كتب الله الصيام على المسلمين لغاية وهي أن يكونوا من المتقين، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ لذلك سمي شهر رمضان شهر التقوى، كما سمي شهر القرآن.
والصيام من أعظم العبادات كون الصائم يكون مراقبا لنفسه في الخلوات كما في العلن، وهذه خصيصة في رمضان وفضيلة للصيام عن سائر الطاعات، فما من عبادة يكون فيها العبد مخلصا لله كما في الصيام، وذلك إذا صام إيمانا واحتسابا. وقد أعان الله عباده على الصيام والإخلاص فيه، روى ابن ماجه وابن حبان عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ» يظهر من هذا الحديث أن الله أعان عباده على تلك الشعيرة العظيمة بتصفيد الشياطين، ومردة الجن، ثم حفز المؤمنين على فعل الطاعات، واجتناب المنهيات، وجعل رمضان موسماً للطاعات، يفتح أبواب الجنة ويغلق فيه أبواب النار، ومن فعل ذلك من المسلمين عظّم الله له من الأجر بقدر ما كسب، جاء في الحديث القدسي: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ».
حتى يبقى في هذه الحالة الملائكية ولا ينجر إلى المهاترة والفاحش من القول، فيكون صيامه له جنة كما جاء في الحديث الذي رواه الطبراني في المعجم الأوسط عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهُ». قِيلَ: وَبِمَ يَخْرِقُهُ؟ قَالَ: «بِكَذِبٍ، أَوْ غِيبَةٍ». فمن حرص أن يكون صيامه إيمانا يدفعه بالرغبة في طاعة الله والإخلاص له واحتسابا يدخر أجره ليوم الحساب لا رياء ولا سمعة، نال الجائزة فغفر له ما تقدم من ذنبه، قال رسول الله ﷺ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ومن رحمة الله بأصحاب الأعذار الذين لم يستطيعوا صيام رمضان بأن جعل أجر من قام رمضان إيمانا واحتسابا بأن غفر له ما تقدم من ذنبه.
جاء في الحديث عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْماً قَرِيباً مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ، قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ» فمن صام وصامت جوارحه صامت عينه عن النظر إلى الحرام، وصامت أذنه عن سماع قبيح الكلام والفاحش واللهو، وصام لسانه إلا عن ذكر الله وقول الحق، وصامت يده عن الكسب الحرام، ورجله عن المشي في الحرام والباطل، كان صومه بحق جنة له ووقاية، وهو فعل المتقين الذين يتقون الله فيحلون حلاله ويحرمون حرامه ويحكمون كتابه ويتبعون سنة نبيه ﷺ الذي قال في صلاح أمر الأمة ووقايتها: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» فكان وجود الإمام الذي يقاتل من ورائه ويتقى به هو جنة الأمة ووقايتها كما كان الصوم جنة للعبد ووقاية له. ففي الحديث توكيد على وجوب وجود الحاكم المسلم الذي يحل الحلال ويحرم الحرام ويحكم بما أنزل الله يطهر أرض المسلمين ويصون أعراضهم ويقاتل من ورائه عدوهم فيكون للأمة جنة ووقاية.
في الحديث دعوة صريحة لوجود مثل ذلك الحاكم الذي يؤدي الأمانة وينصح للأمة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ لا كهؤلاء الحكام الفسقة الفجار الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، يتبعون سنن الكافرين وشريعتهم ويهجرون قول الصدق الذي جاء به الصادق المصدوق. فلا بد لكل مسلم ومسلمة أن يعملوا لأجل إيجاد ذلك الإمام الجنة بالعمل مع العاملين لإقامة الخلافة. فليستقبل أبناء الأمة وبخاصة الجيوش طاعة الله بالعمل الجاد لنصره العاملين لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، وأن يتوبوا إلى الله عز وجل عن تقصيرهم فيما مضى، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ ناصر رضا محمد عثمان
رئيس لجنة الاتصالات المركزيه لحزب التحرير في ولايه السودان
رأيك في الموضوع