مع بقاء أوروبا محيَّدة في كل ما يتعلق بثورة الشام طوال أكثر من أربع سنوات وبقاء الأوراق كلها بأيدي أمريكا ومن تنيبه عنها من إيران إلى حزبها في لبنان إلى روسيا، إلا أنه ومنذ شهر آب الماضي لوحظ تغير في موضوع اللاجئين أو المهجرين الذين شردتهم آلة الدمار الأسدي في سوريا؛ بعد أن فتحت تركيا أبواب الهجرة عن طريق ما يسمى عصابات تهريب البشر وبالذات باتجاه أوروبا وتفاقم مشكلة اللاجئين خاصة بعد حوادث الغرق والموت في شاحنات التهريب اختناقا وتسليط الإعلام على هذا آخذين بعين الاعتبار أن تركيا لوحدها تؤوي حوالي المليونين من عدد المهجرين الكلي من سوريا الذين تقدرهم المؤسسات الدولية بأربعة ملايين لاجئ، وفي تركيا يحملون لقب (ضيوف) تحت ما يسمى تدابير الحماية المؤقتة وليسوا (لاجئين رسميين)، وهذه الصفة - ضيوف - تحرمهم من الحصول على حقوق رعاية وإغاثة من مسكن وخدمات إنسانية وغيرها، مع أن الواجب على من يدعي وصلا بآل عثمان الأبطال أن يكرمهم لأنهم أهل وأخوة في العقيدة، وأن يسعى لنصرتهم بإزالة الظلم الذي وقع عليهم بكل الوسائل وأن يعيدهم معززين مكرمين لبلدهم ومساكنهم.
هذا الضغط التركي على أوروبا وإحراج بعض دولها إعلاميا من ناحية تعاملها السيئ مع المهاجرين ونقل أزمة اللاجئين إلى داخل الاتحاد الأوروبي جعل ألمانيا تأخذ المبادرة وتجمد اتفاقية دبلن - التي توجب على اللاجئين أن يبقوا في دولة الاتحاد الأوروبي الأولى التي وصلوا إليها حتى يتم البتّ في طلباتهم، وإذا ما فروا وانتقلوا إلى دولة أخرى، يتم ترحيلهم إلى الدولة الأولى مُجددًا، وذلك لمنع اللاجئين من تقديم طلباتهم في أكثر من دولة تابعة للاتحاد الأوروبي- وبدأت ألمانيا فعلا باستقبال اللاجئين وأعلنت أنها تتوقع إيواء حوالي المليون من اللاجئين لوحدها، إلا أن الدول الأخرى وخاصة دول البلقان الرافضة أساسا لاستقبال اللاجئين والتي يمر منها اللاجئون قاصدين ألمانيا والنمسا، وحتى تأزم الوضع الداخلي في ألمانيا، جعل أوروبا ممثلة بالاتحاد الأوروبي تتخذ خطوات للحد من هذا الفيضان البشري الذي يهدد الهوية "المسيحية" للقارة كما صرح بذلك سياسيو أوروبا.
فبدأت المساومات مع تركيا والصفقات لإقناعها بضبط الحدود وإيقاف شبكات تهريب البشر، فقد قالت مصادر إن أنقرة لم تقتنع بالعرض الذي تقدم به زعماء الاتحاد الأوروبي لتركيا من أجل وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا.واعتبرت بعض الأوساط أن هذا العرض عبارة عن رشوة سياسية حيث تعرض أوروبا على تركيا تقديم 3 مليارات يورو كمساعدات من أجل وقف تدفق لاجئي سوريا إلى أوروبا. كما يحتوي العرض على مواد مثل إعفاء الأتراك من تأشيرة الدخول إلى أوروبا، والإسراع في مباحثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي وافقت على خطة عمل مع تركيا يؤمل أن تساعد على الحد من تدفق المهاجرين على أوروبا. وقد قامت المستشارة الألمانية ميركل بزيارة لتركيا في سبيل التفاوض بشأن خطة لوقف تدفق المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي وقد وصفت تركيا هذه الخطة بـ"مشروع ذي موازنة غير مقبولة"، معتبرة أن الخطة تحتاج إلى ثلاثة مليارات يورو على الأقل للعام الأول، خاصة أن تركيا تدعي أنها أنفقت ثمانية مليارات على لاجئي سوريا.
تبدو شروط تركيا لتعاونها مع الاتحاد الأوروبي في الحد من تدفق اللاجئين إلى القارة صعبة أو حتى مستحيلة التحقق. فإذا ما وافق الاتحاد على المساعدات المالية التي تطلبها أنقرة، فإن مطالب الأخيرة بإدخالها منطقة «شنغن» وتحقيق تقدم جدي في مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد ستظل بعيدة المنال، فتسريع مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي تسير ببطء شديد وتعثّر دائم، منذ تم إعلان ترشّح تركيا لعضوية التكتل في العام 1999. إطار التفاوض على ضم تركيا للاتحاد يشمل 35 فصلاً، تتضمن آلاف الاشتراطات، في كل المجالات. حتى الآن تم افتتاح 14 فصلاً منها، ولم يغلق سوى فصل واحد. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يطالب الآن بفتح خمسة فصول جديدة، لكن المستشارة الألمانية تحدثت عن إمكانية فتح فصلي الاقتصاد والسياسة المالية هذه السنة، مع إطلاق تحضيرات لفتح فصول الحقوق والعدل لاحقاً.
وقد أوردت وكالة رويترز حول الأسباب الحقيقية لرفض الأوروبيين انضمام تركيا إلى الاتحاد، ما نصه: أنها «أكبر من أن يستوعبها الاتحاد»، إذ يُتوقع أن يبلغ عدد سكانها نحو 91 مليوناً بحلول عام 2050، ولديها جيش هو الثاني في حلف شمال الأطلسي، من حيث العدد. وفيما يشير العديد من الأوروبيين إلى تدني معدل الدخل للفرد في تركيا مقارنة بنظيره في الاتحاد الأوروبي، كسبب لرفض انضمامها، يشير البعض الآخر إلى أن الاتحاد قد ضم دولاً فقيرة في شرق أوروبا، مدفوعاً بأولوية توسع «الأطلسي» على حساب روسيا. وعلى نحو أوضح، يقول بعض الساسة الأوروبيين إنه لا مكان لتركيا «المسلمة» في «النادي الأوروبي المسيحي».
والخلاصة أن أردوغان يريد أن يضغط وأن يبتز أوروبا ماديا لتساهم في نفقات اللاجئين وأن يضغط على أوروبا مستغلا محنة لاجئي سوريا محاولا الدخول للنادي الأوروبي مما يرفع أسهمه داخليا، خاصة وأنه على أبواب انتخابات، وظهر هذا جليا بعد زيارة المستشارة الألمانية ميركل له إذ يعتبر النواب الألمان زيارة ميركل لتركيا قبل أسبوعين من الانتخابات بمثابة دعم لأردوغان. أما أوروبا فيدعو الاتحاد الأوروبي بأن تستقبل أنقرة المزيد من اللاجئين وتعزز مراقبة الحدود، وتلتزم أنقرة باسترجاع جميع اللاجئين الذين يعبرون منها إلى أوروبا لوقف فيضان اللاجئين إليها، وأصبحت أوروبا بورقة اللاجئين تمتلك موطئ قدم مستقبلا في أي حل متعلق بسوريا.
رأيك في الموضوع