في العام 1944م تم إنشاء صندوق النقد والبنك الدوليين؛ بقصد الهيمنة على اقتصاد العالم، وبالفعل اتخذتا أداة - وبخاصة صندوق النقد الدولي - لجعل البلاد عرضة للإفلاس وصناعة الفقر، من خلال الضغط على الدول للالتزام بسياسات الصندوق، فقد نشر الصندوق مذكرة خلال آب/أغسطس من العام الماضي قال إنها من حكومة السودان، تؤكد فيها الحكومة الالتزام بحزمة معالجات اقتصادية تشمل رفع الدعم الحكومي عن المحروقات وقطاع الطاقة، ومراجعة الإعفاءات الجمركية ونظام الضرائب، وقد شهد شاهد من الحزب الحاكم بالتعليمات التي تأتيهم من الصندوق، ورد ذلك في حوار أجرته صحيفة المجهر مع أمين أمانة الاقتصاد بالمؤتمر الوطني، نشر بتاريخ 3 أيلول/سبتمبر 2014م قال فيه: (نحن تُفرض علينا أشياء خارجة عن إرادتنا)، ولعل هذا أبلغ دليل على أن الدولة لا تملك إرادة سياسية بدليل انصياعها لما يفرض عليها من قبل مؤسسات برايتون وودز.
إن صندوق النقد الدولي يفرض شروطا قاسية على البلدان التي تطلب قروضاً، ويلزمها بتنفيذ حزمة من الإجراءات التدميرية للاقتصاد والتي تؤدي بدورها إلى ارتهان إرادة البلدان المقترضة إلى مشيئة البلدان والمؤسسات الدولية الدائنة وتضمن صناعة الفقر فيها. وتتلخص تلك الشروط في الآتي:
على صعيد سياسة فتح البلاد للمؤسسات الاستعمارية:
1/ خصخصة القطاع العام وإعطاء الدور الأساسي في النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص.
2 - إصدار القوانين التي تضمن مصالح القطاع الخاص المحلي والأجنبي.
3 / إعفاء الشركات الأجنبية من الضرائب والرسوم.
4/ منح الحق للشركات الأجنبية العاملة في تحويل أرباحها ومستحقات منتسبيها من العاملين بالنقد الأجنبي إلى الخارج.
ومحصلة هذه الإجراءات هو الضغط على الفئات الفقيرة ونمو الاقتصاد الاستهلاكي كما في النمط الغربي.
على صعيد التجارة الخارجية:
1 / دعم نشاط القطاع الخاص وتهيئة كافة الفرص المناسبة لنشاطه.
2 / إلغاء القيود المفروضة على صادرات وواردات السلع.
3 / إلغاء نظام الرقابة على النقد الأجنبي وتطبيق سياسة السوق المفتوحة.
4/ تخفيض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.
وتهدف هذه الإجراءات إلى تخلي الدولة عن حماية منتجاتها وفرض نمط التجارة الحرة وخلق الظروف الموضوعية للفئات الطفيلية لتحقيق المزيد من الأرباح والاستغلال.
وعلى صعيد الإنفاق القومي:
1/ إلغاء الدعم الحكومي للسلع التموينية الضرورية لحياة الناس.
2/ زيادة الضرائب على السلع المختلفة وزيادة أسعار الماء والكهرباء وخدمات الصحة والتعليم والنقل وما شابه ذلك من الخدمات.
3/ رفع أسعار منتجات القطاع العام وتقليص دوره في التنمية الاقتصادية.
4/ تخفيض الإنفاق الحكومي الجاري وإيقاف التعيينات في قطاعات الدولة.
إن النهج الذي يتبناه الصندوق على صعيد الاستدانة الخارجية، يجبر البلدان المدينة على التخلي عن الدعم المالي للسلع الضرورية للحياة والمشتقات النفطية وغيرها من السلع التي تشكل القوت اليومي للناس. ويلزمها كذلك بتخفيض عملتها النقدية مقابل العملات الأجنبية كي تصبح المواد الخام والسلع الأخرى المصدرة إلى الخارج بأقل ثمن. كما يلزم البلدان المقترضة بتقليص الإنفاق على القطاعات الخدمية وزيادة الضرائب.
إن السياسات التي يتبناها صندوق النقد الدولي تهدف إلى تحويل البلدان المقترضة إلى أسواق مفتوحة لتصريف بضائع الدول الرأسمالية بأسعار عالية، وتخلق الظروف الموضوعية لتحويل الاقتصاد القائم على التخطيط والتوجيه المركزي إلى اقتصاد سوق رأسمالي تعبث به الرأسمالية المتوحشة التي لا تعرف سوى الجشع ومزيد من الأرباح.
فالإصلاحات التي يفرضها الصندوق هي في الأصل حزمة مسمومة ملغومة تؤدي في نهاية المطاف إلى تجويع العباد وتركيع البلاد.
وفي السودان سارع دعاة المشروع الحضاري إلى الارتماء في أحضان الصندوق واتبعوا توجيهاته شبراً بشبر حتى أدخلونا جحر الضب، فبموجب توصيات الصندوق عرضت الحكومة حوالي (63) مرفقا خدميا للبيع مما أدى إلى خصخصة كافة مؤسسات القطاع العام، وألغت كافة أنواع الدعم المقدم للسلع كما ألغت الدعم الخاص بالخدمات الصحية والتعليمية والإسكان واتخذت إجراءات صارمة فزادت أسعار الماء والكهرباء والنقل والاتصالات، أدت إلى تبعات كارثية على أهل السودان؛ مثل ارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 30%، وزيادة مديونية السودان الخارجية الربوية إلى (46) مليار دولار بحسب آخر تقرير صادر عن بنك السودان. وأيضاً تدهورت قيمة العملة السودانية من 2,87 دولاراً للجنيه الواحد عام 1975 إلى أقل من 17 سنتا في الوقت الحالي.
ورغم ما تجنيه البلاد من ويلات جراء الالتزام بسياسات الصندوق القاتلة، إلا أن المسؤولين في الدولة يؤكدون التزامهم الكلي بما يمليه الصندوق، فقد تعهد وزير المالية بدر الدين محمود، بتوفير البيانات المطلوبة للإصلاح للصندوق. جاءت هذه التعهدات عقب الزيارة التي قام بها مسؤول في صندوق النقد الدولي للبلاد في شباط/فبراير 2014م والتقى خلالها بكل من وزير المالية ومحافظ بنك السودان. أيضاً تعهد وزير المالية السوداني، بالمضي قدماً في سياسة رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية، وقال إن البرنامج الخماسي للدولة خلال 2015- 2019 يتخذ من التحرير الاقتصادي منهجاً له.
إن الخروج من كل أشكال الهيمنة الاستعمارية التي تمارس على الأمة، تحت مسميات شتى من قروض وغيرها، هو بالوقوف ضد الارتماء في أحضان صناديق المال الدولية، والعمل في الأمة ومعها للانعتاق من المنظومة الرأسمالية، والعودة لنظام الإسلام، في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ التي تحرر الشعوب وتبسط العدل في ربوع العالم.
رأيك في الموضوع