تعيش ليبيا منذ سقوط نظام الهالك معمر القذافي في 2011 على وقع فوضى أمنية وسياسية ونزاع على السلطة تسببا بانقسام البلاد قبل عام بين سلطتين، حكومة وبرلمان معترف بهما دوليا في الشرق في طبرق، وحكومة وبرلمان يديران العاصمة بمساندة مجموعات مسلحة بعضها إسلامية تحت مسمى "فجر ليبيا". ومنذ شهور عدة بدأت أواخر العام المنصرم لقاءات وحوارات أطلق عليها جلسات الحوار الليبي وبرعاية الأمم المتحدة وتحت أعين الدول الفاعلة في الصراع؛ ونقصد أوروبا ممثلة ببريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وفي الجهة المقابلة أمريكا، بعد أن وصل الجميع إلى قناعة راسخة أنه لا يمكن الحسم العسكري لصالح أي طرف من الأطراف وأنه لا بد من التفاوض لاقتسام البلاد والثروات والنفوذ عبر أدوات محلية من أشباه سياسيين وعسكريين وقادة محليين وبقايا النظام البائد.
وقبل أيام صرح مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا برناردينو ليون أن المحادثات الرامية إلى جمع الأطراف المتحاربة في هذا البلد في حكومة وحدة وطنية دخلت مرحلتها النهائية وإنه من المأمول التوصل إلى اتفاق بحلول 20 من أيلول/سبتمبر الحالي.
وقال ليون للصحفيين "لدينا حقا فرصة للتوصل إلى اتفاق نهائي في الأيام القادمة وليس بوسعنا وليس بوسع ليبيا أن تضيع هذه الفرصة."
واجتمع ليون مع مفاوضين من المؤتمر الوطني العام الليبي (البرلمان الموازي) على مدى خمس ساعات يوم الجمعة الماضي الذي تقدم بتسع نقاط كمقترحات جديدة لتضمينها في مسودة الاتفاق السياسي دون أن يكشف عنها، قبلت منها سبع نقاط خلال الاجتماع مما بث روح التفاؤل، كما عبر عن ذلك ليون وقال إنه يتوقع عقد جولة محادثات جديدة يوم الأربعاء القادم، قال دبلوماسيون إنها ستكون في الصخيرات بالمغرب.
وقد أكد مدير القسم السياسي لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا معين شريم السبت في تصريح تلفزيوني أن جلسة الحوار الليبي القادمة ستنعقد يوم الخميس المقبل في مدينة الصخيرات المغربية. وقال شريم في تصريحه على هامش حضوره المنتدى الليبي للحوار في تونس إن الجلسة القادمة ستخصص لاستكمال التفاوض حول بعض الملاحق والمقترحات أهمها تشكيل حكومة الوفاق الوطني. ومن جهة أخرى أشار محمد شريم إلى أن الجلسة المنعقدة مؤخرا في جنيف قد شاركت فيها جميع الأطراف الليبية وبعض ممثلي الأحزاب السياسية وممثلي بعض البلديات.
وكان الموعد المستهدف لإبرام اتفاق قد تم تأجيله مرارا، وقال ليون يوم الجمعة إن أكثر الأمور صعوبة لم تحل بعد وإن الجانبين لم يحسما بعد مسألة من ستتألف منهم الحكومة.
وينقضي تفويض مجلس النواب للحكومة الليبية المعترف بها دوليا في تشرين الأول/أكتوبر، وقال ليون إن حلول شهر تشرين الأول/أكتوبر دون التوصل لاتفاق سيكون أمرا بالغ الخطورة.
أما بالنسبة لموقف أوروبا فقد أعلنت فيديريكا موغيريني الممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية، عن رفض الاتحاد الأوروبي الخوض في خطة بديلة لخطة المبعوث الأممي لليبيا، "برناردينو ليون"، والتي تسعى إلى إفراز حكومة وفاق وطني ليبية.
واعترفت موغيريني، خلال مؤتمر صحفي لها في لكسمبورغ عقب انتهاء اجتماع وزراء الدفاع والخارجية الأوروبيين، بأن مفاوضات الحوار الليبية تعترضها العديد من الصعوبات، والاتحاد الأوروبي يرفض الحديث عن احتمال فشل مهمة المبعوث الأممي لدى ليبيا، وأن الاتحاد بذل الكثير من المساعي والجهود لدعم مهمة ليون في ليبيا ويتوقع أن الحوار بات في مراحله الأخيرة وفق ما نقلت وكالة الأنباء الليبية الرسمية يوم الأحد.
وأضافت موغيريني: "أنه في حال نجاح الليبيين بتشكيل حكومة وحدة وطنية، فإن الاتحاد الأوروبي سيقف معهم وسيدعم انطلاقة مسيرة ليبيا الجديدة من خلال شراكة شاملة تحقق مصالح ومنافع متبادلة".
وأكدت الممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية أن أولى ملفات التعاون مع ليبيا ستكون بشأن اللاجئين ومحاربة الإرهاب.
أما الموقف الأمريكي فقد عبرت عنه سفيرة أمريكا إلى ليبيا ديبورا جونز حين قالت إن الأغلبية الساحقة من الليبيين تريد أن تنجح جهود الأمم المتحدة وأن تسفر عن تشكيل حكومة وإنهاء الاقتتال في ليبيا ومن ثم إعادة الأمن وسيادة القانون وبيئة تنظيمية ملائمة.
وقالت لرويترز "ما نحاول فعله وما يحاول المبعوث الخاص فعله هو إنجاز مهمة صعبة وإن كانت غير مستحيلة".
وأضافت أن مسودة اتفاق ليون "أساس سليم" لبناء الدولة الليبية مما يساعد على معالجة المشكلات الملحة مثل الإرهاب.
وكانت بعض التصريحات السابقة حول لقاءات سابقة عقدت في الجزائر من أطراف ليبية محسوبة على التيار الديمقراطي وصفت اللواء حفتر بأنه يختار في تحركاته القوة الناعمة، وتعزيز تحالفاته، في وقت يعمل فيه خصمه الأول في ليبيا، عبد الحكيم بلحاج، على زيادة نفوذه في طرابلس، وكشفت أن حفتر، يراهن على قبائل الشرق الليبي لدعمه في الحصول على مؤازرة قبائل المنطقة الغربية القوية والنافذة.
يبدو مما سبق من تحركات متسارعة وإصرار شديد من مندوب الأمم المتحدة الإسباني على عقد اتفاق تقاسمي بين الأطراف بحجة إنهاء الصراع للتفرغ لضبط الحدود والهجرة لأوروبا ومحاربة الإرهاب كما تدعي وتضغط أمريكا، فأوروبا تريد الحسم سريعا لكي لا تعطي الفرصة لأمريكا لزيادة ثقلها في الحكومة الليبية القادمة، وأمريكا ترحب بالاتفاق على لسان السفيرة لأنها وكما يبدو قد استطاعت استمالة بعض السياسيين للسير معها؛ فهي قد لا تحصل النصف من حكومة التوافق القادمة لكنها قد وضعت قدمها سياسيا في ليبيا بعد أن ثبتت قدمها الأخرى عسكريا عن طريق حفتر وأعوانه، وبغض النظر عن توقيع اتفاق من عدمه فلن تختلف الحكومة القادمة عن سابقاتها في عمالتها وارتباطها بالغرب وبمصالحه وحتى صراعاته.
رأيك في الموضوع