رفض البرلمان الليبي في طبرق يوم 25/1/2016 منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج التي أعلن تشكيلها بموجب الاتفاق النهائي. 89 نائبا من 104 حضروا الجلسة في طبرق صوتوا ضد منح الثقة للحكومة من أصل 200 وهو العدد الكامل للبرلمان. وتحتاج إلى أصوات ثلثي البرلمان أي 119 نائبا حتى تنال الثقة. وكانت الحجة لرفض ذلك كما قال النائب عبد النبي "رفضنا حكومة السراج لأنها تضم 32 وزارة ونطالب السراج بحكومة مصغرة لا تضم هذا العدد الهائل من الوزارات". أي أن البرلمان الذي يسيطر عليه عميل أمريكا حفتر يبحث عن أية حجة لعرقلة تنفيذ الاتفاق وتشكيل الحكومة حتى يكون النصيب الأوفر لأمريكا في العملية السياسية.
وهذا يدل على مدى الانقسامات في البرلمان بسبب اختلاف المواقف تبعا لاختلاف الولاءات للدول الكبرى، حيث إن لبريطانيا أتباعاً فيه، كما هي تسيطر على المؤتمر العام في طرابلس. فالوسط السياسي بشكل عام في عموم ليبيا تسيطر عليه بريطانيا.
وكذلك الجيش وإن كان حفتر أصبح قائده إلا أنه يبقى للإنجليز وجود فيه، وسيظهر مع الأيام. وحادثة محمد حجازي الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي وباسم حفتر الذي شن هجوما حادا يوم 21/1/2016 على حفتر متهما إياه ومن معه بالفساد والتجاوزات المالية والأخلاقية وانتهاك الأعراض والقتل وسرقة الأموال العامة، وذلك للنيل منه وإسقاطه. واغتنمها رئيس البرلمان عقيلة صالح فرصة ضد حفتر وطلب فتح تحقيق في الأمر على كافة المستويات.
معنى ذلك أن الأمور ليست مستقرة لأمريكا حتى في الجيش، وعميلها حفتر وهو قائد الجيش يظهر أنه لا يملك السيطرة الكاملة عليه، وليس كل الضباط تابعين له في الحقيقة، وإن اندسوا عليه، ويطالب بتسليح الجيش وجعله القوة الرئيسة في البلاد، ومصر تدعمه في ذلك، حيث قام بزيارتها يوم 28/1/2016 لتأمين الدعم السياسي والعسكري له. فوصل إلى هناك عقب مغادرة رئيس الحكومة الليبية السراج للقاهرة بعد زيارة دامت 6 أيام اجتمع فيها مع السيسي، وحاول السراج مراضاة عملاء أمريكا، فأعلن في ختام زيارته استعداده لاختصار عدد الوزراء.
وأمام هذا الوضع الحرج بالنسبة لأمريكا، أعلن البيت الأبيض يوم 28/1/2016 أن الرئيس أوباما ترأس اجتماعا لمجلس الأمن القومي "خصص لبحث الوضع في ليبيا. وشدد على أن الولايات المتحدة ستواصل مهاجمة تنظيم الدولة الإسلامية في أي بلد وجد فيه وصولا إلى ليبيا إذا لزم الأمر، وأصدر توجيهاته لمستشاريه في مجال الأمن القومي للتصدي لمحاولات التنظيم التوسع في ليبيا ودول أخرى. وطلب من فريقه للأمن القومي مواصلة جهوده الرامية لتعزيز الحكم الرشيد ودعم جهود مكافحة الإرهاب في ليبيا وفي الدول الأخرى.. حيث يسعى تنظيم الدولة الإسلامية إلى إرساء وجوده". هذا الإعلان يدل على مدى خطورة الوضع بالنسبة لأمريكا في ليبيا، وهذا ليس سببه تهديدات تنظيم الدولة كما يجري إبرازه، وإنما يتخذ ذريعة للتدخل في ليبيا، لأن هذا التنظيم ليس له شأن كبير على الأرض هناك ليجري تضخيمه، بل هناك دول كبرى تحول دون بسط أمريكا نفوذها في ليبيا، ولهذا نرى أمريكا تتصرف وهي غير مهتمة بالاتفاق النهائي الذي وقع في الصخيرات بالمغرب يوم 17/12/2015 ولا تركز على تنفيذه، وجل حديثها حول التدخل العسكري في ليبيا، ولو كان هذا الاتفاق في صالحها لحرصت على تطبيقه بكل ما أوتيت من قوة. ولهذا نرى أنها تحرص على الحل السياسي في سوريا لأن ذلك في صالحها وتضغط على المعارضة هناك حتى تقبل بتوقيع اتفاق سياسي.
لقد شرح وزير دفاع أمريكا كارتر موقف بلاده، فقال عقب الاجتماع: "نحن نراقب الوضع (في ليبيا) بعناية فائقة، وهناك أمور كثيرة تجري الآن بهذا الشأن، ولكننا لم نتخذ أي قرار للقيام بعمل عسكري هناك. نحن نتطلع إلى مساعدتهم (الليبيين) للسيطرة على بلادهم، وبطبيعة الحال فإن الولايات المتحدة ستدعم الحكومة الليبية عندما تشكل.. لا نريد الانزلاق إلى وضع شبيه بسوريا والعراق ولهذا السبب نحن نراقب الوضع عن كثب". وأشاد برغبة إيطاليا في قيادة الجهود الدولية الرامية لمساعدة الليبيين، مؤكدا استعداد واشنطن لمؤازرة روما في هذا المسعى. وهذا يعني أن أمريكا ترى أن الواقع في ليبيا مختلف عما في سوريا والعراق، حيث إن الصراع في ليبيا هو على الأخص مع أوروبا التي لها نفوذ قوي هناك بسبب كثرة عملاء بريطانيا الذين استطاعت أن تكسبهم على عهد عميلها القذافي.
وبريطانيا تعمل على تشكيل جبهة أوروبية وتسلم القيادة الشكلية لإيطاليا المستعمِرة القديمة لليبيا لتنفذ من ورائها ما تريد، وهي تعمل بقدر الإمكان على التخفي حتى لا تظهر أنها تواجه أمريكا، وحتى تتمكن من الحفاظ على موقعها. ولذلك تعرض وزير الدفاع الأمريكي لوضع إيطاليا في محاولة للتأثير عليها وإفشال خطط بريطانيا.
وأعلن وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون يوم 20/1/2016 عقب اجتماع في باريس ضم بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا قائلا: "يخطط الإيطاليون في روما لبعثة مساعدة دولية، وبطبيعة الحال فإن بريطانيا وفرنسا على استعداد لدعم هذه البعثة". وكان فالون قد أعلن يوم 19/12/2015 أن "بريطانيا تستعد لنشر نحو 1000 جندي في ليبيا للمساعدة في قتال تنظيم الدولة وتدريب القوات الليبية، وإن بريطانيا ملتزمة بشكل كبير باستعادة الأمن والاستقرار في ليبيا". وهذا واضح منه أن بريطانيا تؤسس جبهة أوروبية وتجعل القيادة الشكلية لإيطاليا، والذريعة هي محاربة تنظيم الدولة. وقد صرحت وزيرة الدفاع الإيطالية روبيرتا بينوتي يوم 28/1/2016 بالقول "لا نستطيع تخيل مرور فصل الربيع والوضع ما زال في حالة جمود في ليبيا، على مدار الشهر الماضي عملنا بصورة مكثفة مع الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين"، في إشارة للخطط العسكرية للتدخل. أي أنها تعطي احتمال التدخل العسكري الأوروبي.
فهذه المرة بدأت الدول الاستعمارية ترسل جيوشها مباشرة ولا تكتفي بالصراع بواسطة الأدوات المحلية لأن هذه الأدوات لم تتمكن من حسم الأمر، فلم يتمكن حفتر على مدى سنتين، رغم الدعم الأمريكي والمصري، من حسم الأمور وبقي يراوح مكانه، فاضطرت أمريكا إلى العمل على التدخل المباشر، فتصدت لها بريطانيا ومعها الدول الأوروبية.
وقد عرقلت بريطانيا في مجلس الأمن الدولي التدخل العسكري في ليبيا، وأصرت على الحل السياسي وتحقيق الاتفاق، ولكن أمريكا لم يعجبها ذلك، فعملت على عرقلة الاتفاق وعلى القيام بالعمل العسكري. فبعدما تحقق الاتفاق عملت أمريكا على عرقلة تنفيذه بواسطة البرلمان الذي يسيطر عليه عميلها حفتر، ومن ثم الإعداد للتدخل العسكري. فتحركت بريطانيا وشكلت جبهة أوروبية للتدخل العسكري موازاة لتدخل أمريكا ومواجهة لها، وذلك لمنعها من بسط نفوذها على ليبيا وإخراج أوروبا منها، فحزمت أوروبا أمرها لمواجهة أمريكا. والكل يتخذ ذريعة محاربة تنظيم الدولة.
فالصراع الدولي أصبح محتدما في ليبيا وليس في المنظور أن يتوقف حتى يسيطر طرف على الآخر أو يتفقا على التقاسم كاستراحة محارب حتى يستأنف فيما بعد، لأن أمريكا لن تتوقف هذه المرة عن العمل حتى تأخذ ليبيا، لأنه لأول مرة يصبح لها عملاء بهذا الشكل، وسنحت لها فرصة للتدخل بذريعة محاربة تنظيم الدولة.
ولهذا لن يكون هناك استقرار في ليبيا حتى تقطع أيدي هذه الدول الاستعمارية عن التدخل، وحتى تسقط أدواتهم المحلية الرخيصة، التي توالي هذه الدولة أو تلك، وهي تباع وتشترى فيحدث فيها انقسامات وتغير في المواقع والمواقف. فعلى المخلصين الواعين القيام بالعمل الجاد لإفشال التدخل الأجنبي، وطرد المستعمرين من البلاد أوروبيين وأمريكان، وإسقاط عملائهم والعمل على استلام زمام الأمور وإقامة حكم الله في أرضه، في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع