مع أسعار النفط التي وصلت حاليا في انخفاضها عند33 دولارا للبرميل، وهو مستوى لم يسبق له مثيل منذ عام 2008، فإن كبار منتجي النفط في الشرق الأوسط قد تضرروا بشدة. حيث عانت السعودية في السنة الماضية من عجز في الميزانية بلغ 98 مليار دولار نتيجة لذلك،وهيحالة صادمة لأكبر منتج للنفط في العالم.ويسعى الاقتصاديون في شرح أسباب الانخفاض المفاجئ في أسعار النفط من أكثر من 100 دولار للبرميل إلى مستواه الحالي؛ فهل الاقتصاد العالمي حقا بهذا السوء حتى ينخفض الطلب كثيرا؟إن الجواب هو بالطبع خليط من انخفاض الطلب من خلال تباطؤ الاقتصاد العالمي بما في ذلك الصين، ولكن أيضا هناك زيادات كبيرة في الإنتاج من جانب العرض.وبدلا من تحقيق توازن انخفاض الطلب بخفض العرض، فإن المنتجين الرئيسيين رفعوا الإنتاج خلال 2014-2015، وقد شمل النمو الزيادة من قبل الولايات المتحدة بنسبة 31٪، والتي تضمنت تقديم احتياطيات النفط الصخري للسوق (حيث تضاعف إنتاجها النفطي إلى 10 مليون برميل يوميا فيالسنوات العشر الأخيرة).كما قادت السعودية زيادة الإنتاج في تلك الفترة بنسبة 14٪.
وقد تسببت القضية في الواقع في انقسام داخل أوبك الذي انقسم إلى معسكرين؛المعسكر السعودي-الخليجي الذي أبقى على مستويات إنتاج مرتفعة، والمعسكر الإيراني-الفنزويلي الذي يرغب في تخفيضات كبيرة للحفاظ على الهوامش.وقد كان الانقسام واضحا في مؤتمر فيينا في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، حين انسحب الممثل الفنزويلي محتجا، ومنوهاً إلى عدم رغبة السعودية ودول الخليج في خفض الإنتاج.مع قيادة الولايات المتحدة للسياسة الدولية، فقد شكك البعض في أهدافها، مع الأخذ بعين الاعتبار الصعوبات الواضحة للعديد من منتجي الزيت الصخري الأمريكي الذين لا يمكنهم الاستمرار في تحقيق الربح مع أسعار النفط أقل من 60 دولارا للبرميل.إن استراتيجية الولايات المتحدة في خفض أسعار النفط لديها عدة أهداف رئيسية.
- يُعتقد بأن السعر المنخفض سوف يحسن الاقتصاد الأمريكي الذي لا يزال يرزح تحت نسبة نمو 1-2٪ بعد الأزمة المالية (حيث يفترض أن يمنح انخفاض أسعار النفط المستهلكين المزيد من القوة الشرائية الإجمالية).
- مع تهديد العديد من القوى الكبرى بما في ذلك روسيا والصين باستخدام عملاتهم الخاصة في التجارة، والابتعاد عن العملة العالمية القائمة طوال الـ60 سنة الماضية (الدولار الأمريكي)، فإن رفع سعر الدولار يعتبر أمرا محوريا في الاحتفاظ بمركزها العالمي.
- للضغط على الاقتصاد الروسي كمنتج للموارد النفطية ومعتمِد عليها لإخضاع روسيا فيما يتعلق بسياستها في أوكرانيا.
- فرصة خفض أسعار النفط تعزز سيطرة أمريكا على الاحتياطيات العالمية، وتمكّنها من تخزين هائل للنفط (مرافق التخزين العالمية بلغت الحد الأقصى)، وربما الأهم من ذلك هو لزيادة الضغط على المنتجين في الشرق الأوسط لتحرير اقتصاداتهم بحسب التوجيهات الغربية.
والنقطة الأخيرة هذه هي التي تثير القلق لدى المسلمين في المنطقة. فالعجز الكبير في الميزانية تدفع الدول إلى حالة المديونية، وإجبارهم بفاعلية ليكونوا تحت ضغط الدائنين. ففي مقابلة له مع "الإيكونوميست" مؤخرا تباهى وزير الدفاع السعودي وولي ولي العهد محمد بن سلمان بـ"ثورة تاتشرية في المملكة العربية السعودية". مع عجز الميزانية المتزايد سوف نرى السياسات النموذجيةلخصخصة اقتصاديات العالم الثالث المفروضة على السعودية ودول الخليج الأخرى؛ وتتضمن خصخصة الأصول الرئيسية، وإصدار السندات بفائدة ربوية، وبيع الأصول المملوكة للدولة بما في ذلك الأراضي القريبة من مكة المكرمة والمدينة المنورة، وضرائب جديدة بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة والتي تصيب الفقراء أكثر من غيرهم، وكلها مخالفة للشرع وفيها ترسيخ أكبر للهيمنة الغربية. "الجوهرة في التاج" أكبر شركة نفط في العالم - أرامكو السعودية سوف تخضع أيضا لزحف الخصخصة مع الاكتتاب الجديد (الاكتتاب العام الأولي) والذي سوف يكون مفتوحا للمصالح الأجنبية للشراء وزيادة التحكم. وتحدث مسؤولون سعوديون أيضا عن خصخصة: الرعاية الصحية، وقطاع التعليم، والصناعات العسكرية، وغير ذلك من الشركات التي تملكها الدولة أو تسيطر عليها. وبالتالي فإن حرب أسعار النفط ستضر بمنتجي النفط على المدى القصير وسوف تؤدي إلى فقدان السيطرة على الأصول الرئيسية في المدى المتوسط والبعيد.
وفيما يتعلق بمكانة الولايات المتحدة في العالم وهيمنة الدولار في أوراسيا. فقد تم على مدى السنوات العشر الماضية تشكيل محور من قبل روسيا والصين، في محاولة للحد من نفوذ الولايات المتحدة. مبادرة طريق الحرير، والاتحاد الأوراسي، وخط أنابيب الصداقة، وإنشاء بنك التنمية الآسيوي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، كلها أمثلة على استراتيجيات تهدف إلى الحد من نفوذ الولايات المتحدة.
بقلم: جمال هاروود
رأيك في الموضوع