منذ سقوط الخلافة وتقسيم بلاد المسلمين إلى دويلات هزيلة، منذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا يحرص الغرب على محو الإسلام من حياة المسلمين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وقد وصل إلى حقيقة ثابتة وهي أنه لا يستطيع محو الإسلام مهما فعل، ولذلك ظل يعمل على حرف المسلمين عن أحكام الإسلام وبخاصة ما يتعلق بالحكم والسياسة، وذلك عبر عملاء فكريين وسياسيين وغيرهم، وكان الحكام في بلاد المسلمين هم رأس الرمح في تنفيذ السياسات الغربية.
فأنظمة حكم كنظام آل سعود في نجد والحجاز، والعائلة الهاشمية في الأردن، وآل مكتوم في دبي، وآل خليفة في قطر... هذه الأسر الحاكمة ظلت منذ عهد الاستعمار البريطاني تلعب دور العميل المخلص للغرب، واليوم تستخدم أمريكا بعضها وبريطانيا تستخدم البعض الآخر لتثبيت نفوذيهما في العالم الإسلامي والحيلولة دون قيام الخلافة على منهاج النبوة. ويمكن رؤية هذه العلاقة بصورة واضحة وجلية، عندما قام الرئيس الأمريكي أوباما، ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون وغيرهما بالحج إلى الرياض حزناً على وفاة الملك عبد الله، حتى إن ديفيد كاميرون قد نكس الأعلام في بريطانيا، كما وتظهر هذه العلاقة في تنفيذ الدول الخليجية، وبخاصة السعودية مشاركة فعالة في الحلف الأمريكي لما يسمى محاربة الإرهاب. ويحلو لأمريكا منذ أيلول/سبتمبر 2014م التأكيد على مشاركة سلاح الطيران السعودي والأردني في الحرب على تنظيم الدولة، ويظهر أيضاً ذلك في التحالف الذي تقوده السعودية بأمر من أمريكا في اليمن، ويشارك حكام السودان في هذا الحلف إرضاء لأمريكا. أما حاكم مصر السيسي فهو أداة من أدوات أمريكا الرئيسية في حرب الغرب على الإسلام، فمنذ انقلابه العسكري في مصر شن حملة ضارية ضد كل ما هو إسلامي، بل طالب شيوخ الأزهر (بثورة دينية!)، وهو الذي يحفظ أمن كيان يهود بلا مواربة حتى لو أدى ذلك لإبادة أهل سيناء إرضاء لأسياده الأمريكان.
ومن أدوات الغرب في تنفيذ سياساته في العالم الإسلامي بعض المنتسبين إلى الإسلام زوراً، وهم في الأصل غرباء عنه مضبوعون بالثقافة الغربية، يروجون لفكر الغرب وثقافته وأنظمته، فيفتح لهم الغرب أجهزة إعلامه، ويروج لأطروحاتهم الضالة المضللة، ومن أمثال هؤلاء (محمد شحرور، ومحمد أركون وجمال البنا) الذين يعملون من أجل تشويه صورة الإسلام وجعله يتماشى مع أطروحات الغرب الكافر، حتى يصير الإسلام مسخاً مشوهاً كما يريد الغرب، الذي صرح أحد قادته وهو نيكولا ساركوزي - وزير داخلية فرنسا السابق، (الإسلام الذي تريده فرنسا هو إسلام فرنسي وليس إسلاماً في فرنسا).
أيضاً من الأدوات التي يستخدمها الغرب، بعض دور الإفتاء الرسمية في البلاد الإسلامية؛ التي تتماهى مع ما يريده الحكام من فتاوى على المزاج الأمريكي، فلا تتورع مثل هذه الدور من أن تفتي بما يناقض الإسلام وأحكامه إرضاء لولي نعمتها المرتمي في أحضان الغرب الكافر، ومع هذه المؤسسات الرسمية هناك علماء محسوبون على الإسلام أيضاً يفتون بما يوافق هوى الحكام الذي في الأصل هو هوى الغرب الكافر، مثل فكرة عدم الخروج على الحكام ووجوب طاعتهم التي امتلأت بها فضائيات حكام السوء في بلاد المسلمين إبان ثورات الربيع العربي، والتي اختطفها الغرب الكافر وحولها لمصلحة مشاريعه الإجرامية، وما يحدث في ليبيا واليمن ومصر خير شاهد ودليل.
كما أن هناك أحزاباً تروج لفكرة الغرب الكافر، وتسعى لتسويق أنظمته في بلاد المسلمين طمعاً في أن يوصلها الغرب إلى كراسي السلطة. ولا يكتفي الغرب بهذه الأدوات إنما يضيف إليها أدواته الكبرى - الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة التي تعمل بجد في بلاد المسلمين لتنفيذ الأجندة الغربية تحت ذرائع شتى؛ إنسانية تارة، وفض خلاف تارة أخرى وغير ذلك، وقد امتلأت بلاد المسلمين بالمبعوثين الخاصين للأمين العام للأمم المتحدة وغيرهم، بحجج مختلفة، والغاية واحدة هي سيطرة الغرب الكافر على مقاليد الأمور في بلاد المسلمين، وسأذكر بعضا من هؤلاء المبعوثين على سبيل المثال لا الحصر: نيولاس هاسوم الممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، وجمال بن عمر المبعوث الخاص للأمم المتحدة السابق لليمن وخلفه إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وبرناردينو ليون الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا ومعه علي الزعتري رئيس بعثة الأمم المتحدة، ودي ميستورا، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في سوريا وقد سبقه الأخضر الإبراهيمي، ونيكولا ملاديتوف المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط وغيرهم وغيرهم.
وكل هؤلاء يعملون في بلاد المسلمين من أجل الحيلولة دون عودة الإسلام في دولته دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. ولكن الواقع يقول إن الغرب فشل في إخضاع الأمة لأفكاره، وبخاصة في سوريا التي تكالب الغرب والشرق من أجل تركيع رجالها فأبوا إلا الركوع لرب العالمين، وقد بدأ ينكشف للمسلمين أن أمريكا التي تدعي حقوق الإنسان، وأنها مع الشعوب المستضعفة، هي التي تدعم الطاغية المستبد بشار، وتمنع إسقاطه فيما هو يمارس عمليات الإبادة، ضد الناس، وهي التي توسع نفوذ إيران المدافعة عن بشار ونظامه. وهنا لا بد أن تعي الأمة على كل أدوات الغرب الكافر في المنطقة حتى تكشفهم وتنبذهم نبذ النواة، وأن تحتضن المخلصين من أبنائها الذين يعملون من أجل استئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع