لم يمض على الاتفاق الذي وقعته حكومة جنوب السودان مع المعارضة المسلحة، بقيادة رياك مشار - تحت الضغط الأمريكي- سوى بضعة أسابيع حتى خرج علينا رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت بقرار كسيح أعرج، فحواه تقسيم الجنوب إلى 28 ولاية على طريقة التفتيت والتمزيق، تحت النيران الهادئة، فقد اتسم قراره بالحماقة السياسية والفقر الفكري، حيث اعتمد الرجل على تقسيم البلاد وفقا لخارطة قبلية جهوية بامتياز، فأعطى الولايات الغنية بالنفط لقبيلته قبيلة الدينكا، مما أثار غضب القبائل الأخرى وعلى رأسها (النوير)، قبيلة المتمرد رياك مشار، الذي أعلن رفضه لهذا التقسيم جملة وتفصيلاً.
إن القرارات التي اتخذها سلفاكير قفزت على الاتفاقية التي سميت باتفاقية (السلام) التي وقّعتها الحكومة في جوبا مع المتمردين أخيراً، الأمر الذي ينبئ بانهيارها تماماً. فقد أدت تلك القرارات إلى إحكام سيطرة بعض زعماء قبيلة الدينكا على النفط في مناطق أعالي النيل والوحدة، وهي المناطق التي يُفترض وفق اتفاقية السلام أن يكون لمشار وجود فيها، الأمر الذي من شأنه أن يخلق صراعاً دموياً على النفط. فلقد قالها يوما رئيس وزراء بريطانيا السابق ونستون تشرشل حيث قال: (منذ الآن فصاعداً ستكون نقطة النفط مقابل نقطة الدم) وقد كان، فقد أدخلت الدول الرأسمالية شعوب العالم في أتون حروب لها أول وليس لها آخر، وكل هذا من أجل النفط والثروات، وقد دفع أهل السودان جنوبه وشماله فاتورة باهظة الثمن في هذا الإطار. فلا يزال الصراع الدولي بين الدول الاستعمارية الكبرى يأخذ أشكالاً متعددة بين الاتفاقيات تارة ودفع الأطراف والأدوات للاحتراب والاقتتال تارة أخرى.. وكل هذه المجازر وسياسة الأرض المحروقة لأجل السيطرة على النفط في بلادنا. وفي هذا الإطار فإننا ننظر إلى هذه الأحداث التي يمر بها جنوب السودان من زاوية الصراع الأنجلو-أمريكي الذي يتم في المنطقة والمنافسة الشرهة بينهما لابتلاع ثروات الأمة والسيطرة على منابع النفط بالجنوب.
وهنا يجدر بنا تذكير أهل الجنوب عامة، والمسلمين منهم خاصة بأن تقسيم البلاد لولايات على أساس قبلي سيؤدي إلى مطحنة من الحروب تقضي على البقية الباقية بعد أن أدت الحروب المندلعة إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وشُرد مليونا شخص من أهل الجنوب ودُمرت البلاد وشُرد العباد، وهذا التقسيم بهكذا كيفية لن يعالج مشكلة ولن يوقف حربا بل سيفتح البلاد على مصراعيها للمستعمر الذي يتربص بهذا البلد الغني بثرواته، وسيمكن المستعمر من تنفيذ أجندته الاستراتيجية في المنطقة والتي نعتها (برنارد لويس) في السابق بحدود الدم تلك الرؤية الشيطانية التي قال فيها لا بد من إعادة تقسيم المقسم في سايكس بيكو لإخراج دويلات جديدة على أساس طائفي وعرقي كمقدمة لتفكيك بلاد المسلمين، حتى يسهل له ابتلاعها وامتصاص دماء وثروات شعوبها، فهل سيترك أهل الجنوب هذا العميل الأمريكي سلفاكير ميارديت يسرح ويمرح تنفيذا لأجندة الغرب في بلادنا!!؟ وهل سيتواصل مسلسل الصمت عن قول كلمة الحق من قبل المسلمين في الجنوب والشمال حتى يكَسِّر الفأس الأمريكي ما تبقى من الرؤوس!!؟
نحن المسلمين في السودان ننظر لجنوب السودان باعتباره جزءاً من بلاد المسلمين، جرت فيها مؤامرة دولية، بفصله عن الشمال، مما أدى إلى إرهاق شطري السودان، ولا يزال الغرب الكافر يستمر في إضعافه - أي جنوب السودان - بحروب طاحنة. ومن هنا سنظل ننظر إلى هذا الجزء من بلاد المسلمين وأهله نظرة رحمة ورأفة ونتألم لما يحدث في جنوب السودان من أنهار دماء وعبث للمستعمر وأدواته بأرواح الخلق، ونحن نتابع ما يقوم به عملاء الغرب من جرائم كبرى ومحاولات السيطرة على مفاصل ومفاتيح ثروات جنوب السودان. فلا الانفصال عن الشمال عالج قضايا أهل الجنوب، بل زادهم رهقاً، ولا محاولات تقسيمه بعد الانفصال إلى ولايات أو كانتونات أو حتى كيانات سيوجد الأمن والاستقرار.
ولذلك كله فإننا نتقدم للمخلصين من أهل الجنوب بمشروع حضاري متميز، يستند إلى فكرة سياسية مبدئية ينتشلهم من ويلات الحروب، وذلك بالعمل الجاد لإعادة وحدة البلاد كما كانت عليه قبل المؤامرة، والتطلع إلى نظام الحكم الذي يتركز تركزاً منتجاً هو نظام وحدة وليس نظاماً اتحادياً، ويكون الحكم مركزياً والإدارة لا مركزية، هكذا علمتنا الأحكام الشرعية العملية لمعالجة قضايا البشرية وإيجاد نظام للحكم يتجسد فيه الاستقرار والأمن والأمان.
فمتى يتحرك المخلصون من أبناء الأمة في القوات المسلحة لأجل استرداد هذا الجزء العزيز من جسد الأمة الإسلامية إلى حظيرة البلد!!؟ إن تحرك القوات المسلحة للوقوف ضد مشروع حدود الدم التي تسير على قدم وساق لهو ضرورة عقلية وسياسية، كما أنها واجب عقدي تمليه العقيدة الإسلامية فالهمة الهمة يا من تخرجتم من الكليات الحربية التي توصف بأنها مصانع الرجال وعرين الأبطال لأن الوقت اليوم مناسب جداً لصناعة البطولات. فهلم إلى استرداد جنوب السودان وإقامتها خلافة راشدة على منهاج النبوة، حتى يسطر التاريخ أسماءكم مع الأبطال أمثال صلاح الدين وسيف الدين فكونوا مثلهم وأروا الله من أنفسكم خيراً.
رأيك في الموضوع