محور "الممانعة" هو اسم أطلقته على نفسها الدول التي تزعم معارضة السياسة الأمريكية في المنطقة وتزعم تأييد حركات "التحرر الوطني" العربية. وهذا المحور مؤلف من دول هي سوريا وإيران وحركات مثل حزب إيران في لبنان. ويطلق هذا المحور في مقابل ما يسمى بمحور "الاعتدال" ويضم الدول التي لا تعارض علانية مخططات ومصالح أمريكا في المنطقة وترى حل قضية فلسطين عبر الخيارات السلمية.
والمدقق في هذين المحورين يجد أنهما يتقاسمان الأدوار على غرار العملية الديمقراطية في الدول الغربية التي توزع الأدوار والمهام بين أحزاب حاكمة وأخرى معارضة، وكلا المحورين يصب في المحصلة في تنفيذ مخططات أمريكا التي تقف خلف العديد من الأنظمة سواء تلك التي صُنّفت بالاعتدال أو الممانعة.
وحتى يروّج ما يسمى بمحور الممانعة لسياساته المخادعة، ويغطي على سيره في تنفيذ المخططات الأمريكية، وجد في "تبني" قضية فلسطين إعلامياً ضالته، لما لفلسطين من مكانة في قلوب الناس وارتباطها بوجدانهم عقدياً، فأخذ يتغنى بدعم المقاومة وحركاتها "جعجعة دون أي طحن"، واتخذ منها "شمّاعة" يعلق عليها تخاذله وجرائمه بحق الأمة وقضاياها، ويتهم كل من يعارض سياساته العميلة بأنه يستهدف "الممانعة" ويستهدف قضية فلسطين ويصب في مصلحة أمريكا وكيان يهود، والعكس هو الصحيح.
والناظر في حال الدول التي زعمت الممانعة يجد أنها لا تختلف شيئا عن الدول التي توصف بالمعتدلة في تفريطها بفلسطين وتقاعسها عن نصرة أهلها وفي حمايتها لأمن كيان يهود المحتل، فالنظام السوري كان منخرطاً بمفاوضات مباشرة مع كيان يهود ولولا تعنت الأخير وتراجعه عمّا سمي بوديعة رابين لكان هذا النظام قد وقع اتفاقية "سلام" معه على غرار الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، كما لا تختلف مواقف كل من إيران وسوريا عن مواقف السعودية ومصر تجاه عدوان يهود المستمر على الأرض المباركة وحروبهم المتكررة على غزة وتدنيسهم للأقصى بصورة يومية، فكلها دول متخاذلة متقاعسة تكتفي بعدّ الضحايا والشهداء وذرف دموع التماسيح عليهم دون أن تحرك جيوشها أو تطلق صواريخها أو ترسل طائراتها وبوارجها انتقاماً من يهود ونصرة لأهل فلسطين المستضعفين، بل إن محور "الممانعة" قد تعدى التقاعس والتخاذل إلى الإجرام بحق أهل فلسطين ولاجئيهم، وما يقترفه من جرائم في مخيم اليرموك وقصف أهله بالبراميل المتفجرة لهو شاهد على ذلك.
إن دعوى دعم دول "الممانعة" لحركات المقاومة إنما هو خداع وتضليل، واحتضانها لتلك الحركات كان أداة لاحتوائها والتأثير عليها وشراء الذمم بأموالها الملوثة، وكل ذلك يتم تحت شعار "الممانعة" ودعم المقاومة.
لكن حبل الخداع قصير، والحوادث وثورة الأمة كانت كفيلة بفضح دول هذا المحور وبيان حقيقة دورها الخبيث، حيث اتضح للأمة جلياً أنها دول لا تقل تآمراً عن تلك المسماة بالمعتدلة، وأنها شريكة مباشرة في التآمر على فلسطين وأهلها، وأن هذه الأنظمة وتلك هي صف واحد ضد الأمة وقضاياها، وإن اختلف ما تلبس من أقنعة.
فلقد كشر النظام الإيراني عن أنيابه، وبانت للملأ علاقته الحميمة مع أمريكا "الشيطان الأكبر"، واتضح أنه هو الذي ثبّت استعمارها في المنطقة، فقد دلّها على عورات المسلمين في أفغانستان، ومكّنها من العراق، وهو يستميت في الدفاع عن النظام السوري العميل لها، واتضح أن فيلق القدس الذي زعم هذا النظام إنشاءه لتحرير فلسطين ولم يطلق رصاصة واحدة تجاه يهود، هو أداة لقتل المسلمين، وأن شعارات تدمير كيان يهود تبخرت ولم تكن سوى للاستهلاك الإعلامي، وأن السياسات الفعلية للنظام الإيراني لا تضع مجابهة يهود على أجنداتها، بل إنها لا تمثل تهديداً لكيانهم، حتى إن الرئيس الأمريكي أوباما اعتبر توقيع الاتفاق النووي مع إيران خطوة لضمان أمن المنطقة وعدم تهديد حلفاء أمريكا "كيان يهود".
وأما النظام السوري، فلقد فضحته ثورة الشام الأبية ولم تُبق له ورقة توت يستر بها عورته القبيحة، فهو الذي يقتل المسلمين ويدمر الشام بينما حمى أمن يهود في الجولان طوال أربعة عقود ولا يزال، ولم يسمح بأي اختراق أمني هناك رغم قصف طائرات يهود لعقر دار النظام، بل إن أربابه أكدوا أكثر من مرة بأن انهيار النظام سيؤدي إلى تهديد أمن كيان يهود. وهو ما دعا العديد من المسؤولين اليهود إلى التصريح بأن بقاء الأسد هو الأفضل لكيانهم وللمنطقة، بل إن صحيفة هآرتس العبرية كتبت في (1/4/2011) أي بعد أسبوعين فقط من اندلاع الثورة السورية مقالاً بعنوان: "الأسد ملك إسرائيل"، حيث ورد في المقال: "إن كثيرين في تل أبيب يصلّون من قلوبهم للرب بأن يحفظ سلامة النظام السوري، الذي لم يحارب إسرائيل منذ عام 1973 رغم شعاراته المستمرة وعدائه الظاهر لها". وأوضحت الصحيفة العبرية أن "نظام الأسد يتشابه مع نظام صدام حسين، وهما كانا يحملان شعارات المعاداة لتل أبيب كوسيلة لإلهاء الشعب ومنعه من المطالبة بحقوقه" لافتة في النهاية إلى أن "الإسرائيليين ينظرون للنظام الحاكم في دمشق من وجهة نظر مصالحهم، متحدين على أن الأسد الابن، مثله مثل الأب، محبوب ويستحق بالفعل لقب ملك إسرائيل".
إن محوري "الممانعة" و"الاعتدال" جعلا من فلسطين - الأرض المباركة - سلعة للمتاجرة، ولم يقدما شيئا حقيقياً لتحريرها، بل هم من ثبّت كيان يهود المحتل وحمى أمنه وحدوده، فكانوا جميعاً شركاء في الجرم والمؤامرة، وإن فلسطين تنتظر قادة مخلصين يقودون جيوش المسلمين المتوضئة لتحريرها وتطهير الأقصى من رجس يهود واقتلاع كيانهم، وإن ذلك لكائن - قريباً بإذن الله - في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾
رأيك في الموضوع