تجري في الفترة من الثالث عشر إلى الخامس عشر من شهر نيسان/أبريل 2015م انتخابات لاختيار رئيس لجمهورية السودان، وأعضاء البرلمان، وأعضاء المجالس التشريعية الولائية؛ وهي انتخابات محسومة سلفاً نتائجها لمصلحة الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني)، لأسباب عديدة منها:
أولاً: المؤتمر الوطني، الحزب الحاكم، هو المسيطر على مقاليد الحكم والسلطة منذ أكثر من ربع قرن من الزمان، لذلك فهو يملك المال الذي يشتري به من عندهم قابلية للشراء من الأحزاب أو القيادات، سواء الحزبية أو القبلية، أو الزعامات الدينية أو غيرها.
ثانياً: حشد النظام إلى جانبه مجموعة من الأحزاب الموالية، التي تشظت من الأحزاب التقليدية (حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي)، إضافة إلى الحركات المتمردة التي وقعت على اتفاقيات سلام (قسمة سلطة وثروة)، والتي تحوّلت إلى أحزاب سياسية، فتجاوز عدد هذه الأحزاب الثلاثين حزباً، حتى تبدو الانتخابات وكأنها انتخابات حقيقية يتنافس فيها مجموعة من الأحزاب.
ثالثاً: زهد الناس عن المشاركة في هذه الانتخابات لمعرفتهم بنتيجتها، أو لعدم مبالاة لما يجري أصلاً في الساحة السياسية، حيث إن الغالبية العظمى من الناس مشغولون باللهث وراء لقمة العيش؛ التي أصبحت بعيدة المنال في هذا البلد المليء بالخيرات المرزوءة بساسة لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة.
رابعاً: ما تُسمى بأحزاب المعارضة؛ والتي أعلنت مقاطعتها للانتخابات هي أحزاب ضعيفة متشاكسة، وليس لها فاعلية في أوساط الناس، إضافة إلى أنها أحزاب جربها الناس في هذا البلد المنكوب عديد المرات، ولم تنهض بهم، ثم إنهم من جنس النظام، لا فرق بينهم وبين من هم في الحكم، يفتقرون جميعاً إلى الفكرة السياسية الواضحة التي يساس بها الناس، فالجميع يسير على ذات النظام الديمقراطي في الحكم، والرأسمالي في الاقتصاد، والتبعية في السياسة الخارجية للغرب الكافر ومؤسساته.
لكل هذه الأسباب وغيرها، نستطيع القول بأن هذه الانتخابات لن تأتي بجديد، فهي مسرحية هزيلة سيئة الإخراج والإعداد.
وهنا يرد سؤال مهم، إذا كانت الحكومة تعلم أن نتيجة الانتخابات محسومة لمصلحتها طبعاً، فلماذا تصر على إجرائها، وتبذل فيها المال والوقت والجهد وتهدد من يقاطعها ويسعى في إفشالها؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول، إن النظام حسب الدستور الموجود ستنتهي ولايته في نيسان/أبريل 2015م، فلا بد إذن من إقامة انتخابات يأخذون بها شرعية دولية وإقليمية لمدة خمس سنوات أخرى قادمة. ثم ينطلقون بعدها لمساومة الأحزاب المقاطعة أو المعارضة من منطلق قوة سياسية باعتبارهم جاءوا عبر انتخابات ديمقراطية، فيفاوضون من منطلق قوة شرعية مزعومة، ولا يتنازلون إلا بمقدار ما يجعل لهم السيطرة والهيمنة على مقاليد الأمور في البلاد.
أما المحصلة النهائية لهذه الانتخابات ومآلاتها، فهي تركيز للنفوذ الأمريكي في البلاد، وإبعاد رجال بريطانيا عن صناعة القرار في السودان، إلا أولئك الذين ارتضت لهم بريطانيا مشاركة النظام في جزء من (كيكة) السلطة ليكون لهم موطئ قدم في السودان، فلا تخرج منه نهائياً تاركة أمور السودان بيد أمريكا وحدها، والنتيجة هي تنفيذ ما تريده أمريكا من هذا البلد المسمى السودان، وهي تفتيته وتمزيقه عبر اتفاقيات وتسويات، تماماً كما فعلت بجنوب السودان باتفاقية نيفاشا، وهيأت المسرح لانفصال دارفور باتفاقية الدوحة، وما يزال الحبل على الغارب.
فكان لا بد للمخلصين من أهل السودان أن يعوا على المخططات الأمريكية الرامية إلى تفتيت ما تبقى من السودان، وفضح عملائه من الحكام والسياسيين، والعمل مع المخلصين من أبناء هذه الأمة للحيلولة دون تمزيق هذا البلد، وذلك بإيجاد فكرة سياسية تقوم على مبدأ الأمة؛ مبدأ الإسلام العظيم، فتوجد الخير والعدل للناس، وتقطع دابر الكافر المستعمر، العابث بمقدرات البلاد وثرواتها.
رأيك في الموضوع