أعلن والي غرب دارفور محمد عبد الله الدومة ارتفاع حصيلة ضحايا الاشتباكات القبلية بالولاية إلى 132 قتيلا و208 جريحا. وقال في مؤتمر صحفي اليوم "وصل عدد القتلى إلى 132 وجرح 208 أشخاص حتى اليوم الخامس من الاشتباكات في مدينة الجنينة"، مضيفا "الهجوم كان كبيرا على مدينة الجنينة ومورس القتل وتم جرح وسحل المواطنين، ولم تصل قوات من خارج الولاية". (سبوتنيك).
كما ذكرت صحيفة المواكب الصادرة في يوم 5/4/2021 تجدد الاشتباكات القبلية بين المساليت والعرب، وعشرات القتلى والجرحى في منطقة حي الجبل والجمارك، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والخفيفة وفي الأثناء قامت مجموعة متفلتة بسرقة المحال التجارية والاعتداء على المارة على أساس قبلي.
وذكر تقرير (متابعات دارفور24) أن أهل مدينة الجنينة عاشوا يوم الأحد لحظات عصيبة، وحالة من الخوف والهلع وسط أصوات القنابل والمدافع والدانات، بسبب تجدد الحرب القبلية بين المساليت والعرب. وواضح أن الطرفين استعدا لها هذه المرة بشكل مختلف وتكتيك مغاير باستخدام أسلحة ربما غير متوفرة للقوات الحكومية السودانية نفسها، وإمكانيات ضخمة!
ومن المعلوم أن التركيبة السكانية في مدينة الجنينة بأكملها هي محفزٌ أساسيٌ لتنامي ظاهرة العنصرية والقبلية، وبحسب متابعات دارفور 24 فإن منطقة "أحياء الجبل" التي تشهد القتال، تم تخطيطها على أساس قبلي، ففي كل مربع تسكن قبيلة معينة، حيث تتمركز قبيلة المساليت في مربعات "2، 5، 7، 15"، أما القبائل العربية فيكثر تواجدها في مربعات "1، 3، 4، 6، 8"، وبهذه التوزيعة السكنية فالدخول والخروج محكومان بقوانين المسلحين القبليين.
بدأت المشكلة بقتل اثنين من المساليت في الطريق الفاصل بين المنطقة السكنية للقبائل العربية، وقبيلة المساليت، ليلة السبت 3/4/2021 وكان الحادث جنائياً وبإمكان الأجهزة المختصة أن تباشر إجراءاتها اللازمة للقبض على الجناة وتنتهي المشكلة، ولكن سرعان ما بدأت حالة من التجييش وإطلاق النيران بشكل كثيف، فتعطلت الحياة نتيجة للرعب والخوف من نيران الحرب.
اللافت للنظر هو غياب دور الحكومة لوقف هذا النزيف بالرغم من وجود ما لا يقل عن 300 سيارة للأجهزة الأمنية على حسب تصريحات والي غرب دارفور، وأيضا صرح الوالي في مؤتمره الصحفي الذي أكد فيه أن وزير الداخلية ليس له علم بما يدور في الجنينة أثناء الأحداث الأخيرة التي بدأت في 5/4، ثم قال: "طالبنا الحكومة بقوات إضافية ولكن الحكومة لم تمدنا بعسكري واحد". بعد ذلك اشتدت رحى الحرب التي قتل فيها من قُتل، وجُرح من جرح، وبحسب تقرير صادر من رئيس هيئة محامي دارفور صرح فيه بأنهم سيقودون تحركات دولية وإقليمية للتدخل في أحداث الجنينة. واعتبر هذه الأحداث مؤشرا لانهيار الدولة ومؤسساتها. (النورس نيوز 8/4/2021). فمن وراء هذه الأحداث؟ ومن الذي يسلح هذه القبائل بالأسلحة الثقيلة؟ ولماذا لم تتدخل الدولة منذ بداية الأحداث؟
ذكر والي غرب دارفور في مؤتمره الصحفي أن هذه الأحداث قامت بها مليشيات قدمت من تشاد إلى دارفور لزعزعة الأمن، في الوقت الذي انسحبت فيه لجنة النائب العام وأخلى القضاة النيابة تماماً، وفي الوقت نفسه التقى المبعوث البريطاني في الخرطوم في 8/4/2021 برئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي ناقش الجانبان أحداث الجنينة وتأخير تكوين القوة الوطنية المشتركة لحفظ الأمن. (المنصة 8/4/2021). وعلى حسب تصريح وزير الدفاع الفريق الركن يس إبراهيم أن مجلس الأمن والدفاع قرر تشكيل قوة مشتركة من القوات النظامية وكافة أطراف العملية السلمية (صحيفة التيار 11/4/2021م).
والسؤال، لماذا لم تقم الدولة منذ بداية الأحداث بواجبها؟ وهل يحتاج الأمر إلى قوة مشتركة؟ وهل يعجزها وقف اقتتال بين فردين وحفظ أمن الناس؟! لكن نظام الحكم الفيدرالي المطبق والمبني على أساس قبلي يفرز مثل هذه الحروب، هذا ما صرح به عضو المجلس السيادي رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس في صحف الخرطوم الصادرة في 11/4/2021م. بالإضافة إلى القبلية التي تغذيها الدول الكبرى لتحقيق أهدافها في المنطقة. إن القبلية والعنصرية قد ركّز عليها الكافر المستعمر ويغذيها على الدوام لتنفيذ مخطط إضعاف الأمة لنهب ثرواتها. يقول البروفيسور الأمريكي ماكس الخبير في معهد الأمن القومي لكيان يهود في تعريفه لحروب الجيل الرابع: "هي التي تقوم لإفشال الدولة وزعزعة استقرارها ثم فرض واقع جديد الهدف منها ليس تحطيم المؤسسة العسكرية ولكن إنهاكها وتآكلها ببطء وفي النهاية نرغم العدو على ما نريد". وأضاف قائلاً: "تعتمد هذه الحروب على مجموعات قتالية صغيرة للتمرد على الدولة باسم الأقليات أو الإثنيات والعرقيات أو النواحي الدينية".
إن أحداث الجنينة ليست هي الأولى من نوعها فقد كان من قبلها أحداث جنوب السودان سنة 1953 والتي انتهت بفصل جنوب السودان، ثم كانت أحداث شرق السودان والتي ما زالت متقدة. ولذلك إذا لم يع المخلصون من أهل السودان على مخططات الكفار سيذهب غرب السودان وشرقه باسم الجهوية والقبلية كما ذهب الجنوب.
إن الإسلام العظيم قد عالج مشكلة القبلية فجعل الرابط بين المسلمين هو الأخوة الإسلامية، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، بل وصهر الناس في بوتقة واحدة بنظامه وأوامره وتطبيق أحكامه، فالدولة التي أسسها النبي ﷺ كان يسكنها يهود ونصارى وعرب، يختلفون عرقياً ودينياً فقضى النبي ﷺ على كل أشكال التمييز بنظام الإسلام، فالإسلام وحده هو القادر على صهر هذه الشعوب وجعلها أمة واحدة في دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، القادرة على قطع شرايين النعرات القبلية ومؤامرات الكافر المستعمر في بلاد المسلمين.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع