يقع مخيم اليرموك في خاصرة دمشقعلى مساحة تقدر بأكثر من 2 كم مربع، أنشئ عام 1957، أي قبل استلام حزب البعث للحكم في انقلاب عام 1963 المشؤوم. وكان الهدف منه توفير الإقامة والمسكن للاجئين الفلسطينيين الذين ضاقت بهم السبل، ومع كونه أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا، إلا أن الدولة آنذاك لم تتقدم بطلب للأمم المتحدة أن تضمه الأونروا لها وتعتبره في عداد المخيمات الرسمية. ذلك أن النظرة كانت أن قاطنيه ضيوفٌ سيعودون عما قريب لبلادهم في فلسطين بعد التحرير. ولكن ما أن استلم حزب البعث الحكم حتى عاث فساداً في البلاد والعباد في كل مكان ومن ذلك مخيم اليرموك؛ حيث جعله مرتعاً لجماعات "فدائية" تدين بالولاء له، أي علمانية فاسدة ملحدة شيوعية أو ماركسية، فتحول المخيم كما تحولت كل سوريا لأوكار عصابات تقوم بالإجرام وبالاعتقالات والتنكيل بكل من لا يوالي البعث أو يقول ربي الله.
كان من الطبيعي أن ينخرط أهل هذا المخيم في الثورة منذ انطلاقتها لأنهم من أكثر الناس تأذياً من النظام الحاكم، وكان من المتوقع من تلك العصابات المجرمة التي تدعي المقاومة أن تقف مع النظام في سحقها للثوار ومنعها للناس من التظاهر. ولكن حجم وقوة الثورة في دمشق، والتي حتى الآن لم تأخذ حقها الكامل من الوصف والشرح والمتابعة، أفشل كل خطط هذه العصابات وسوّد الله تعالى وجوهها بأن انفضحت مواقفهم المعادية للأمة وللمقاومة وللتحرير.
كان المخيم نفسه ملجأ لكثير من أهالي ريف دمشق وأهالي أحياء العاصمة دمشق التي تعرّضت للقصف، كمدن ببيلا ويلدا في الريف وكأحياء التضامن والحجر الأسود والقدم والعسالي وغيرها. بدأت حملة عسكرية على المخيم بعد زيادة وتيرة الثورة فيه، فقصف النظام المجرم جامع عبد القادر الحسيني في المخيم والذي كان يؤوي الكثير من النازحين من الأحياء المجاورة وسقط العديد من الأشخاص بين قتيل وجريح، ثم اندلعت اشتباكات بين طرفي النزاع، الجيش النظامي السوري والثوار مع بعض العناصر الفلسطينية التي انشقّت عن اللجان الشعبية التابعة لأحمد جبريل، تلا ذلك تمركز للدبابات عند ساحة البطيخة في أول المخيم، عندها بدأت موجة نزوح للأهالي بأعداد هائلة. أخذت الاشتباكات تتصاعد، وتركّزت خاصّة في بداية المخيم عند ساحة البطيخة وحي الناصرة (شارع راما)، وساحة الريجة وبلديّة المخيم في شارع فلسطين، وكعادة النظام القذرة التي عرفها منه الشعب السوري أرسل السيارات المفخخة إلى المخيم أيضاً، فانفجرت عدة سيارات، كان أخطرها انفجار ساحة الريجة الذي ألحق أضراراً مادّية بالغة بالمباني. بعد فترة أعلنت قوات الثوار سيطرتها على شارع الثلاثين، الشارع الواصل بين المخيم وحي الحجر الأسود، ثمّ تعرّضت الأبنية المطلة على هذا الشارع إلى قصف عنيف من قبل دبابات وطائرات النظام دمّر الكثير منها، خصوصاً أن هنالك ثكنة عسكرية تابعة لقوات النظام قرب المخيم مقابل جامع سفيان الثوري الواقع في حيّ القاعة.
وهكذا أصبح هذا المخيم كابوساً مسلطاً على النظام فباءت كل محاولاته باقتحامه بالفشل، ليس لضعفه بل لقوة وبأس أهله وإصرارهم على الاستمرار في الثورة مهما كلف ذلك من ثمن. وكعادة نظام البعث والأسد لم يترك حيلة أو خدعة أو فخاً إلا ولجه، ولكن عبثاً. حتى أحكم الحصار على المخيم وقاطنيه وقطع عنهم الماء والكهرباء والطعام، ولو استطاع قطع الهواء لفعل. وقد أغاثهم رب العالمين بالأمطار والثلوج مما أفشل خطط النظام. لكن قلة الطعام وكثرة المؤامرات وزيادة الخيانات جعلت من المخيم مأساة القرن الواحد والعشرين، وهي وصمة عار على جبين دعاة حقوق الإنسان التي تآمرت دولهم مع النظام فتركت الذئب ينهش بالحملان على مرأى ومسمع منهم.
ولما ازدادت المقاومة قوة ومنعة ولم يعد يجدي الحصار وأصبح النظام المتهاوي في مأزق، فالأشهر تنطوي والحصار قائم ولكن بلا فائدة، عند ذلك اشترى النظام بعض ذوي النفوس الضعيفة من المحسوبين على الثوار فتسللوا بين صفوفهم وغدروا بهم، وجاء تسلل عناصر من تنظيم الدولة للمخيم ليزيد من معاناة الثوار ومن معاناة أهل المخيم، فوقع الثوار بين نارين، النظام من أمامهم وتنظيم الدولة من ورائهم، وكان يظهر للجميع وكأن تنسيقاً وتناغماً يجري بينهما للإيقاع بالثوار واقتحام المخيم.
وحاول الإعلام الكاذب أن يصوّر أن المخيم انتهى ووقع في أيدي ذئاب النظام، ولو تم ذلك لرأينا مجازر تُضاف لسجل مجازر بشار وذئابه، ولما استمر حتى ساعة كتابة هذه الكلمات بقصفه وتدميره! لكن ما تم للأسف هو قطع للرؤوس من قبل تنظيم الدولة لا مسوغ له سوى سفك الدماء وإرهاب الناس. ومع ذلك فإن المقاومة الثائرة على النظام وعلى كل من يسعى مساعيه ما زالت تحاول جاهدة تجنيب المخيم مجزرة محتمة إن اقتحمه بشار وزبانيته. نسأل الله لهم وللثورة السلامة.
رأيك في الموضوع