أوردت كتب التاريخ أن خليفة المسلمين هارون الرشيد كان عندما يرى سحابة يستبشر ويخاطبها "أمطري أنَّى شئت؛ فسوف يأتيني خراجك"، فالأمطار نعمة من المولى القدير على عباده، يحيي بها الأرض بعد موتها، فإذا تأخرت أصاب الناسَ الحزن، وصلوا طمعاً في كرم الله الذي يرسل السحاب. ومن رحمته أيضا أن بيّن للناس موسم الأمطار ليستعدوا لها، حتى لا تتحول النعمة إلى نقمة، غير أنه في كل عام تتحول هذه النعمة إلى خراب ودمار، فقد أورد موقع سودان برس في 28/8/2022 أن المجلس القومي للدفاع المدني في السودان كشف عن حدوث أضرار في الأرواح والممتلكات في المناطق المتأثرة بالسيول والأمطار. وأشار تقرير صادر من المجلس إلى أن جملة أضرار خريف ٢٠٢٢م حتى ٢٨ آب/أغسطس بلغت ٩٩ حالة وفاة و٩٣ إصابة، وانهيار كلي لـ٢٣٧٢٤ منزلاً وجزئي لـ٣٥٢٢٥ منزلاً و١٠٢ مرفقاً، و٧٠ متجراً ومخزناً، و١٠٥٠٠ فدان بالقطاع الزراعي ونفوق ٦٧٢ رأس ماشية.
وفي باكستان أوردت الجزيرة نت في 31/8/2022 "قالت الهيئة الوطنية لإدارة الأزمات في باكستان إن 36 شخصا لقوا مصرعهم خلال 24 ساعة جراء الفيضانات، التي شردت أكثر من 30 مليون شخص وارتفعت بذلك حصيلة ضحايا الفيضانات إلى 1160 شخصا منذ مطلع تموز/يوليو الماضي، كما تسببت في دمار كامل أو أضرار لنحو مليون منزل. وأوضحت الهيئة أن الفيضانات جرفت أكثر من 80 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، ودمرت 3400 كيلومتر من الطرق و157 جسراً، ونفق أكثر من 800 ألف حيوان". (الجزيرة)
وأوردت فرانس24 في 29/7/2022: "أعلنت إيران الجمعة عن ارتفاع حصيلة ضحايا الانهيارات والسيول الناجمة عن الأمطار الغزيرة إلى 53 قتيلا على الأقل، وقالت إن نحو 16 شخصا هم في عداد المفقودين. وفي الإمارات أعلنت وزارة الداخلية بأن سبعة أشخاص من جنسيات آسيوية لقوا حتفهم جراء السيول الأخيرة"...
تكاد مثل هذه الأحداث تتكرر سنوياً، وكل عام يكذب المسؤولون بأنهم على أتم الاستعدادات لمواجهة فصل الخريف، ولكن للأسف عند هطول الأمطار ينكشف أمرهم للناس، ونسوا قول رسولنا الكريم ﷺ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
إن هؤلاء الحكام الذين سلطهم الكافر على أمة محمد ﷺ المناط بها رعاية شؤون الناس لا شأن لهم بما يحدث لها من كوارث وكل ما يفعلونه هو استجداء الدعم الخارجي رغم الخيرات والأموالِ الموجودة في بلادها لكنهم لا يسخرونها لها إنما تعطى لأسيادهم أرباب نعمتهم. فالإنسان عند هؤلاء الحكام ليس محل اهتمام، والدليل هو عدم قيامهم بأعمال استباقية لمنع مثل هذه الكوارث.
والحقيقة أنه لا يوجد نظام يرعى الإنسان بغض النظر عن لونه ودينه وسحنته غير نظام الإسلام، والتاريخ زاخر بالأمثلة على ذلك؛ فقد أرسل سعد بن أبي وقاص لخليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بما فتح الله عليه، فلما رأى الوفد سألهم عن تغير ألوانهم وحالهم؛ فقالوا: وخومة البلاد غيرتنا. فأمرهم أن يرتادوا منزلاً ينزله الناس. وقيل: بل كتب حذيفة إلى عمر: إن العرب قد نزفت بطونها، وخفت أعضاؤها، وتغيرت ألوانها. وكان مع سعد، فكتب عمر إلى سعد: أخبرني ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم؟ فكتب إليه: إن الذي غيرهم وخومة البلاد، وأن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان. فكتب إليه أن أبعث سلمان وحذيفة فيرتادوا منزلاً برياً بحرياً، ليس بيني وبينكم بحر ولا جسر، فأرسلهما سعد، فخرج سلمان حتى أتى الأنبار، فسار في غربي الفرات لا يرضى شيئاً، حتى أتى الكوفة فاستقر له المقام فيها.
وقد أوردت كتب السير والتاريخ أن امرأة سوداء مسكينة كتبت كتاباً إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهذه المرأة تسمى فرتونة السوداء من الجيزة بمصر، وكان فيه أن لها حائطاً متهدماً لدارها، يتسوره اللصوص ويسرقون دجاجها، وليس معها مال تنفقه في هذا السبيل. فكتب عمر بن عبد العزيز إلى والي مصر أيوب بن شرحبيل: "من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى أيوب بن شرحبيل، سلام الله عليك، أما بعد، فإن فرتونة السوداء، كتبت إليّ تشكو قِصر حائطها وأن دجاجها يُسرق منها، وتسأل تحصينه لها، فإذا جاءك كتابي هذا، فاركب إليها بنفسك وحصّنه لها". وكتب إلى فرتونة: "من عبد الله عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين إلى فرتونة السوداء: سلام الله عليك، أما بعد، فقد بلغني كتابك، وما ذكرت فيه من قِصر حائطك، حيث يقتحم عليك ويُسرق دجاجك... وقد كتبت إلى أيوب بن شرحبيل، آمره أن يبني لك الحائط حتى يحصنه مما تخافين إن شاء الله". يقول ابن عبد الحكم: "فلما جاء الكتاب إلى أيوب بن شرحبيل ركب بنفسه حتى أتى الجيزة وظل يسأل عن فرتونة حتى وجدها، فإذا هي سوداء مسكينة، فأعلى لها حائطها".
ولم تكتف دولة الخلافة برعاية شؤون رعاياها فقط، فقد أظهرت وثائق من الأرشيف العثماني، إرسال السلطان عبد الحميد الثاني مساعدة مالية إلى ألمانيا على خلفية كارثة السيول التي اجتاحتها عام 1890. وحسب الوثائق المحفوظة في الأرشيف العثماني برئاسة الوزراء التركية، فإن الدولة العثمانية مدّت يد العون للمتضررين من السيول في منطقة تورينغن (وسط) إثر فيضان نهر زالة. وتعكس الوثائق مدى حرص الدولة العثمانية على تقديم المساعدات الإنسانية، للمحتاجين في أرجاء العالم. وتبلغ قيمة المبلغ المرسل إلى ألمانيا، 750 ألف ليرة عثمانية، 500 ألف منها تبرع بها السلطان عبد الحميد والبقية أفراد أسرته. كما تظهر الوثائق إرسال دوقية ساكس ألتنبرغ رسالة شكر إلى السفير العثماني لدى برلين، تعرب عن امتنانها للمساعدة المالية. وفي حديث للأناضول قال جودت أردول، رئيس جامعة العلوم الصحية بإسطنبول، "إن السلطان عبد الحميد الثاني مدّ يد العون للشعب الألماني، رغم الظروف الصعبة التي كانت تعيشها الدولة العثمانية"...
نعم هذه هي الدولة التي ترعى شؤون الناس حق الرعاية وهذه هي الدولة التي ارتضاها لنا رسولنا الكريم ﷺ، وأوجب على المسلمين إيجادها فقال ﷺ: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع