ذكرت صحيفة (العرب اللندنية) في عددها الصادر بتاريخ 29 نيسان 2015 أن مستشار الأمين العام لاتحاد المصارف العربية (زكريا محمود)؛ صرح في مؤتمر التمويل من أجل التنمية الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة: "أن اتحاد المصارف العربية يدرس تدشين (مشروع مارشال) جديد لتمويل إعادة إعمار أربع دول عربية هي: (سوريا والعراق واليمن وليبيا).. وقال: "إن أهداف المشروع تماثل أهداف مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.. وأن هذا المشروع ينتظر استقرار الأوضاع في تلك البلاد، حتى يتم ضخ الاستثمارات لإعادة الإعمار بشكل عاجل.. وأن هذه الدول الأربع بحاجة ماسة إلى تمويلات بقيمة تصل إلى نحو 3 تريليون دولار أمريكي لإعادة إعمارها ولإعادتها إلى ما كانت عليه قبل تلك الأزمات..."
إن الحقيقة المرة التي يجب أن تذكر، ونحن نستعرض مثل هذه التصريحات، للقائمين على اتحاد المصارف العربية أو غيرها؛ من مؤسسات مالية في بلاد المسلمين؛ هي: أن الاستعمار الغربي قد صار - من خلال استراتيجيته الاستعمارية الجديدة - ينفذ سياساته وبرامجه الاستعمارية في بلاد المسلمين، بدماء أبناء المسلمين وبأموال المسلمين، وهو يراقب الأمور عن كثب من خلال سفاراته أو قواعده العسكرية في بلاد المسلمين، أو من خلال القائمين بأمره في بلاد المسلمين من الحكام!!
فالناظر في أحداث ليبيا أو سوريا أو اليمن؛ التي تعصف بهذه البلاد، وتحصد أرواح الأبرياء من أهلها يرى أن أدوات الحرب هم أبناء المسلمين، تماماً كمثل النار التي تحمي الحديد ليسهل تشكيله بعد ذلك، حسبما تريد شكل الصنعة الجديدة دوائر المخابرات والسي آي إيه الأمريكية.. ووقود هذه الحرب أو هذه النار - كما هو مشاهد في أرض الواقع - هم أبناء المسلمين المضللون، ممن يزج بهم في أوار هذه النار ولهيبها..
فبعد الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في بلاد المسلمين - بعد حربي العراق وأفغانستان سنة 2003 - التي يسميها خبراء السياسة (الحرب الأمريكية بالوكالة)، أصبحت أمريكا تُنضج كل سياساتها الماكرة الخبيثة في بلاد المسلمين على نار وقودها أبناء المسلمين، وطاقاتهم ومقدراتهم وأموالهم.. ذكرت (صحيفة الإندبندنت البريطانية) بتاريخ 6/1/2012: "إن خطة الدفاع الاستراتيجية التي أعلن عنها (باراك أوباما) أمس، الخميس 5/1/2012، تمثل اعترافًا بأن أمريكا لن تمتلك بعد الآن الموارد لخوض حربين كبيرتين، مثلما فعلت في العقد الماضي عندما شنت حربين مكلفتين على العراق وأفغانستان.. وأشارت الصحيفة إلى أن أوباما أعلن في خطابه عن مجموعة من الأولويات الجديدة المتواضعة لخطة الدفاع الأمريكية خلال العقد القادم.."، وقال كذلك - أي أوباما - أثناء كلمة في (قاعدة ماكديل الجوية في تامبا بولاية فلوريدا) بتاريخ 17/9/2014 "..أن الضربات الجوية ستكون المساهمة الأمريكية الرئيسية في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إلى جانب تشكيل تحالف قال إنه يضم الآن أكثر من 40 دولة..".
والأنكى من ذلك أن موضوع ترتيب النفقات العسكرية، خلال الحرب وبعدها تُحمَّل على كاهل الأمة الإسلامية وثرواتها وأموالها.. فتكلفة عاصفة الحزم حسبما ذكر بعض الخبراء خلال الأسابيع الأولى تجاوزت 20 مليار دولار أمريكي.. فقد صرح حمدي عبد العظيم، الخبير الاقتصادي والرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، لـ"مصر العربية" في 11 نيسان 2014، قال: "أنه في حال مشاركة مصر بقوات برية، فستتولى السعودية مسئولية الإنفاق على الجيوش البرية وصرف تعويضات للجنود، لافتا إلى أن تكلفة الحرب بلغت أكثر من 20 مليار دولار منذ اندلاعها وحتى الآن، تكبدتها بالكامل المملكة السعودية. وأوضح الخبير الاقتصادي أن السعودية تسدد مصروفات مصر في "عاصفة الحزم"، عبر إرسال تحويلات مالية بكل التكاليف إلى وزارة المالية المصرية، مشيرا إلى أن مصر ليست قادرة على تحمل نفقات الحرب، ولكن المملكة لديها احتياطي نقدي ومعدات وأسلحة تكفيها لتحمل تلك الأعباء"!!
والهدف من هذه الحرب هو تليين الساحة اليمنية لتصبح لينة بالقدر الكافي على نار الحرب الشريرة التي تحصد أرواح المسلمين ودماءهم، وذلك من أجل رسم واقع اليمن السياسي حسبما ترضاه أمريكا وبعض دول أوروبا..
وما يجري في ليبيا من تطاحن هو صورة طبق الأصل تقريباً عن الصورة اليمنية، ولكن بأيدٍ مغايرة وأدوات أخرى، كل ذلك من أجل رسم صورة جديدة للساحة الليبية بعد أن تحرق ليبيا ويصبح أهلها قبائل وطوائف كل منهم ينحر الآخر..
أما ما يجري في سوريا الشام فإن أمريكا تلقي بكل ثقلها كي تجري الحل السياسي حسب مصالحها، دون أن تخرج سوريا عن قبضتها السياسية.. وفي الوقت نفسه تحاول بكل جهودها، وجهود عملائها الإقليميين كإيران وتركيا والسعودية أن لا تنجح أي محاولة للتحرر والانعتاق خلاف هذه النظرة..
والسؤال الذي يرد في هذا المقام هو: لماذا لا يتحرك هذا المال العربي في مشاريع ونفقات تعود بالنفع على الفقراء في هذه الدول؟!، ولماذا يتحرك هذا المال في اتجاهات معينة وفي أوقات مخصوصة؟!..
إن هذه الأموال هي رهن مشاريع الكفار وسياساتهم، ورهن إشارتهم في الزمان والمكان – تماما كما هي جيوش المسلمين والتحالفات الجديدة، والقوى الإقليمية مثل القوة العربية المشتركة الجديدة؛ التي قررها رؤساء أركان الجيوش العربية في جامعة الدول العربية وذلك في مؤتمر القاهرة 22/4/2015 -، وليست هذه الأموال لخدمة مصالح المسلمين، ولا لإنقاذ الجياع والمشردين منهم عبر البحار نحو أوروبا، يموت قسم كبير منهم غرقاً في هذه البحار!!..
إنها ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي تتحرك فيها (حكومات العالم الإسلامي) وخاصة العربي لمشاريع الإعمار بعد الحروب من أجل ترتيب أشكال الحل السياسي.. فبعد حرب لبنان سنة 1975-1990 كان هناك ما يسمى بمشروع إعمار لبنان.. وبعد حرب غزة سنة 2014 انعقد في القاهرة مؤتمر إعمار غزة... والقمة العربية في الدوحة 26/3/2013 لإعادة إعمار سوريا وغير ذلك من قمم واجتماعات في تركيا والدار البيضاء والكويت وغيرها منذ سنة 2012 حتى هذا التاريخ... وهذا المشروع أيضاً يضاف إلى تلك المشاريع التي لا تبرز إلا بعد النكبات وأثناءها!!..
إن أموال المسلمين هي ملك للمسلمين وليست رهينة لدول الكفر، والأصل في هذه الأموال أن تنفق على مصالح المسلمين الحقيقية، والقضاء على الفقر في بلاد المسلمين الذي يعاني منه أغلب سكان العالم الإسلامي - حتى النفطية منها -، والذي يجبر مئات الآلاف للهجرة الخطرة إلى أوروبا، وهذا الأمر لا يتحقق إلا في ظل نظام عادل يطبق الإسلام، ولا يتحقق في ظل هذه الأنظمة المرتهنة لسياسات الغرب، ولا تعصي لهم أمراً ولا نهيا ويفعلون ما يؤمرون، ويسخرون البلاد والعباد في خدمة سياساتهم الاستعمارية الإجرامية؛ كمشروع تقسيم اليمن بعد تدميره وإثارة العداوة والبغضاء والاقتتال بين أبنائه، ومشروع تدمير سوريا الشام لإعادة صياغته كما تريد أمريكا، وتقسيم العراق بعد حرقه وقتل الكثير من أبنائه ظلما وزورا، وتدمير ليبيا... وغير ذلك من مآسٍ يجلبها الغرب المجرم الكافر على أمة الإسلام، فنسأله تعالى أن يكرمنا عما قريب بحكم الإسلام، في ظل دولة الإسلام، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وأن يرتفع سيف القتل والخراب والدمار عن أمة الإسلام.
بقلم: حمد طبيب – بيت المقدس
رأيك في الموضوع