شهدت القاهرة في 21/8/2015م، فعاليات المؤتمر العالمي لدار الإفتاء المصرية بمشاركة وفود من كبار المفتين من 50 دولة، تحت عنوان "الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل"، تحت رعاية الرئيس المصري، في توقيت يتصاعد فيه الهجوم على كل ما هو إسلامي وتغلق فيه المساجد وتحاط بالكاميرات ويضيق على كل حامل دعوة، في محاولة جديدة حثيثة لفرض إطار معين لتلقي الأمة لدينها وفتاواها وربطها بعلماء يرضى عنهم الحكام العملاء وسادتهم في الغرب الكافر، ولفرض واقع كهنوتي على الإسلام وعلى الأمة بما لا يقبله الشرع بل نهى عنه وحذر منه.
من المعلوم أن الإسلام يؤخذ من مصادره وهي الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس، وهي التي بينت لنا حلال الله وحرامه إلى قيام الساعة والاجتهاد هو لفهم النص واستنباط الحكم الشرعي منه لكل واقع وواقعة، والاجتهاد ليس حكرا على أحد ولا موقوفا على شخوص بعينهم وإنما من توفرت فيه شروطه وحاز ملكاته فله أن يقوم به سواء أكان مجتهدا مطلقا أم مجتهد مسألة، ولا تقبل فتوى ولا يؤخذ علم من شخوص بعينهم كمن يرتبطون بالحكام العملاء ويأكلون خبزهم ويقرون حكمهم بما فيه من مخالفات شرعية صريحة وواضحة يراها الأعمى قبل المبصر، بينهم وبين حالهم رسول الله في غير موضع فقال e «سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولست منه، وليس بوارد عليّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني، وأنا منه، وهو وارد عليّ الحوض». أخرجه أحمد عن جابر بن عبد الله، ومن أعظم كذبا من حكام زماننا الذين باعوا الأمة لعدوها وارتضوا أن يكونوا له نواطير على رأسها، لينعم بإذلالها ونهب خيراتها وثرواتها ومقدراتها ثم يأتي أمثال هؤلاء العلماء مسوغين ومبررين لخيانته لله ولرسوله ومطالبين الأمة بالرضا عنه والسمع له والطاعة وإن جلد منها الظهر وأخذ منها المال رغم أنهم يعلمون يقينا أنه لا شرعية له ولا لحكمه ولا لدولته، ثم نرى بعضهم يتكلم بلسان حال الوطنية والقومية، ويكأنه وجد عليها دليلا في الكتاب والسنة ثم يدعي علينا بوجوب وحدة الوطن ولا ندري من أين أتى بهذا الوجوب ولا أين هو هذا الوطن، بينما يتقولون على من يسعون لوحدة الأمة بعمومها في كيان واحد ويعملون لاستئناف الحياة الإسلامية من خلال الخلافة على منهاج النبوة، يتقولون عليهم محاولين صرف الناس عنهم وكأني بهم كمثل من قالوا عن رسول الله e "مذمم" وأطلقوا على صحبه "صبأة"، فقالوا عن حملة الدعوة المخلصين متطرفين وإرهابيين، أوصاف لم يتجرأوا أن يطلقوها على من قتلوا مسلمي بورما والشيشان والعراق ويقتلون الآن إخواننا في شام العزة والكرامة، والمعلوم أن الإسلام ليس فيه كهنوت ولا رجال دين بل حذر الإسلام منهما وحاربهما أيما محاربة وأعطى الأهمية للمنهج دون الشخوص، فالمرء يخطىء ويصيب، ولله در علمائنا الكرام عندما قال قائلهم (كل يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا المقام مشيرا إلى قبر الحبيب e) ولله در علي بن أبي طالب ومقولته العظيمة (لا يُعرف الحق بالرجال، ولكن اعرف الحق تعرف أهله) ولعل هذا كله يعيدنا قسرا إلى قوله تعالى ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ﴾ فلم يقل الله عز وجل بهم ولم يربط الأمر بشخوصهم، وإنما قال بهداهم أي بما علموا وعُلموا وحملوا مخلصين من منهج الله الذي أوحى به إلى نبيه e.
أيها العلماء المؤتمرون في أرض الكنانة! إن العلماء هم أعرف الناس بحلال الله وحرامه أو هكذا ينبغي أن يكونوا، وهم المسئولون عن الأمة وعن دينها بما علموا وما أخذ الله عليهم من ميثاق (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) فلا تكونوا كبني إسرائيل الذين نبذوه وراء ظهورهم، وكونوا كسلفكم من أصحاب محمد eوقولوا سمعنا وأطعنا وقفوا لله وقفة العز بن عبد السلام سلطان العلماء الذي قاله له تلميذه يوما عندما دخل على السلطان أما خفته؟! فقال له لقد استحضرت عظمة الله فصار السلطان أمامي كالهر، وهذا السلطان لم يكن كحكام زماننا الخون، ألا فلتستحضروا عظمة الله عز وجل وسيصير هؤلاء الحكام في أعينكم كالجرذان بل أقل وأهون، ولا تكونوا عونا لهم وكونوا كما أراد الله لكم ليعلم الله منكم الصادق من الكاذب.
أيها العلماء الكرام! إنكم أبناء هذه الأمة فكونوا من جنسها ولا تكونوا أداة لتركيعها لعدوها، واحملوا مشروعها ليكون رأيا عاما فيها فتحمد الأمة لكم ذلك وتنالوا رضا ربكم، كونوا في صف الأمة مطالبين بخلع هؤلاء الحكام القتلة الملوثة أيديهم بدماء الأمة ولا تشاركوهم ولا تأكلوا خبزهم الملون بدماء الأمة الطاهرة النقية، وطالبوا مع الأمة بإقامتها خلافة على منهاج النبوة ترضي ربكم وتعيد عزكم ومجدكم. خاطبوا الأمة حكاما ومحكومين وأهل قوة ومنعة ونصرة لينصروا المخلصين العاملين لإقامة الخلافة الذين يملكون الجاهزية الكاملة لإقامتها دون غيرهم من أبناء الأمة، حرضوهم عسى أن تجدوا منهم أذنا صاغية وقلوبا واعية فتستجيب لنداء الله ورسوله فتفوزوا فوزا عظيما.
إنكم إن فعلتم ذلك رددتم على الغرب كيده وتدبيره وألحقتم به وبعملائه انكسارا جديدا يضاف لانكساراته ووضعتم عملاءه في مأزق جديد لن تقوم لهم بعده قائمة.
بقلم: حامد عبد الغفور
رأيك في الموضوع