إن المتتبع للحراك الأخير بعد تصريحات وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو بوجوب مصالحة نظام الإجرام، يرى أن جموع الثوار هبّت في المناطق المحررة وتعالت الأصوات بكف يد النظام التركي ومنعه من الاستمرار بالتدخل في شؤون ثورة الشام، وكما سمعنا أصواتاً تطالب بإقالة قادة الفصائل وتسليم القيادة لمن يستحقها ولمن يحقق ثوابت الثورة وطموحات أهل الشام من فتح الجبهات والتوجه نحو دمشق لإسقاط النظام وتخليص أهل الشام من معاناة زادت عن أحد عشر عاماً من القتل والتشريد والاعتقال ومرارة العيش.
بعد كل هذا يبرز تساؤل مهم: ما هو البديل عن القيادة المصنعة الحالية للثورة، ومن هو المؤهل لقيادة الثورة إلى بر الأمان؟
ابتداءً فإن القيادة السياسية للثورة أصبح المتحكم بها هو النظام التركي فهو الذي يتحكم بالقرار السياسي والعسكري للثورة في المناطق المحررة سواء في ريف حلب الشمالي حيث سيطرة ما يسمى الجيش الوطني أو في إدلب وريف حلب الغربي حيث سيطرة ما يسمى هيئة تحرير الشام.
وكي نحدد ما هو البديل للقيادة الحالية لا بد أن نحدد صفات القيادة السياسية الصالحة ونبحث عمن تتحقق فيه هذه الصفات حتى يكون مؤهلاً لقيادة المرحلة القادمة. وهذه الصفات هي:
1- أن تكون قيادة فكرية متمثلة عمليا بحزب سياسي يمتلك رؤية واضحة ومشروعاً سياسياً مفصلاً للنظام البديل عن نظام أسد المجرم.
2- أن يكون المشروع السياسي الذي يقدمه هذا الحزب منبثقا من عقيدة الأمة الإسلامية وتراثها الفقهي بحيث يكون دستور الدولة وجميع القوانين التي ستطبقها هي أحكاماً شرعية مستنبطة من الكتاب والسنة وما أرشدا إليه.
3- أن يمتلك هذا الحزب السياسي وعياً سياسياً كبيراً بحيث يتصدى لمؤامرات الدول المعادية للثورة فيكشف خططها، ويقوم بأعمال سياسية لإفشالها فلا تكون الأمة فريسة سهلة للمكائد التي تحاك في دهاليز السياسة الغربية المعادية للإسلام والمسلمين.
4- أن يكون الحزب صاحب قرار مستقل غير مرتبط بأي دولة ولا يعترف بالمنظومة الدولية.
5- أن يكون الحزب ثابتاً على مبدئه لا يحيد عنه ويجب أن يكون لديه تاريخ طويل من النضال والكفاح السياسي في سبيل تحقيق مشروعه الإسلامي.
6- صدقُ الحزب وعدم ثبوت الكذب عليه أو النفاق أو الخديعة لأمته وأن يكون أميناً في حمله لقضايا الأمة بعيداً عن الخيانة والتفريط بحيث يصدق عليه صفة الصادق الأمين تأسياً برسولنا الكريم ﷺ.
7- أن يقبل الحزب محاسبة الناس له في حال حيده عن نهجه وعن ثوابت الثورة أو ارتكابه أي مخالفة تخالف الشرع.
وبالنظر الدقيق لواقع ثورة الشام نرى أن صفات القيادة الصالحة الآنفة الذكر تنطبق على حزب التحرير وأنه الأجدر بتسلم دفة قيادة ثورة الشام بهدف إيصالها لبر الأمان.
فالحزب يمتلك رؤية واضحة ومشروعاً إسلامياً مفصلاً يعرضه على الأمة منذ عقود؛ فالحزب أعد دستوراً للدولة الإسلامية مكوناً من 191 مادة كلها مستنبطة من الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس الشرعي.
كما قدم الحزب تفصيلاً كاملاً لشكل الدولة في عدة مؤلفات سواءً في الأحكام المتعلقة بنظام الحكم وأجهزة الدولة، كما قدم تفاصيل عن النظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي ونظام العقوبات وسياسة التعليم وغيرها من التفاصيل التي تعطي تصوراً واضحاً عن الدولة الإسلامية.
أما الوعي السياسي فإن حزب التحرير يمتلك منه ما يؤهله للتصدي لجميع المؤامرات السياسية التي يقوم بها الغرب الكافر وأدواته، وفيما يخص ثورة الشام فقد ظهر جلياً لكل متابع كيف أن الحزب كشف حجم التآمر الذي طال الثورة بهدف القضاء عليها، فقد كشف الحزب مبكراً دور النظام التركي الخبيث في العمل على احتواء الثورة، وقد صدر بيان عن الحزب في ولاية سوريا بتاريخ 16/9/2011 بعنوان: "انكشاف الدور التركي في سوريا: اختطاف وتسليم الضابط حسين هرموش إلى النظام السوري". كما أدرك الحزب مدى خطورة الأعمال السياسية الغربية في وأد الثورة؛ من مؤتمرات جنيف وفينّا والرياض وسوتشي وأستانة، وقد وضح لأهل الشام أنها أعمال سياسية خبيثة غايتها في النهاية جر الثوار للمصالحة مع النظام المجرم والتفريط بتضحيات أهل الثورة وإعادتهم إلى حظيرة النظام الدولي الداعم الرئيسي لنظام أسد.
كما حذر الحزب من جريمة الاقتتال بين الفصائل وأنه بتحريض الدول المعادية للثورة؛ الغاية منه إضعاف الجبهة الداخلية وإرهاق المقاتلين باقتتالات داخلية بعيداً عن تركيز القتال ضد نظام الإجرام.
وحذر الحزب أيضا من الهدن والمفاوضات مع نظام الإجرام في حين كان البعض يُسوق للهدن بأنها نصر للإسلام والمسلمين كما حصل في هدنة الزبداني - كفريا والفوعة.
كما كشف الحزب خطورة الحل السياسي الأمريكي وأن الدول الفاعلة في الملف السوري من روسيا وإيران وتركيا كلها أدوات تتبادل الأدوار لتنفيذ هذا الحل الخبيث الذي يهدف للقضاء على الثورة وإعادة أهل الشام إلى حظيرة النظام المجرم.
أما استقلالية قرار حزب التحرير وعدم ارتباطه بالدول فهذا الأمر يشهد له القاصي والداني وقد منع الحزب عن نفسه أي شكل من أشكال الدعم المالي المشبوه منعاً للتأثير على قراره.
أما بالنسبة للثبات على المبدأ فكان الحزب جبلاً شامخاً أمام كل الضغوطات التي تعرض لها فقد طاله الأذى والتضييق من الفصائل والمتنفذين في المناطق المحررة وتعرض شبابه للاعتقال بهدف ثنيهم عن دعوتهم ولتقديم التنازلات إرضاء للسلطة القائمة ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل والحمد لله، وثبت الحزب وشبابه على الحق الذي يرونه وهذا ما أكسبه تقديراً من الحاضنة الشعبية، في حين رأينا كثيراً من الفصائل أو الجهات التي تدعي الثورية تتبدل وتتلون حسب الواقع ما جعلها تفرط بقضية الثورة وتسير ضمن المخطط الأمريكي لفرض الحل السياسي وإنهاء الثورة.
أما صدق الحزب وأمانته فإن المتتبع لجميع بياناته ومواقفه منذ تأسيسه عام 1953م حتى اليوم، فيرى أنه كان دائما يَصْدُق أمته ولا يغشها أو يخدعها كما هو حال من تصدر مشهد الثورة من معارضة مصنّعة وعميلة ودول مارست الخداع على مدى سنوات وتكشَّف واقعها اليوم لأبسط الناس.
أما الصفة الأخيرة للقيادة الصالحة فهي أن تقبل مبدأ المحاسبة وأن تسمع لمن ينتقدها أو يحاسبها، فالحزب يوجب على الأمة أن تحاسبه إن حاد عن مشروعه أو خالف الشرع في أي من أعماله أو تصريحاته، وهذا يضمن حسن سير القيادة حتى تحقيق النصر إن شاء الله، كما تدرك الأمة من خلال المحاسبة المستمرة بأنها صاحبة السلطان تعطيه لمن يستحق القيادة وتنزعه ممن هو ليس أهلاً لها عندما يُفرط برعاية شؤون الأمة وتحقيق مصالحها.
وأما بالنسبة للقيادة العسكرية فعلى أصحاب الشأن أن يختاروا من الصادقين منهم من يرونه أهلا لذلك ليسيروا مع حاضنتهم وقيادتهم السياسية على هدى وبصيرة نحو تحقيق ثوابت ثورة الشام، وعلى رأسها إسقاط نظام الإجرام وإقامة حكم الإسلام بعد قطع يد العابثين والمتآمرين.
بقلم: الأستاذ أحمد الصوراني
رأيك في الموضوع