إن شكل نظام الحكم في الإسلام (الخـلافة) متميز عن أشكال الحكم المعروفة في العالم، سـواءأكانفي الأساس الذي يقوم عليه، أمبالأفكار والمفاهيم والمقاييس والأحكام التي ترعى بمقتضاها الشؤون، أمبالدسـتور والقـوانين التي يضعها موضع التطبيق والتنفيذ، أمبالشكل الذي تتمثل به الدولة الإسلامية، والذي تتميز به عن جميع أشـكال الحكم في العالم أجمع:
فهو ليس نظاماً ملكياً،ولا يقر النظام الملكي،ولا يشبه النظام الملكي؛وذلك لأنه في النظام الملكي يصبح الابن ملكاً بالوراثة،ولا علاقة للأمة بذلك. أما في نظام الخلافة فلا وراثة،بل إن بيعة الأمة هي الطريقة لنصب الخليفة...
وكذلك هو ليس نظاماً إمبراطورياً، إذ إن النظام الإمبراطوري بعيد عن الإسلام كل البعد.فالأقاليم التي يحكمها الإسلام- وإن كانت مختلفة الأجناس، وترجع إلى مركز واحد-فإنه لا يحكمها بالنظام (الإمبراطوري) بل بما يناقض النظام (الإمبراطوري)؛لأن النظام (الإمبراطوري) لا يساوي بين الأجناس في أقاليم (الإمبراطورية) بالحكم، بل يجعل ميزة لمركز (الإمبراطورية) في الحكم والمال والاقتصاد.
وطريقة الإسلام في الحكم هي أنه يسوي بين المحكومين في جميع أجزاء الدولة، وينكر العصبيات الجنسية، ويعطي لغير المسلمين الذين يحملون التابعية حقوق الرعية وواجباتها وفق أحكام الشرع، فلهم ما للمسلمين من الإنصاف، وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف، بل هو أكثر من ذلك لا يجعل لأي فرد من أفراد الرعية أمام القضاء - أياً كان مذهبه - من الحقوق ما ليس لغيره ولو كان مسلماً، فهو بهذه المساواة يختلف عن (الإمبراطورية)...
وهو ليس نظاماً اتحادياًتنفصل أقاليمه بالاستقلال الذاتي وتتحد في الحكم العام، بل هو نظام وحدة،تعتبر فيه مراكـش في المغرب،وخراسان في المشرق، كما تعتبر مديرية الفيوم إذا كانت العاصمة الإسلامية هي القاهرة. وتعتبر مالية الأقاليم كلها مالية واحدة، وميزانية واحدة،تنفق على مصالح الرعية كلها، بغض النظر عن الولايات. فلو أن ولاية كانت وارداتها ضعف حاجاتها،فإنه ينفق عليها بقدر حاجاتها، لا بقدر وارداتها. ولو أن ولاية لم تكف وارداتُها حاجاتِها فإنه لا ينظـر إلى ذلك، بل ينفـق عليها من الميزانية العامة بقدر حاجاتها،سواء أوفت وارداتها بحاجاتها أم لم تفِ.
وهو ليس نظاماً جمهورياً: فإن النظام الجمهوري أول ما نشأ كان ردة فعلعلىطغيان النظام الملكي،حيث كانت للملكالسيادة والسلطان يحكم ويتصرف بالبلاد والعباد كما يريد ويهوى، فهو الذي يضع التشريع كما يريد. فجاءت الأنظمة الجمهورية،ونقلت السيادة والسلطان للشعب فيما سمي بالديمقراطية. فصار الشعب هو الذي يضع قوانينه فيحلل ويحرم،ويحسن ويقبح. وصار الحكم بيد رئيس الجمهورية ووزرائه في النظام الجمهوري الرئاسي، وبيد مجلس الوزراء في النظام الجمهوري البرلماني (ويكونمثل هذا - أي الحكم بيد مجلس الوزراء-في الأنظمة الملكية التي نُزعت صلاحية الحكم فيها من الملك حيث بقي رمزاً يملك ولا يحكم).
وأما في الإسلام،فالتشريع ليس للشعب،بل هو لله وحده،ولا يحق لأحد أن يحلل أو يحرم من دون الله، وجَعْل التشريع للبشر هو جريمة كبرى في الإسلام...
عن كتاب أجـهـزة دولة الخـلافة (في الحكم والإدارة) لحزب التحرير
رأيك في الموضوع