المال السياسي هو المال الذي تعطيه الدول للجماعات والمؤسسات والجمعيات، مقابل سير تلك التكتلات وفق رؤية الدولة "المانحة" وذلك لتحقيق أهداف ومصالح تلك الدولة.
لقد برز مصطلح "المال السياسي" في العصر الحديث وظهر كأسلوب تستخدمه الدول الاستعمارية لشراء ذمم الجماعات في العالم لتسخيرها وحرفها للسير في مخططاتها وتحقيق مصالحها وغاياتها. والمال السياسي هو أسلوب قذر يؤدي للتحكم في هذه الجماعات وحرفها عن هدفها وغايتها التي تأسست من أجلها.
لقد وعى حزب التحرير على هذا الأسلوب لذلك كان دائم التحذير لأبناء الجماعات الإسلامية منه ومن التعاطي مع الدول العميلة للغرب والتي تكون الأداة والواسطة بين الدول الاستعمارية وتلك الجماعات، فكان يحذر الجميع من قبول أي مساعدة من دول الضرار فهي ومن خلفها لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وهدفهم التخريب والإفساد بين المسلمين، وتحقيق مخططات ومصالح الدول الاستعمارية ولو على حساب دماء المسلمين.
وعندما كان حزب التحرير يحذر وينصح الجماعات الإسلامية من خطورة أخذ المال السياسي لم يكن ذلك حسداً لها ولا تشويهاً لسمعتها كما كان يفتري شُذاذ الأفكار بل كانت نصيحة خالصة لوجه الله حتى لا تسقط هذه الجماعات في وحل التبعية وخدمة مخططات الاستعمار بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي هذه المقالة لا أريد أن أذكر ماذا قدمت منظمة التحرير الفلسطينية والثوار الأفغان (كأكبر مثالين في عصرنا الحالي) خدمة لمخططات الاستعمار وإلى أين وصلوا نتيجة أخذهم المال السياسي، بل سأتحدث عن فصيل سوري يسمى "هيئة تحرير الشام"، فهذا الفصيل عندما اندلعت ثورة الشام ظهر وأصبح ينادي بإسقاط النظام برمته وفي لحظة جاءته من الدول الداعمة ملايين الدولارات، ثم توالى الدعم المالي غير المحدود. وقد كان أول أوامر الدول الداعمة أن أمرت هيئة تحرير الشام بتوقيع صفقة هدنة الفوعة وكفريا وصفقة الراهبات النصرانيات. واليوم بعد أن حانت لحظة إعادة تأهيل نظام بشار الأسد بتوجيه من الدول الاستعمارية والتي كان منها حضور الأسد للقمة العربية الأخيرة في جدة، ها هم يوجهون هذه الهيئة لتهيئة الوضع الداخلي للمصالحة مع هذا النظام وإنهاء الثورة السورية كليا عن طريق القضاء على كل صوت مخلص ما زال ينادي بإسقاط نظام الأسد برمته والتغيير على أساس الإسلام. فهل قالت الهيئة لا سمعاً ولا طاعة لكم فنحن أصحاب الشأن والقرار؟! كلا بل سمعت وأطاعت!!
ولما كان حزب التحرير بعمله السياسي يقف في وجه النظام وداعميه ومن يسير في ركبه دفعوا شبيحة وعناصر هذه الهيئة للتغول على شبابه وعلى كل مخلص صادع بالحق، فقامت الهيئة المتخمة بالمال السياسي القذر بحملات شعواء ضد شباب الحزب في مناطق سيطرتها، فالاعتقالات والإرهاب واقتحام البيوت والتعدي على النساء والتّغول على الجميع؛ ولذلك نقول لكل مسلم يبرر أخذ المال السياسي من دول مقطوع بعمالتها ألم تحدثكم أنفسكم لماذا منحت دول الخسة والتبعية هذه الأموال الطائلة لهذه الهيئة على مدى السنوات الماضية؟! أحقاً لا تزالون تعتقدون أنها قيادة مستقلة القرار وأنها لا تزال تريد إسقاط النظام؟! بالله عليكم، لو لم تكن دول الكفر وعلى رأسها أمريكا راضية عن مسيرة هذه القيادة فهل كانت تمنحها مئات ملايين الدولارات؟!
إن هذا الحال ينطبق على كل من يقبل أن يأخذ المال السياسي، ففي البدء أظهر إخلاصك وأنك تريد أن تغّير الواقع وتحرر البلاد والعباد لكن عندما ينضج مخططنا فرضٌ عليك أن تطيعنا وتسير كما نريد!
فالفشل والانحراف هو مصير كل من يشبع بطنه بمال الدول التابعة العميلة، وعندها تبدأ همزات المبررين التي تصل لحد الهلوسة والهذيان بالقول "يا أخي أعطهم وادعمهم أنت حتى لا يأخذوا مثل هذا المال"! وكأن الله عز وجل وهو الناصر أعطى مثل هذه التيارات رخصة أخذ المال السياسي والسير كما يريد الداعم!!
بين النجاح والفشل استقامة على أمر الله والصبر على الابتلاءات والمحن وعدم الركون للظالمين أو مد اليد للدول العميلة والسير في ركابها. فالعرب قديما قالت "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها"، واليوم علينا القول "فلتجع الجماعات الإسلامية ولا تأخذ مالاً سياسيا قذرا يجعلها أداة في يد الداعم لتكون معول هدم في يده النجسة".
بقلم الأستاذ: عطية الجبارين - الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع