مع تزايد عمليات القتل المروعة بحق المدنيين في اليمن، تستمر السعودية في غاراتها الجوية بلا اكتراث وبلا نية للتوقف، بالرغم من أن جميع المؤشرات تدل على أن القصف الجوي لمواقع الحوثيين فشل فشلًا ذريعًا، مما يضع علامة استفهام على مخططات السعودية المتعلقة باليمن، في الوقت الذي تجتاح فيه قوات الحوثي ثاني أكبر مدينة في اليمن (مدينة عدن)، وتقوم بتحقيق مكاسب لها في أماكن أخرى. وفي أثناء ذلك أرسلت إيران الدعم العسكري للحوثيين - وهي ملتزمة بالاتفاقية النووية الأخيرة التي توسطت فيها أمريكا - حيث أرسلت سفينتين حربيتين إلى خليج عدن لتزيد الطين بلة. بينما تواصل السعودية بلا مبالاة المطالبةَ بإرسال قوات إضافية من تركيا وباكستان لدعم قوات التحالف لغزو بري محتمل، بل أصبح مرجحًا.
وما يثير الاهتمام حول الصراع في اليمن هو سرعة حشد الدول العربية للقوات العسكرية ووضعها تحت إمرة السعودية لاستعادة حكم هادي في اليمن، فكل من الكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والمغرب، والسودان، ومصر، والأردن، قد ساهمت في حملة السعودية، وحتى باكستان التي كانت مترددة بشأن إرسال قوات عسكرية لغزو بري، فإنه من المحتمل أن ترسل قواتها للمشاركة في حماية الأراضي السعودية.
إنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو أين كانت هذه الإرادة السياسية أثناء عدوان كيان يهود على سكان غزة في عام 2009م، أو عندما بدأ الأسد بإبادة شعبه بوحشية في عام 2011م؟ والشيء نفسه ينطبق على مناطق الصراع الأخرى مثل ليبيا، والصومال، والعراق، وأفغانستان. وهل سوف تستخدم مثل هذه القوة لتحرير مسلمي الروهينجا من ظلم واضطهاد ميانمار الذي لا يرحم، أو للتدخل لحماية مسلمي كشمير من الحكم الاستبدادي للهندوس؟ من الواضح أن الإجابة على كل هذا هي لا.
منذ عقود، وحتى الآن، وحكام العالم الإسلامي يقدمون أعذارًا واهيةً لعدم مقاتلة يهود لتحرير فلسطين، ولعدم التدخل في النزاعات بين البلاد الإسلامية، مثل حرب العراق-إيران عام 1980م، وضم العراق للكويت عام 1990م، فقد فضلوا دائمًا السعي للحصول على مساعدة أمريكا والغرب للتدخل في مثل هذه الصراعات، وبهذه الطريقة قاموا بإرضاء شعوبهم. ومع ذلك، فإن التجمع الحالي لجيوش المسلمين تحت قيادة السعودية يمثل بداية عهد جديد في غاية الخطورة، وفي الوقت نفسه يحمل الأمل والترقب للأمة الإسلامية.
لم يعد بإمكان أمريكا والغرب، بعد خسائرها في حربي العراق وأفغانستان، نشر قوات برية كبيرة للحفاظ على النظام السياسي غير المستقر الذي فرضته بشق الأنفس في جميع أنحاء العالم الإسلامي. والهيمنة العلمانية الغربية السياسية لم تنهرْ فقط في ليبيا، وسوريا، والعراق، والصومال، وأفغانستان، واليمن، بل وقد تركت وراءها فراغًا سياسيًا امتلأ بسرعة "بمتشددين" إسلاميين يعارضون القيم الليبرالية الغربية.
إنّ المشهد السياسي في الشرق الأوسط، إلى جانب التراجع الغربي، يبشّر بحلقة جديدة في تاريخ العالم الإسلامي، حيث حكام دول مجلس التعاون الخليجي والبلاد الإسلامية الأخرى يتصرفون تحت رعاية الغرب لتوفير جنود مسلمين؛ لإخضاع الشعوب الإسلامية المعارضة للنظام السياسي القائم، فمخطط أمريكا والغرب هو تزويد الأسلحة والخدمات التقنية للجيوش الإسلامية لقيادة القتال في المناطق المضطربة بلا تدخل مباشر.
إنّ هذا تصرف يائس، وهو آخر محاولات الغرب لمنع ظهور نظام سياسي جديد؛ وذلك لأن قوات الأمن في الدول العربية والعالم الإسلامي تحت ضغوط متزايدة لمنع عودة النظام السياسي الإسلامي في عقر دارها، وفوق ذلك يتم جرها لإخضاع المسلمين في أجزاء أخرى من العالم الإسلامي. إن مثل هذه التصرفات سوف تنفّر الشعوب من قادتها، وتجعل من الصعب على أمريكا أن تسوق أيديولوجيتها وقيمها للعالم.
إنّ الأحداث الحالية قد تبدو للعديد من المسلمين مثبطةً للهمم، فهم غير قادرين على ممارسة دينهم بحرية، لكن بالرغم من كل ما يحدث يجب ألّا يفقدوا الأمل، لأن تناقض الأحداث في العالم الإسلامي فاتحةٌ لعهد جديد، فمن جهة يشعر المسلمون بالظلم من قبل قوى الكفر، ومن جهة أخرى يقوى الإسلام أكثر فأكثر يومًا بعد يوم، وما بقي إلا أن يؤيدنا الله سبحانه وتعالى بنصره.
قال الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214].
بقلم: عبد المجيد بهاتي
رأيك في الموضوع