لم تعد ثورة الشام وما تعلق بها، قضية داخلية رغم محاولات جلادها ومن ورائه أمريكا أن يتم حلها، حين انطلقت، بسرعة ودون "بلبلة" عن طريق إيعاز أمريكا لعميلها بشار الأسد بصب الحمم على المتظاهرين كي تنتهي "الأزمة" خلال عامها الأول أي في 2011. وهكذا عانت الإدارة الأمريكية من التخبط والتناقضات في معالجتها للشأن السوري، ظهر هذا جلياً في أعمال سياسية وعسكرية قامت بها مباشرة أو من خلال عملائها في المنطقة. ففي حين مدت يدها للثورة باسم مساعدة الشعب السوري سواء بالدعم المباشر للمعارضة أو بإنشاء مجموعة أصدقاء الشعب السوري التي فشلت فيهما فشلاً ذريعاً..
وفي حين أوصدت دول العالم أجمع حدودها أمام الحالات الإنسانية التي دقت أبوابها من أهل سوريا الهاربين من حمم النظام السوري كانت هذه الدول الغربية تبارك مد روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران وبعض دول أمريكا اللاتينية نظام بشار بأنواع الأسلحة والخبراء العسكريين وحتى بقوات مقاتلة وما زالت.
ولكن ما الذي دفع أوروبا لتغيير سياستها فجأة تجاه سوريا فتفتح أبوابها الموصدة لاستقبال الملايين منهم؟
أدركت أوروبا أن الخطر الأيديولوجي أخطر عليها من الخطر الاجتماعي، فسقوط نظام الأسد في سوريا سينتج عنه قيام دولة فتية خطيرة عليها ستكون سياساتها متمحورة حول استعادة القدس ثم فلسطين ثم نشر الإسلام السياسي في العالم فتطرق أبواب أوروبا التي لطالما خشيت من دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وتخشى الآن أن تقضي تلك الدولة على سياستها الإستعمارية. فتمسكت بالنظام القائم ووافقت أمريكا بضرورة الحفاظ عليه مهما حدث.. فسكتت عن مجازره التي فاقت بشاعتها مجازر الحروب العالمية، وفاق تدميره للمدن دمار برلين وستالينغراد. ومنعت أبناء المسلمين من مغادرة أراضيها لنصرة ثورة الشام فحاصرتهم واعتقلتهم وأوجدت رأياً عاماً مضللاً حولهم. وعندما تابعت وسائل إعلامها عذابات أهل الشام أظهرتها على أنها معاناة فردية نتيجة صعوبة السفر في البحر أو في البر وأظهرتها منفصلة عن أصلها وعن المسبب الحقيقي لها، فعالجت المشكلة مفصولة عن مسببها الفعلي، فسلطت الضوء على أن سبب ذلك هو إقفال الحدود، فعالجتها بفتح الحدود وباستقبال اللاجئين وهكذا – بزعمها - حُلت المشكلة.
وعندما انتقدت غيرها لم تنتقدهم لأنهم لم يأخذوا على يد المجرم الذي تسبب بهذه المشكلة، وإنما انتقدتهم لأنهم لم يفتحوا الحدود أمام اللاجئين كما فعلت أوروبا. وهكذا تنادى أهل الإجرام والضلال جميعاً لهذا المسلك المشبوه، فنادى أعتى أعداء المسلمين توني أبوت رئيس وزراء أستراليا بفتح أستراليا لحدودها للاجئين السوريين مع أنه قبل أيام كان قد رفض رفضاً باتاً استقبال أحد منهم!
وعى أهل الشام أنه ما كان لنظام المجرم بشار البقاء في الحكم لولا حبال أمريكا وأعوانها في أوروبا وروسيا التي تسانده بشكل غير مسبوق تاريخياً. وتكشفت لهم خيانات حكام الأمة الإسلامية الذين خذلوهم وتقاعسوا عن نصرتهم ونصرة ثورتهم، بل منهم من وقف في وجههم وأذاقهم مرارة الحرمان والتشريد في مصر ولبنان والأردن والعراق ومنهم من طردهم ومنع عنهم أية مساعدة مثل الإمارات والسعودية وعمان ومنهم من هرطق بمساعدتهم حتى ضللهم ولما جاء دوره ذبحهم بسكين غليظة لا ترحم كأردوغان تركيا.
لقد أدهشت تظاهرات النمسا ثم ألمانيا وفرنسا التي تفجرت نتيجة ما وصل من صور تظهر المأساة التي يعيشها أهل الشام بهروبهم من حمم المجرم بشار، لقد أدهشت العالم وفاجأت السياسيين الأوروبيين فلم يكن لديهم خيار إلا بالإذعان للرأي العام المنتشر في بلادهم والمطالب بفتح الحدود واستقبال اللاجئين! وهذا ما حصل فعلاً!
ألسنا أحق بالفضل من غيرنا لأننا نحن المسلمين أهل الفضل وقادة الخير في العالم؟
أليس من واجب المسلمين قبل غيرهم أن يقفوا وقفة حق في وجه سياسات حكامهم لإجبارهم على التحرك لنصرة أهل الشام ولإيقاف أي تعاون أو محادثات أو دعم لفرعون سوريا حتى يسقط غير مأسوف عليه فتنتهي بذلك معاناة أمة وليس فقط شعب؟
إن استمرار صمت الأمة عن الصدع بالحق واستمرار سكوتها على المهازل التي يقوم بها حكامها وتخاذلهم عن نصرة المظلومين والمشردين من أبناء المسلمين لهو أزمة بحد ذاته تحتاج لعلاج لأنه تحول لمرض عضال اسمه "الخوف"! الخوف من الحكام ومن مخابراتهم وسجونهم. فلا مبرر للأمة بالسكوت خشية الضرر لأن الله تعالى أمر المسلم بالوقوف في وجه الظالم ووعد صاحب كلمة الحق بمنزلة سيد الشهداء في الآخرة إن نتج عن صدعه بكلمة الحق موته.
أليس الأجل والرزق بيد الله تعالى؟ فلم الخوف إن كان صاحب الأمر يمسك بالأمر؟ ولم الخلود للذل إن كان رب العباد أمر عباده بالتغيير واتخاذه مسألة مصيرية ووعدهم إن نصروه بالنصر المبين!!؟
قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾، والعبادة هنا هي طاعة الله تعالى والتزام أوامره والابتعاد عن نواهيه في كل جزئيات حياته، ومنها بل ومن أهمها الأخذ على يد الظالم، فإن كان الظالم هو الحاكم، فإن من يُقتل وهو يقوم بمحاسبة الحاكم الظالم فهو مع سيد الشهداء.
إننا في ثورة الأمة ثورة الشام المباركة نتطلع بترقب وتفاؤل لأمتنا الإسلامية وهي تتأهب للوقوف من كبوتها والخروج للشوارع لتنقلب على حكامها وتطالبهم بنصرة أهلهم في الشام وأن تكون هذه الحركة حركة ذاتية مخلصة كما فعل غير المسلمين في أوروبا فأجبروا ألمانيا وما حولها على تغيير سياسياتها بين عشية وضحاها.
رأيك في الموضوع