هي المرة الأولى التي تصبح حصة مصر من المياه، والبالغة 55 مليار متر مكعب مهددة، في الوقت الذي تعاني فيه البلادبالفعل من نقص حاد في المياه. كانت إثيوبيا قد أعلنت أنها ستشرع في بناء سد بارتفاع 92 متراً ويخزن خلفه 14 مليار متر مكعب من المياه، لكن فجأة وبدون مقدمات تغير كل شيء واتضح أن ارتفاع السد أكثر من ارتفاعه المعلن حتى الآن 145 مترًا، ويحتجز خلفه في معين بحيرته 74 مليار متر مكعب من المياه، زد على ذلك بأنه سيتم بناء سد احتياطي بارتفاع 46 متراً، كل هذه الإجراءات ستؤدي إلى كارثة محققة؛ وهي أنه أثناء ملء بحيرة السد ستنقص حصة المياه القادمة من النيل الأزرق بمعدل 70%، مما سيؤدي إلى استنزاف أهل مصر، خلال السنوات الأربع المقررة لملء البحيرة، كل المياه الموجودة في بحيرة ناصر.
في 6 آذار/مارس الجاري اتفقت مصر والسودان وإثيوبيا على مبادئ أساسية حاكمة بشأن التعاون المائي، في أعقاب قرار اتخذته القاهرة في 21 شباط/فبراير الماضي بالعودة إلى "مبادرة حوض النيل"، التي قاطعتها مصر على مدى خمس سنوات.
وهذا الاتفاق يجعل سد النهضة أمراً واقعاً، ويطلق يد إثيوبيا في استكماله، وفي الوقت ذاته، تضع هي قواعد للحوار والتوافق حول القضايا محل الخلاف بين الدول الثلاث. كما لم تخلُ الاتفاقية من نقاط غامضة. فمثلاً أصرت إثيوبيا على ألا يكون تقرير المكتب الاستشاري حول مشروع السد ونتائجه ملزماً، واكتفت بأن «يُحترم». كذلك لم تنص الاتفاقية صراحة على حصص المياه للدول، واكتفت بألا تضار أي دولة.ولقد تمت الإشارة إلى أن الغرض من سد النهضة هو توليد الطاقة، والمساهمة في التنمية الاقتصادية، وهذا التعبير الأخير ينفتح على معانٍ متعددة قد تتم مفاجأتنا بها في المستقبل، فهو يعني أن السد لا يقتصر فقط على توليد الكهرباء، كما كانت إثيوبيا تزعم من قبل.وبرغم إدراك النظام ذلك، إلا أنه لم يكن على مستوى هذا الإدراك عندما قبل بهكذا اتفاقية.
اعتبر رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي مصطفى خضري أن ما جرى مناورة إثيوبية لحين اكتمال المشروع وفرض الأمر الواقع على الجميع. ولنا أن نتساءل حول الإصرار المعيب على إبقاء نص الاتفاق سرًا بعد أن تم التوصل إليه عبر الاجتماع المشترك لوزراء الخارجية والري في الدول الثلاث. نعم لقد استغلت إثيوبيا حاجة النظام الحالي لرفع تعليق عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي لتحقيق المزيد من أهدافها، والذي يبدو للمراقب أن النظام لا يعنيه "الأمن القومي" من قريب أو بعيد، وهدفه الرئيس تكريس سلطته والمتاجرة بقضايا الأمة الكبرى، ومنها قضية المياه، ومثل ذلك يُقال بشأن حاكم السودان، وفي النهاية فإن أهل مصر والسودان هم الخاسر الأكبر.
كيف يتم توقيع اتفاقية بهذه الخطورة دون مناقشة أو محاسبة؟! فهذا التوقيع يجعل من سد النهضة الإثيوبي سدا رسميا وشرعيا وقانونيا، تم بالتوافق والتراضي بين دول النيل الشرقي الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، وفي المقابل لا ضمان لحصة مصر من مياه النهر؛ مما يمكن إثيوبيا من الاستحواذ على كامل مياه النهر، ويرفع الحظر المالي الدولي على تمويل السد، والبالغ 5.5 مليار دولار من بنك الصين الوطني، ومليار دولار من إيطاليا ومثلها من كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى موافقة البنك الدولي على طرح السندات الإثيوبية للتمويل بضمان السد. وهكذا هي طبيعة الخونة من الحكام الذين لا يعبأون بشيء سوى ما يبقيهم على كراسيهم.
إن توقيع السيسي والبشير على الاتفاقية الإطارية أو ما عرف باتفاقية المبادئ في الخرطوم الاثنين 23آذار/ مارس قبل أن يعرف أهل مصر والسودان ما هي الحلول المطروحة لحل الأزمة هي جريمة لا تغتفر في حق أهل مصر والسودان وتفريط في حقوقهم المائية وتآمر جديد لنهب ثروات الأمة، خاصة أن الاتفاقية أهملت تماما التحدث عن سعة السد، واكتفت بما طلبته إثيوبيا في استجابة واستكانة لا تصدق، كما لم تتطرق نهائيًا لحقوق مصر والسودان، والاتفاقات التاريخية، وأولها اتفاقية 1902 مع إثيوبيا، التي تعهدت فيها بعدم بناء سدود على النيل الأزرق أو نهر السوباط دون موافقة مصر والسودان.
إن دولة الخلافة على منهاج النبوة هي وحدها من ستقطع الأيدي الخبيثة التي تعبث في منابع النيل للإضرار بنا، وتضعها في أيدٍ أمينة، تنظم مجرى المياه لما فيه الخير لجميع البلدان من المنبع إلى المصب، فيشرب ويزرع جميع الرعية، بغض النظر عن ملتهم وديانتهم، ويغدق هذا النهر العظيم بخيره على الجميع، فهو يحمل من المياه ما يكفي لتصبح جميع بلاده جنات خضراء إذا ما استغلت مياهه بشكل صحيح، فيعم الخير الجميع، هذا هو خير الإسلام! وهذا هو خير الخلافة على منهاج النبوة، وما أروع الحل الإسلامي لهذه المشكلة: حيث روى مسلم أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير رضي الله عنه عند رسول الله r على مسيل ماء كانوا يسقون به النخل، وكانت أرض الأنصاري بعد أرض الزبير يصل إليها الماء تبعاً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لِلزُّبَيْرِ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ»، أي اسق يا زبير سقياً يسيراً يكفي زرعك ثم أرسل الماء إلى جارك، وهذا ما نقوله لإثيوبيا: اسقِ سقياً يسيراً يكفي زرعك، ثم أرسلي الماء إلى جيرانك ولا تمسكيه، فيعم الخير الجميع، هذا هو خير الإسلام! وهذا هو خير الخلافة الراشدة على منهاج النبوة!
رأيك في الموضوع