روى البخاري ومسلم من حديث طارق بن شهاب، عن عُمر بن الخطَّاب رضي الله عنْه أنَّ رجلاً من اليهود قال له: يا أميرَ المؤمنين، آيةٌ في كتابِكم تقرؤونَها، لو علينا - معشرَ اليهود - نزلت لاتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أيّ آية؟ قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾، قال عمر: "قد عرفْنا ذلك اليوم، والمكان الَّذي نزلت فيه على النَّبيّr وهو قائمٌ بعرفة يوم جمعة"... هذا كلام الله في يوم الله، كلام قطعيُّ الثبوت وقطعي الدلالة فلا يختلف عليه اثنان، يتلوه رسول الله r في يوم عظيم من أيام الله، ثم يأتي في هذا الزمان الرديئةِ أحواله، ليطالعنا السيسي وفي جمع من علماء الأزهر، الذي كانت الهيبةُ والوقارُ تُغلِّف رِجاله، فيخشاهم الحاكم قبل المحكوم، لأنهم كانوا يقومون بحق مقام وراثة الأنبياء، يحرسون الدين والعقيدة والخطاب الإلهي من أيدى العابثين أن يفتري على دين الله وعلى سنة رسوله r وعلى من حملوا لنا هذا الدين بأوثق وأدق الصور، أقول يطالعنا السيسي وفي حشد من علماء الأزهر يحدثنا في أمر الدين والدنيا، يوجهنا ويعظنا، كيف يكون الخطاب الديني، ويطالبنا بتجديده ليصبح ملائماً لأسياده.
والله إنها لجريمة أن نسكت على ذلك، فربنا ذو الجلال والإكرام يشهد ويقرر أنه في ذلك اليوم الحرام وفي ذلك المكان الحرام قد أكمل لنا هذا الدين وأتم علينا نعمة الإسلام ورضي لنا الإسلام ديناً، وهنا في أرض الكنانة وفي عقر دار الأزهر، يخرج علينا السيسي ليقرر أن الدين يشوبه خلل في خطابه، ويطلب من علماء الأزهر ويحثهم على أن يعملوا على تغيير الخطاب الديني، بل يتبجح بالقول أنهم إن لم يفعلوا ذلك سيحاججهم أمام الله يوم القيامة، كما يقول أن هناك "نصوص وأفكار تم تقديسها على مئات السنين وأصبح الخروج عليها صعباً جدا لدرجة أنها تعادي الدنيا كلها، أيعقل أن يقوم المسلمون بإفناء سكان الأرض جميعا ليعيشوا هم؟!"، قال هذا وأكثر وأسهب فيه صراحة، وعلماءُ الأزهر حاضرون وكلهم آذان صاغية، فلا ينتفض منهم أحد غضبا لدين الله ولا يتمعر وجه أحدهم ولو للحظة واحدة، بل أكثر من ذلك تراهم يصفقون له بحرارة كأنهم يلعبون. فهل الأمة هي من تريد قتل الدنيا كلها أم إنها هي من تتعرض للقتل وحملات الإبادة والتشويه على يد تحالف صليبي جعل من التنكيل بالأمة الإسلامية هدفا له ومن القضاء على الإسلام حلماً ومبتغى؟! وهل الأمة الإسلامية هي من تسببت في قتل ملايين البشر في حربين عالميتين أتتا على الأخضر واليابس، أم هي الرأسمالية الجشعة ودولها التي لم يشبع حقدها من دماء المسلمين؟!
نعرف أن شوارع الكنانة لم تهدأ ولم تسترح، ودماء أهلها لم تجف، منذ ثورة 25 يناير التي رفعت الأمة فيها الصوت عاليا لتطالب بإسقاط النظام، فبدأت الإعلانات تصدر تباعاً عن حوادث إرهابية هنا وهناك، مرة يفعلها الطرف الثالث، واليوم تُلصق بالجماعة المحظورة، ليختفي الطرف الثالث، وفجأة وبعد الإطاحة برأس النظام "مبارك" بدأت حملات إعلامية شرسة على التيار الإسلامي وشيطنته، بل استمر واشتد شراسة بعد وصول الإخوان إلى الحكم، إلى أن تم حل مجلس الشعب أولا والإطاحة بنظام الإخوان ثانيا على يد عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع في نظام مرسي، والذي طلب صراحة من الشعب أن ينزل إلى ميدان التحرير ليعطيه تفويضا لمواجهة الإرهاب المحتمل.
وفجأة اشتعلت سيناء بالإرهاب المحتمل، وأصبحت الحدود المصرية الليبية غير آمنة، ثم يظهر وبشكل لافت أن النظام يحارب إرهاباً من نوع آخر هذه المرة، ففي أحدث قراءة لهذا النظام المجرم رأينا أن الإرهاب المحتمل يكمن في نصوص الدين وخطابه، فيقوم بالإيعاز لزبانيةٍ من نوع خاص من زبانيته، أصحاب عمائم ولحى ورجال العلمانية في مصر يحضهم على إشاعة الريبة في نفوس المسلمين من خلال برامج تلفزيونية تهدف إلى زعزعة ثقة المسلمين بإسلامهم وعقيدتهم، فَيَهِلُّ علينا هلالُ "سعد الهلالي" الذي جعل من عبد الفتاح السيسي ومحمد إبراهيم رسولين من رسل الله، ويسطع في سماء الكنانة نجم "إسلام البحيري" الذي لم يترك شيئا إلا وتعرض له بالتشكيك، وغيرهم كثيرون من أصحاب أبواق إعلامية صاروا يتفننون بالتشكيك في كل ما هو إسلامي، ثم يأتون على كتب إسلامية في المدارس فيحرقونها.
إن أهل الكنانة يعرفون ماذا تريدون من كل ذلك أيها المأجورون، تريدون مصر بلا إسلام، تريدون أن تحاربوا الإرهاب الذي شخصته لكم أمريكا تحديداً في الإسلام، ولكن الأمل معقودٌ وبشكل كبير على أهل مصر الذين سيبطلون مفعول كل هذه المزاعم بوعيهم ونضجهم، رغم كثرة الأبواق التي تشوش، أما القاهرة فستلقنكم درساً لن تنسوه وموعدها معكم يوم مليونيتكم لخلع الحجاب، لتروْا كيف ستدوس نعال حرائرها على أفكاركم، فأين أنتم يا أحباب رسول الله r؟! أين أنتم يا صناديد الإسلام؟! أما آن لراية الإسلام أن ترفرف في سماء القاهرة، أما آن لكم أن تنتفضوا لله وبالله فما لنا إلا الله، هبوا أيها الرجال لنصرة دينكم وأمتكم، فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يكيد العدا.
رأيك في الموضوع