في تموز/يوليو 2014 تم إنشاء مجلس أسموه مجلس حكماء المسلمين وزعموا أنه مجلس مستقل، يترأسه شيخ الأزهر المصري أحمد الطيب، وبغض النظر عن رأينا في الرجل الذي كان جزءًا من نظام مبارك وعضوا في لجنة سياسات حزبه، فإن الأزهر لم يعد كسابق عهده أيام العز بن عبد السلام والشيخ محمد الخضر حسين، حيث كان رائدا في الدفاع عن الحق ونصرته وفي الدعوة إلى الإسلام، أما اليوم فقد أصبح أداة في يد حكام مصر أو بالأرجح في يد سيدتهم أمريكا، تحاول بها تدجين المسلمين وإنتاج نموذج يقبل التعايش مع الغرب ويقبل بأفكاره دون غضاضة، وما التلاعب في مناهح التعليم العام والأزهري الذي يتناول نصوص دين الإسلام وأحكامه منكم ببعيد.
ولعل هذا هو ما دعاهم الآن تحديدا إلى إنشاء هذا المجلس ليكون أداة ضمن أدواتهم لصياغة إسلام جديد يرضى عنه الغرب ويقبل به، وكأن التعايش مع الغرب وقبوله صار من مقاصد الشريعة التي يدعي هؤلاء أنهم يسعون للحفاظ عليها، ولعل ما جاء في بيان التأسيس يوضح ذلك إلى حد بعيد، فهو يركز على مفهوم السلم والتعايش، وأن الأمة لم تعد تتحمل حالة الاقتتال وحدَّة الاحتراب بين مكوناتها، وتأكيدهم على ضرورة الامتثال إلى نصوص الشرع الداعية إلى إقرار السلم، وتأصيل مفهوم السلم وشن الحرب على الحرب، وتثبيت منظومة السلم فقهاً وقيماً ومفاهيم وقواعد وثقافة، متغافلين عن الأصل الذي يصلح حال الأمة والتي كان ينبغي أن يكون اجتماعهم من أجله لكونهم علماء وهو إعادة جسد الأمة ولحمته في كيان واحد هو خلافة على منهاج النبوة، تنهي حالة الاقتتال بين أبناء الأمة وتعيد سلاحها لها وتوجهه نحو عدو الأمة بدلا من التعايش معه ومسالمته سلام الذل والخنوع، فهذا دور الأمة وهذا واجبها، فنحن أمة حاملة رسالة تجاهد في سبيل الله لنشر الدعوة الإسلامية، فينبغي التركيز على مفاهيم الجهاد وسير المجاهدين التي تبعث العزة في نفوس أبناء الأمة ليقوموا بما أوجبه الله عليهم من حمل للإسلام للعالم بالدعوة والجهاد.
أما هذا المجلس وغيره من المجالس التي كثرت في الأمة هذه الأيام وحازت على رضا الغرب ودعمه ورعايته، فدوره فصل المسلمين عن عقيدتهم والحيلولة بينهم وبين أن تصبح أساسا لتفكيرهم، وتركيز أفكار الغرب ومفاهيمه وثقافته على أنها أفكار إسلامية لا تخالف الإسلام، بل هي من مقاصد الشريعة حسب زعمهم. ورغم علمهم أن مقاصد الشريعة لا يحميها ولا يصونها ولا يضمنها إلا تطبيق الإسلام كاملا شاملا غير منقوص، وهذا التطبيق يستحيل أن يكون إلا في دولة الخلافة على منهاج النبوة، فكيف بربكم تضمن هذه المقاصد أنظمة قمعية متسلطة مغتصبة للسلطان من الأمة وتحكمها بغير أحكام الإسلام، يرسخ أمثال هؤلاء العلماء لطاعتهم وإقرار حكمهم المخالف للشرع كله وليس مقاصده فقط والذي لا يحقن دماء المسلمين بل يزيد اقتتالهم ويفرق جماعتهم ويضعف بيضتهم.
ما الذي تحتاجه الأمة لتنهض ويستمر نهوضها، هل تحتاج إلى تلك المجالس؟! إن الأمة لا تحتاج إلى تلك المجالس التي تنصب نفسها وصية على الأمة وعلى دينها، فليس في الإسلام مؤسسات دينية ولا كهنوت ولا رجال دين، والإسلام منع تلك المفاهيم وحاربها وحارب كل ما يؤسس لها، كما أن الأمة لا تحتاجها وإنما تحتاج إلى حزب مبدئي يحمل الإسلام بفكرته وطريقته متجسدا في أفراده، على أن يسعى هذا الحزب المبدئي إلى استئناف الحياة الإسلامية من خلال خلافة على منهاج النبوة تحكم بالإسلام كاملا شاملا غير منقوص فتقر العدل والسلم والأمن على أساس الإسلام، لا على أساس أفكار الغرب وثقافته وقوانينه الدولية، وتجعل من العقيدة الإسلامية أساسا لتفكير الناس ومن أحكامه الشرعية حلولا لمشكلات حياتهم، وتنقي العقيدة مما علق بها من أفكار ليست من الإسلام وتعيدها نقية صافية كما نزلت على رسول الله r، ولعل هذا ما كنا ننتظره من هؤلاء العلماء وغيرهم وأمثالهم، كنا ننتظر منهم الدعوة لإقامة الخلافة وحث الأمة على العمل لها واحتضان العاملين لها ودفع أهل القوة والمنعة من أبناء الأمة على نصرتهم وتسليمهم زمام الأمور ليحكموا بالإسلام، لا أن يقضوا أوقاتهم في أحياء باريس المختلفة مرددين أن الإسلام دين السلام وكأن المسلمين ليسوا هم من يتعرض للقتل والتهجير على أيدي الغرب وعملائه في بلادنا، بل هم من يعيشون غير آمنين في العالم والسبب طمع الغرب وحقده على الإسلام والمسلمين. فالإرهاب هم صانعوه وهم أمّه وأبوه، فهل من الحكمة يا رجال المجلس أن تكونوا أداة في محاربة "الإرهاب الإسلامي"، في حين تصمتون صمت أهل القبور على الإرهاب الغربي في بلادنا؟!
هذا هو واجب الأمة بعامة والعلماء بخاصة لأنهم أعرف الناس بحلال الله وحرامه، واجبهم أن ينفضوا أيديهم من هؤلاء الحكام وأن يصطفوا في صف الأمة في ظل ما تموج به من ثورات هي في واقعها ثورات على سلطان الغرب المتمثل في وكلائه من هؤلاء الحكام، ثورات لن يحقق طموحها إلا الإسلام الذي يقضي على هيمنة الغرب ونهبه لثروات الأمة، فسارع الغرب إلى إنشاء كيانات لمحاولة ترويض الشعوب الثائرة وتدجين عقيدتها، فتأنس للغرب وأفكاره ورأسماليته المتوحشة التي تنهبها جهارا نهارا، ولكن الأمة الآن وقد ثارت ثورتها وهبت من سباتها لن تستكين حتى ترى مولودها الجديد عسير المخاض، والذي سيكون وبالا على الغرب وأذنابه مؤذنا بزوال هيمنته على بلاد الإسلام وغيرها مبشرا بالخير للعالم كله بخلافة على منهاج النبوة، ترضي ساكن السماء وساكن الأرض ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
رأيك في الموضوع