عجت عدسات المصورين والمراسلين أرض مخيم جنين أثناء اجتياح قوات يهود صباح الاثنين 3/7/2023م، فأخذت تنقل المشاهد الحيّة المباشرة لاعتداءات جيش يهود بحق جنين ومخيمها من القتل والهدم والحرق. كما تنقل - بالصوت والصورة - كل تصعيد ليهود في مدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة، وترصد أعداد الجرحى والشهداء والمعتقلين. كما تستضيف وسائل الإعلام عند تغطيتها للأحداث الدامية في فلسطين شخصيات يطلق عليها بالمحللين السياسيين أو أساتذة العلوم السياسية أو خبراء بالقانون الدولي للتعليق على الأحداث، تلك الشخصيات التي تكاد لا تتغير على وسائل الإعلام حتى حفظنا شكلها وعلق صوتها في أذهاننا عند كل تصعيد.
والمتتبع لأطروحات تلك الشخصيات عند محاورتها حول الشأن الفلسطيني والحلول المرجوة يجدها أطروحات منبثقة من نظرة وطنية ضيقة، فحديثهم لا يخرج عن المصطلحات المشروخة المملولة من مثل؛ ضرورة المصالحة والحوار الوطني بين الفصائل، الوحدة واللحمة الوطنية، التمسك بخيار الانتخابات كمخرج للانقسام تحت سقف السلطة الفلسطينية، إعادة بناء منظمة التحرير، حكومة الاحتلال لا تريد السلام كونها حكومة تمثل اليمين المتشدد، حل الدولتين، الضغط الدولي على الاحتلال للسير وفق الشرعية الدولية ووقف الاستيطان، محاكمة قادة الكيان المحتل عبر المحاكم الدولية... وهكذا. فأمام كل الدماء والدمار الذي يفعله الكيان الغاصب لا نكاد نسمع غير هذه الأطروحات من محللين وأساتذة جامعيين فلسطينيين وغير فلسطينيين على اعتبار أنها أطروحات "واقعية" يقبل بها العالم، وكأن قضية فلسطين خاصة بأهل فلسطين وبفصائلها وسلطتها وبالتالي هذا قدرنا الذي لا مفر منه ولا خروج عنه ولا علاقة للأمة به!
إن حصر الإعلام لقضية فلسطين وحلها ضمن تلك الأطروحات المنبثقة من عقول ضيقة هو تضليل خطير وتواطؤ على القضية وأهلها، إذ إن تلك الأطروحات لا تنهي الكيان الغاصب ولا ترفع الظلم عن أهل فلسطين. وما يؤكد ذلك هو بُعد الإعلام وعدم تغطيته للوقفات الجادة التي تدعو إلى قتال كيان يهود وإزالته من كل فلسطين.
ففي الوقت الذي تستضيف فيه الفضائيات أصحاب التفكير السياسي الضيق وتفتح لهم المجال للحديث والنقاش بكل راحة، فقد تعامت عن نقل الوقفات التي جرت في شمال الضفة الغربية ووسطها وجنوبها التي دعا لها حزب التحرير نصرة لجنين ومخيمها باستنصار جيوش المسلمين في الأردن ومصر وباكستان وتركيا... كونها القوة القادرة على إنهاء الاحتلال وتطهير فلسطين من رجسه، فلم تبثها وسائل الإعلام ولم تأتِ على ذكرها أو تستضيف أحدا من القائمين عليها، لأنها دعوات لا تروق ولا تتماشى مع رؤية الأنظمة وفضائياتهم في بلاد المسلمين، حتى ممن يدعون "الرأي والرأي الآخر" لم ينقلوا الوقفات رغم أن منها ما قد تم تحت نوافذ مكاتبها في رام الله! فهذه الدعوات من شأنها أن تنهي كيان يهود وترفع الظلم عن أهل فلسطين وهذا ما لا تريده الأنظمة وإعلامها كونهم متفقين أن المرجعية لحل فلسطين تكون عبر الشرعية الدولية لا عبر شريعة الإسلام، وأن هذا الكيان وجد ليكون لا ليزول، وأن في بقائه بقاء الحكام.
إن قضية فلسطين هي قضية إسلامية متصلة بكل مسلمي العالم، ومن التضليل حصرها بأهل فلسطين أو تقزيمها في خلافات فصائلية تتنازع على سلطة هشة تحت الاحتلال، ولا هي قضية النظام الدولي الذي أوجد كيان يهود والداعم له، بل هي قضية أمة المليارين القادرة بجيوشها أن تحرر فلسطين. لذلك فإن أية دعوة لا تنطلق من هذا الطرح الشرعي الذي يحرض الأمة كل الأمة على قتال يهود وتحرير كل فلسطين هي دعوة باطلة وتضليلية لا تخدم فلسطين وأهلها بل تخدم أعداء القضية من أمريكان ويهود وحكام.
د. حامد شاهين – الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع