قال آشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي في كلمة يوم السبت الماضي إن الولايات المتحدة ستباشر عمليات حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي من جديد على الرغم من عدم إعطائه جدولا زمنيا لأي من مثل هذه التحركات.
وجاءت التصريحات التي أدلى بها كارتر خلال منتدى دفاعي في مكتبة رونالد ريجان الرئاسية في كاليفونيا في ختام جولة في آسيا حيث طاف في حاملة طائرات أمريكية تعمل في بحر الصين الجنوبي وأنحى باللوم في زيادة التوترات في المنطقة على العمليات التي تقوم بها بكين لبناء جزر. وقال كارتر في إشارة لهذه العملية "فعلنا ذلك من قبل في كل أنحاء العالم، وسنفعلها من جديد". وأضاف "إن على القوات المسلحة الأمريكية تعديل استراتيجياتها وعملياتها في ضوء صعود الصين وتزايد طموحاتها واتجاه روسيا لخرق النظام الدولي". وقال كارتر إن "كيفية تصرف الصين سيكون اختبارا حقيقيا لالتزاماتها بالسلام والأمن".
وفي خطوة تصعيدية وتأكيدا لما كان أعلنه وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر بأن "جيش الولايات المتحدة سيُبحر ويُحلـّق أين ما يسمح له القانون الدولي، بما في ذلك بحر الصين الجنوبي"، أرسلت البحرية الأمريكية نهاية الشهر الماضي المُدمّرة يو إس إس لاسن، USS Lassen، المزوّدة بصواريخ مُوجّهة، إلى حدود منطقة الاثنيْ عشر ميلا، التي كانت الصين قد أعلنتها حول جزر اصطناعية (سبراتلي) بنتها في بحر الصين الجنوبي. خطوة صينية كان قد علق عليها الرئيس الأمريكي، باراك أوباما بقوله: "لدينا مخاوف بشأن عمليات الردم وعسكرة المناطق المتنازع عليها ما يجعل من الصعب التوصّل إلى تسوية سلمية بين الدول في المنطقة"، في إشارة منه إلى بلدان جنوب شرق آسيا التي لديها نزاعات حدودية مع الصين. وفيما تعتبر بكين أن المياه المحيطة بهذه الجزر هي مياه إقليمية وليست مياها دولية، ترفض الولايات المتحدة ذلك بشدة، مؤكدة أن بكين لا يمكنها "ادعاء السيادة على هذه الجزر المتنازع عليها".
وتطالب الصين بالسيادة على معظم بحر الصين الجنوبي الذي تمر عبره تجارة عالمية تزيد قيمتها عن خمسة تريليونات دولار سنويا. ولفيتنام وماليزيا وبروناي والفلبين وتايوان مطالب متعارضة أيضا.
المنطقة المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي الأكثر سخونة في الباسفيك وجنوب شرق آسيا، تشمل جزر بارسيل وسبارتلي ويشترك في الصراع عليها كل من فيتنام وسنغافورة والفلبين وماليزيا وإندونيسيا والصين، ويشير موقع الاستخبارات الأمريكية «CIA» عن احتمالات وجود مخزونات من النفط والغاز في المنطقة تقارب ما هو موجود في الخليج العربي، ما جعلها مدخلا طبيعيا لمحاولة أمريكا للتقارب مع فيتنام وعدد من دول جنوب شرق آسيا لاحتواء الصين وعزلها عن مجالها الحيوي تنفيذا لمبادىء الاستراتيجية الأمريكية الجديدة "استدامة قيادة الولايات المتحدة للعالم: أولويات دفاع القرن الواحد والعشرين"، والتي كشفت عزم الولايات المتحدة الأمريكية إعادة النظر في سياساتها الخارجية وانتشارها العسكري وتحالفاتها الاستراتيجية بالتركيز أساسا على منطقة الباسيفيكي، وكان أوباما قد صرح سابقاً بقوله: "لدينا مصالح حيوية في هذه المنطقة تستلزم وجودنا الدائم. الولايات المتحدة هي قوة باسيفيكية، ونحن موجودون هنا.. لنبقى!".
وكانت الفلبينحليفة أمريكاقد رفعت دعوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد الصين وقد قبلتها المحكمة نهاية الشهر الماضي مما شكل صفعة قوية للصين، وقد أعلن كبير المستشارين القانونيين بول ريتشلر في القضية بشأن المطالب المتعارضة بالسيادة في بحر الصين الجنوبي، إن حكماً نهائياً قد يصدر في حزيران من العام المقبل. وأوضح ريتشلر أنه يعتقد أيضاً إنه بالرغم من رفض الصين للقضية فإن الضغط الدولي قد يجبرها في نهاية الأمر على الامتثال لقرار يصدر ضدها.
وكانت مانيلا أقامت هذه القضية في العام 2013 سعياً لصدور حكم بشأن حقها في استغلال مياه بحر الصين الجنوبي في منطقتها التجارية الخاصة بها، والتي تبلغ مساحتها 200 ميل بحري وفقا لما يسمح به اتفاق الأمم المتحدة بشأن قانون البحار.
وفي السياق ذاته كان وزير الدفاع الماليزي هشام الدين حسين قد أعلن أن رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لن تصدر إعلانا مشتركا في ختام منتدى إقليمي لوزراء الدفاع عقد الأربعاء الماضي لعدم توصلهم إلى توافق في الآراء. وأُلغي البيان المشترك في المنتدى الذي تستضيفه ماليزيا بسبب خلافات بين الصين والولايات المتحدة حول الإشارة إلى الخلاف على السيادة في بحر الصين الجنوبي في الوثيقة.
وشارك في الاجتماع وزراء دفاع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) العشر (إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلند وبروناي وفيتنام ولاوس وميانمار وكمبوديا( بالإضافة إلى وزراء من دول مثل الولايات المتحدة واليابان والصين والهند وأستراليا.
وتشير كل الدلائل إلى أن النزاعات بين الصين والولايات المتحدة، آخذة في الاشتداد حيث شرع كل من الطرفين في شن حرب كلامية شرسة، ولا يتوقع أن يتجاوز النزاع هذا المستوى.
ما تسعى له أمريكا وتحاول تحقيقه هو محاولة تحجيم الصين ومحاصرة نفوذها المتنامي وإشغالها في إقليمها وذلك بالتغلغل داخل مجالها الحيوي، وتطويقها اقتصاديا وأمنيا بالأحلاف والمعاهدات وعسكريا بالقواعد في كلّ من اليابان وكوريا الجنوبية وأخرى في أستراليا، والملاحظ أن الضغط الأمريكي قد ازداد بعد نشاط الصين على المستوى الدولي وإن كان مظهره اقتصاديا حتى الآن، فقد قام الرئيس الصيني بزيارة لبريطانيا وتوقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية بين البلدين بقيمة 40.7 مليار يورو تبعتها زيارة ميركل المستشارة الألمانية للصين وصفقة لشراء 30 طائرة «ايه 330» للرحلات الطويلة ومن المتوقع أيضا أن يقوم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بزيارة قريبة للصين.
بقلم: حاتم أبو عجمية - الأردن
رأيك في الموضوع