أوردت جريدة العربي الجديد اللندنية، في عددها الصادر بتاريخ 10/6/2015؛ تحت عنوان (تونس تعوم على النفط...)؛ قالت: كشف القيادي في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (المحامي سمير بن عمر)؛ "أن هناك تجاوزات موثقة في تقارير رسمية، - وهي موضوع ملفات تحقيق منشورة - لدى القطب القضائي، من سنوات ولم يتم التعاطي معها بالجدية والحزم... وأضاف بن عمر أن تقرير لجنة تقصي الحقائق؛ حول الفساد والرشوة تحدث عن مافيا الطاقة التي شارك (بن علي) في تغذيتها... ونشرت الصحيفة نفسها بتاريخ 8/6/2015 مقالاً بعنوان: (أزمة البترول ترحّل إلى البرلمان في تونس)؛ قالت فيه: "لاقت حملة (وينو البترول؟)؛ التي انطلقت من مواقع التواصل (الاجتماعي) رواجاً كبيراً، وتبنتها مؤسسات المجتمع المدني، وناصرتها أحزاب سياسية؛ بطريقة دبلوماسية ناعمة، كما نزل الآلاف الأسبوع الماضي تأييداً للدعوة، في شارع الحبيب بورقيبة، مطالبين بإزاحة النقاب عن ملفات الطاقة البترولية في تونس، والصفقات العمومية المبرمة في الموضوع...".
إنه ليس غريباً أن يكون الموضوع الاقتصادي، والفساد الذي ينخر في مؤسساته، هو أهم المواضيع في الحراك السياسي في تونس، وكيف لا، وقد كانت (شعلة الثورة الأولى)، قد بدأت في تونس، بسبب الظلم الاقتصادي، وبسبب الفقر والبطالة، وقلة الشغل؛ حيث بدأت في (سيدي بوزيد)، ثم امتدت إلى كل أرجاء تونس؛ كالنار في الهشيم اليابس، ولاقت قبولاً، وتجاوبا سريعا لدى كل قطاعات الناس، على اختلاف أحزابها السياسية... وقد اضطر رأس الفساد في السلطة (بن علي وحاشيته) إلى ترك الحكم، والفرار خارج البلاد من وجه الجماهير الغاضبة.
واليوم - وبعد مرور حوالي أربع سنوات، على شعلة الثورة في تونس، وبعد تعاقب ثلاث حكومات، وتجديد الانتخابات؛ في التأسيسي والتشريعي، وتغيير القوانين في التشريعي، ثم حصول انتخابات جديدة؛ جاءت (بالباجي السبسي) - هل بعد وبعد كل هذه السنوات، والأحداث من خلال الثورة، هل تغير الوضع الاقتصادي في تونس نحو الأفضل؟، وهل قُضيَ على الفساد الاقتصادي المستحكم، وخاصة ملفات الطاقة؟.
إن الملاحظ أن الأمور ازدادت سوءاً في تونس؛ في جميع المجالات الاقتصادية، وملفات الفساد، وفوق ذلك صار الحكام الجُدد يُرهنون البلاد والعباد للدول الاستعمارية؛ مقابل بقائهم في الحكم، وصاروا يتلقون بعض المساعدات، أو القروض، ويتعاونون مع هذه الدول تحت ذريعة (محاربة الإرهاب).
فبالنسبة للفقر والبطالة، وعدد العاطلين عن العمل، والعجز في الميزان التجاري؛ فقد ذكر موقع (الجزيرة نت) 16/3/2012: "إن العجز التجاري تطور سنة 2012 ليسجل 5.8%، مقارنة بـ 3.8% في سنة 2011، وإلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل الذي وصل إلى 800 ألف عاطل تقريبا، وذكر محافظ البنك المركزي أيضا (الشاذلي العياري) في 19/11/2014 خلال ورشة تفكير نظمتهما وزارة الاقتصاد والمالية تحت عنوان (استثمر في تونس، نحو جعل تونس قطبا ماليا): ".. أن الميزان التجاري يبقى نقطة الضعف الكبرى في الاقتصاد التونسي؛ إذ يسجل شهريا عجزا يقدر بمليار دينار!!..."
وبالنسبة إلى العقود السرية مع الشركات الغربية؛ فقد أكد (رضا مأمون) (الخبير في المجال الاقتصادي) عبر إحدى القنوات التونسية الخاصة قال: "أن جميع المسئولين في الدولة ليس بمقدورهم تقديم رقم حقيقي حول إنتاج تونس النفطي، وأن أرقام وزارة الصناعة لا تمت للواقع بصلة، ولا يمكن حصر هذا الإنتاج بسبب عمليات النهب والسرقة المنظمة، التي تقوم بها الشركات العالمية العاملة في القطاع النفطي..!!"
وبالنسبة لمحاربة الفساد المستحكم داخل تونس فقد كتب (محمد هنيد) 13/11/2014 في (صحيفة الوطن) "...إن القوى التي استلمت السلطة - إثر الثورة مباشرة - تنتمي كلها إلى الحرس القديم، وإلى رجال (بن علي)... بل إنّ من الذين تصدروا المشهد في اليوم التالي للثورة هو واحد من أشرس زبانية بن علي؛ ممن عذبوا آلاف التونسيين في أقبية وزارة الداخلية السيئة الذكر؛ حكومة (محمد الغنوشي) الأولى، ثم حكومة (الباجي قائد السبسي) كانتا أول من وضع الأسس المركزية للثورة المضادة؛ حيث تم إعدام آلاف الملفات والوثائق الحساسة، وعجنها في معامل الورق أمام أعين الكاميرا؛ حتى يتم تبييض شبكات الفساد التي نهبت الاقتصاد الوطني، ورهنت الثروات الوطنية للشركات الأجنبية إلى اليوم..!!.
إن الحل الصحيح لما تعانيه تونس من أزمات، وملفات فساد وضياع الثروات بكافة ألوانها، وما يعانيه الشعب؛ من بطالة وفقر، وهجرة إلى خارج البلاد، ليس عن طريق انتخابات، ولا حكومات جديدة بأثواب كاذبة جديدة، مع بقاء جوهر الفساد على حاله، ولا عن طريق مجلس وطني تأسيسي، ولا مجلس تشريعي... إن الحل يكمن في إزالة ثوب الفساد النتن، الذي خرجت رائحته، وأزكمت أنوف الجميع في تونس، وإلباس تونس الخضراء حلة طاهرة زاهية جميلة.. بمعنى آخر الحل هو بإزالة الوسط السياسي العفن الذي ينخر كل المؤسسات في تونس؛ الاقتصادية والسياسية، والأمنية، والحكم، وجلب وسط سياسي طاهر نقي نظيف يخاف الله عز وجل ويحمل هموم شعب تونس العظيم، ويسعى إلى إعادة تونس إلى سابق عزها، وتاريخها الوضاء، لتكون كما كانت (قاعدة انطلاق الفتح نحو أوروبا)!!.
وإنه - والحمد لله - قد بدأت بالفعل الفئات المثقفة الواعية في تونس، تتلمس شعاع النور الذي يقودها للخروج من هذه الأزمات، ومن هذا النفق المظلم إلى بر الأمان، وبدأت تستجيب لهذه الدعوة الواعية، والتي يقودها شباب حزب التحرير في كافة مناطق تونس الخضراء.. نسأله تعالى أن تكون هذه بشارة خير إلى ميلادٍ مخلص طيب من أرض طاهرة طيبة..
رأيك في الموضوع