العامة من خلال ترشيد الأنظمة الضريبية، والحد من تضخم فاتورة الأجور (الحكومية)، وتقوية إدارة الدين، وضمان إمدادات مستدامة للطاقة عن طريق ترشيد الدعم، وتحرير سوق الطاقة، لتيسير زيادة مشاركة القطاع الخاص، وتعزيز بيئة أنشطة الأعمال من خلال حزمة من الإصلاحات تستهدف تقليص الإجراءات الروتينية، وتقليل الحواجز أمام دخول السوق، والتشجيع على المنافسة. ويعتبر برنامج الإصلاح هذا والمعروف لدى البنك باسم SAP هو أهم أسباب إغراق الدول النامية في مستنقع فقر لا مجال للخروج منه مطلقا، وقد أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر بشكل مطرد لدى 80% من الدول في العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وقد أكد هذه الحقيقة الدكتور أحمد أبو النور، أستاذ الاقتصاديات الحرجة والأزمات بالجامعة الأمريكية، وبين أن ما ذكره البنك الدولي بوضوح في بيانه، وأغفلته الحكومة، فيما يتعلق باشتراطات قرضه لمصر، بمثابة الروشتة التقليدية لصندوق النقد والبنك الدوليين، موضحا أن هذه الفاتورة التي دوماً ما يراهن عليها البنك الدولي، هي كفيلة بخراب أي مجتمع.
وسوف يؤدي القرض الكارثة الجديد إلى زيادة ديون مصر الخارجية إلى أكثر من 50 مليار دولار. والأنكى من ذلك أنه يتوجب على مصر تخصيص أكثر من 29 مليار دولار من ميزانيتها لسداد فوائد وأقساط الديون أي ما يزيد على 58% من ميزانيتها. وإذا علمنا أن مصر لا تزال تبحث عن ديون جديدة ما يعني أن نسبة تسديد فواتير الدين قد تصل إلى الحد الأعلى 65% من نسبة الميزانية والذي يؤدي إلى إفلاس البلد بالكامل. وتباع مقدراتها من الطاقة والكهرباء والماء والسدود والاتصالات والمواصلات بالمزاد العلني ويومئذ يفرح المرابون! إن جميع التبريرات التي يقدمها مستشارو السيسي اليوم ستؤول في النهاية إلى إفلاس مصر. سواء أكانت التبريرات لإنشاء مشاريع تنموية، أم لزيادة مخزون الدولة من الدولار والذي بدوره يشجع على الاستيراد أكثر من الإنتاج، أو لإعادة الهيكلة الاقتصادية أو غيرها.
والحقيقة أن البنك الدولي على مدار السبعين السنة التي مرت على إنشائه مع توأمه صندوق النقد الدولي سنة 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان ولا يزال أداة هيمنة بامتياز للرأسمالية الأمريكية وسياستها الاستعمارية في العالم. وكانت بدايتها بمشروع مارشال الذي مكن من إخضاع أوروبا لسياسة أمريكا لعقود من الزمن. ثم توسع البنك والصندوق ليشمل الدول النامية والتي كانت تسعى للتحرر من الاستعمار القديم (البريطاني والفرنسي والأوروبي بشكل عام) ما أدى إلى سقوط هذه الدول من أحضان أوروبا إلى حبائل أمريكا. فدول أمريكا الجنوبية مثلا زادت ديونها من 75 مليار دولار سنة 1975 إلى 350 مليار دولار عام 1983 وقد بلغت في نهاية عام 2014 ما مجموعه 1,6 ترليون دولار. ووصلت نسبة ما تدفعه من ميزانيتها لسداد فوائد الديون عن 50%! وقد أدت هذه السياسة إلى إفلاس أكبر دولة نفطية في أمريكا الجنوبية وهي المكسيك وبيع أكثر مؤسساتها للولايات المتحدة. وليست دول أفريقيا والشرق الأوسط بأحسن حالاً؛ حيث تدفع كثير من هذه الدول أكثر من نصف ميزانيتها لخدمة ديونها التي يشرف عليها صندوق النقد والبنك الدوليان. فمصر التي تحتفل بتوقيع قرض جديد مع البنك الدولي ستدفع أكثر من 58% من ميزانيتها العام القادم فقط لسداد فوائد الديون وأقساطها. واعتبر كثير من خبراء الاقتصاد في مصر أن هذه ليست إلا فاتورة خراب. فمن جهة ستستنزف قدرات مصر على النمو الاقتصادي، ومن جهة أخرى فإن القروض وسياسات البنك الدولي "ستساعد على فتح استثمارات القطاع الخاص" حسب ما نقل عن مسؤولين في البنك الدولي.
وقد لخص الآثار الكارثية والمدمرة للبنك الدولي وصندوق النقد على الدول النامية التي تقترض من البنك بحجة الحاجة للتنمية الاقتصادية تقرير دوغ باندو وايان فاسكوز في التقرير الذي نشر في كتاب "فقر مستمر" والذي جاء فيه "بعد عقود من تقديم قروض لأكثر الدول فقرا من أجل تحسين ظروفها الاقتصادية والمعيشية فإن النتيجة النهائية في المحصلة أدت إلى تفكك في البنية الاجتماعية، وتخلف اقتصادي، وأزمات ديون، وقصور في الإنتاج الزراعي وتدنٍ في الدخل". وقد أشار التقرير إلى أن قروض البنك الدولي كانت دائما تؤدي إلى فساد الحكومات وزيادة الظلم وتمكن الديكتاتورية بدلا من تحسن ظروف العيش. فقد ساعدت القروض كثيرا من الحكومات الجائرة في العالم أمثال حسني مبارك وزين العابدين أن يجمعوا عشرات المليارات من الدولارات والتي جاءت لبلادهم على شكل قروض أصبحت عبئا على الشعوب وسببا في ثرائهم الفاحش.
ومما لا شك فيه أن ربط فكرة النمو الاقتصادي والإنتاج بالقروض الربوية هي فكرة، فوق كونها خاطئة وقد ثبت خطؤها بما لا يدع مجالا للشك على مدى عقود، فهي إضافة إلى ذلك تجعل للدول المانحة للقروض سلطانا وهيمنة على الدول الأخرى. وهي بالنسبة للمسلمين فوق كونها كارثة اقتصادية هي محرمة أشد التحريم لأكثر من سبب. وأهم هذه الأسباب أن القروض هذه كلها ربوية ما يرتب ربا مضاعفا على كل المسلمين وليس على الحاكم فحسب. والربا شقاء في الدنيا والآخرة، وهو من أعظم المحرمات.
والسبب الثاني هو أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هما أداتان استعماريتان تمكنان الدول الكبرى كأمريكا وأوروبا أن تبسط هيمنتها وسيطرتها وسلطانها على بلاد المسلمين وهذا محرم أشد التحريم. إذ تجعل بلاد المسلمين كمصر وإندونيسيا والأردن وغيرها نهبا وطمعا للكفار، كما تؤدي إلى استشراء الفساد في هذه البلاد لما تفرضه تلك الدول من شروط وتدخل في أدق تفاصيل حياة المسلمين.
والسبب الثالث هو تمكين الحكام الظلمة والذين يحاربون عودة الإسلام للحكم والسيادة، من بناء أنظمة أمنية متعسفة تعمل على قمع الشعوب وإبطال ثوراتهم، ومنع المسلمين من العمل على تحكيم شرع الله العظيم.
وبالتالي فإن المسلمين عليهم أن يأخذوا على يد حكامهم ويمنعوهم من تمكين البنك وصندوق النقد الدوليين ومن وراءهم من التوغل في أموال المسلمين ومصالحهم. وليكن لسان حال المسلمين أننا نصبر على الجوع ولا نصبر على الحرام والذل والخنوع والاستسلام للغرب الكافر ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.
رأيك في الموضوع