يدرك المتابع للملف السوري في الآونة الأخيرة أو قل منذ شهر شباط/فبراير هذا العام مدى التحول في المواقف الأوروبية تجاه نظام الأسد، فبعد أن كانت أوروبا ترفض بشكل قطعي أي حل سياسي يكون الأسد طرفا فيه، ها هي العديد من دول أوروبا مثل إسبانيا وبريطانيا والنمسا تنتهج الآن سياسة جديدة نحو نظام الأسد من أنه جزء من الحل السياسي مع أنهم يختلفون في المدة المتبقية لذهابه حال بدء المرحلة المؤقتة في الحل السياسي المرجو.
فقد قال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل جارثيا مارجايو، في السابع من الشهر الجاري: "إن الوقت حان لبدء مفاوضات مع نظام بشار الأسد، لتجنب استغلال داعش للحرب الدائرة هناك لمواصلة تقدمه على الأرض".
وقال سباستيان كورتز وزير الخارجية النمساوي، إنه "على الدول الغربية أن تشرك الرئيس السوري، بشار الأسد، فى الحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي خلافا لموقف أغلب الدول التى ترى أن الأسد هو المشكلة".
وأما تغير الموقف البريطاني تجاه النظام السوري، فقد رفض وزير إعلام الأسد عمران الزعبي في مقابلة نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية الجمعة الحادي عشر من الشهر الجاري مقترحا بريطانيا بأن يقود الأسد حكومة انتقالية لمدة ستة أشهر ويترك السلطة بعدها، وذلك في إطار حل سياسي يمكن التوصل إليه لوقف الحرب ووضع حد للجوء أهل سوريا إلى أوروبا ومناطق أخرى بالعالم..
لقد بدأ هذا التغير واضحا منذ بدايات الزيارات التي كان يقوم بها المبعوث الدولي الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا منذ شباط هذا العام، فقد بدا في تصريحاته مقتنعا بأن الحل في سوريا يجب أن يكون الأسد جزءاً منه، فقد صرح أن: "الأسد لا يزال رئيسا وأنه جزء من الحل وأن جزءاً كبيرا من سوريا لا يزال تحت سيطرة الحكومة"، معلنا بذلك عن أمر يقدمه كحقيقة ومسلمة لا نقاش فيها وهي أن الأسد جزء من الحل وعلى الجميع أن يتعاطى مع هذا الأمر كحقيقة وواقع، وأن على الجميع أن يتراجع عن أفكاره الخاطئة المؤدية إلى وجود حل في سوريا بدون الأسد.
ولا بد أن تغير الموقف الأوروبي تجاه إيران بعد حل أزمة الملف النووي الإيراني قد عجل من بلورة فكرة المبعوث الأممي دي ميستورا عند بعض الدول الأوروبية التي كانت تربط بين الملف النووي ومقاطعة إيران وعدم إدراجها في أي حل سياسي في سوريا. أما وقد حل هذا الملف فقد رفع الحرج ويمكنهم الآن إدراج إيران كونها لاعباً أساسياً وفعالاً يقف خلف الأسد سياسيا وعسكريا منذ بدء الأزمة، وخصوصا أيضا أن إيران تلعب دورا أساسيا في العراق وفي الحرب ضد تنظيم الدولة.
إن دول أوروبا باتت تدرك الآن مدى جدية أمريكا عبر السنوات الأربع المنصرمة في دعم نظام الأسد وسماحها منذ بداية الأزمة للروس بدعم الأسد بكل ما يحتاج إليه وآخرها نية وعزم الروس على التواجد بأنفسهم في المياه والأراضي السورية مساندة مباشرة للأسد.
ويستغل دي ميستورا الحرب على تنظيم الدولة من أجل تسويق هذا الحل لأن كلا من النظام والمعارضة (المعتدلة) معنيون بإنهاء الملف السوري. وبهذا تكون المبادرة قائمة على الفكرة المشهورة التي سئمها الناس وكشف عوارها وهي فكرة الحرب على الإرهاب. وبذلك يتم تناسي وتجاهل أكثر من أربع سنوات من الإبادة والحرب والقتل والتشريد للملايين في سوريا على يد نظام الأسد المجرم، وتطوى مجازر الغوطة االكيماوية تحت التراب، بحجة الحرب على الإرهاب في سوريا. بمعنى آخر سيبنى الحل الجديد على التسوية بين المعارضة المعتدلة ونظام الأسد من أجل الوقوف معا لقتال تنطيم الدولة والنصرة.
والحقيقة أن هذه المبادرة للمبعوث الدولي للأمم المتحدة هي مبادرة تتفق بكل حيثياتها وجزئياتها مع ما تريده أمريكا تماما. فأمريكا تصرح منذ بداية الثورة أن الحل في سوريا لن يكون عسكريا وإنما سياسيا، موجهة بذلك رسالة إلى أوروبا آنذاك بأن الأسد جزء من أي حل وأن الحل سيكون سياسيا. إلا أن أوروبا حينها لم تسلم لأمريكا بهذا الأمر وكانت ترجو نسخ الملف الليبي في سوريا من أجل القضاء على عميل أمريكا الأسد ونظامه.
هناك نقطة أخيرة إضافة للنقاط السابقة تبين سبب تراجع أوروبا عن إقصاء الأسد من الحل في سوريا وهي أن تركيا قد حسمت أمرها في مقاتلة تنظيم الدولة وسمحت باستخدام أراضيها لهذه الحرب. ولذا فإن دول أوروبا تجد نفسها الآن مرغمة على إدراج الأسد في الحلول السياسية لسوريا. وإلا فإن أوروبا تخشى أن يتم إنهاء الملف السوري بمعزل عن أوروبا. وبذلك لن ينال الأوروبيون من الملف السوري إلا ألوفا مؤلفة من اللاجئين من سوريا يطرقون أبوابها.
والحقيقة أن موقف أوروبا منذ بداية الثورة ضد الأسد لم يكن ينبع عن حب للشعب السوري ولا نصرة لقضيته بل لكسر النظام السياسي الذي اعتمدت أمريكا عليه عبر عقود في صراعها مع أوروبا. وحيث إن أوروبا لم تفلح بكسره فلا بد أن تغير موقفها الآن قبل أن تخسر كل شيء في المنطقة هناك.
بقلم: الدكتور فرج ممدوح
رأيك في الموضوع