تتدحرج أزمة نقابة المعلمين في الأردن ككرة ثلج تكبر كل يوم بعد إقدام أجهزة النظام على اعتقال نائب نقيب المعلمين وأعضاء مجلس النقابة، ودخولهم في إضراب مفتوح عن الطعام؛ بسبب اعتقالهم وإغلاق مقرات فروع النقابة في المحافظات المختلفة، وكف يد أعضاء مجلس النقابة وأعضاء الهيئة المركزية وهيئات الفروع وإداراتها، ووقف النقابة عن العمل وإغلاق مقراتها لمدة سنتين، حيث قامت مجموعة من الوقفات الاحتجاجية في جميع المحافظات على هذه الإجراءات، وما زال التصعيد مستمراً.
واللافت في أزمة نقابة المعلمين هو حالة التأييد الشعبي الواسع لها وفي مراكز اعتاد النظام اعتبارها خزان دعم بشري له كمحافظة المفرق وإربد، حيث بلغت أعداد المشاركين في احتجاجات المعلمين أرقاماً تجاوزت كل التوقعات، رغم أن مطالب المعلمين مهنية بحتة ولا تمس شرائح المجتمع الأخرى، حيث اعتبر كثير من فئات المجتمع في الأردن أن التصرفات القمعية للنظام وأجهزته بحق مربي الأجيال المعلمين ونقابتهم، وفي هذا التوقيت بالذات، بأنها تصرفات تدل على قصر نظر سياسي، وخدمة للغرب المستعمر بأن يهان مربو الأجيال بهذه الطريقة...
أما قصر النظر السياسي فيتمثل في تحطيم جسم نقابي وازن ومؤثر في المجتمع كنقابة المعلمين؛ وخاصة في ظروف تتعرض فيه البلد لهجمة شرسة يقصد منها إركاع القوى الحية فيها لمخططات صفقة القرن وتوابعها، والأصل في أي نظام حقيقي يمتلك قراره ويحرص على سلامة أمنه وأرضه، أن يعمل على تقوية جبهته الداخلية وتحصينها لمواجهة الأخطار المحدقة، لا أن يضعفها ويفتعل المعارك الجانبية التي تدخل المجتمع في دوامة من الرفض والتأييد لطرف على آخر، ولا أن يسعى لتحطيم القوى الفاعلة في المجتمع ليكون لقمة سائغة في وجه المتآمرين والخونة فتضيع البلاد ويستأسد فيها العملاء! والحقيقة أن النظام في الأردن يقصد إضعاف كل صوت يمكن أن يحاسبه على جرائمه وخاصة أنه من أكثر الأنظمة العربية التي بادرت لتحطيم التعليم وإفراغه من محتواه الإسلامي وتغييبه قلباً وقالباً، وما تغيير المناهج وعلمنتها ومحاولة خصخصة التعليم من خلال أكاديميات تشرف عليها حاشية النظام سوى رأس الجبل، وما المنح التي تتدفق على جيوب الفاسدين بحجة تطوير التعليم والنهوض به سوى دليل بسيط على مستوى الإجرام الذي لحق بمنظومة التعليم في الأردن.
والنظام الأردني حاله كحال باقي الأنظمة العميلة في البلاد الإسلامية التي شعرت بعد خفوت شعلة الاحتجاجات ومطالبات الناس بسقوط الأنظمة، سارعت لاستغلال هذه الحالة لتصفية حسابها مع القوى الحية في المجتمع وإسكات صوتها وخاصة المعلمين الذي قاوموا وبشكل ملموس تغريب التعليم وعلمنته، فجاء الظرف ملائماً لهذا النظام مع جائحة كورونا وقانون الدفاع الذي سلطه على رقاب الناس ليقمع كل صوت مخلص يحاسبه على إجرامه، ولا شك أن من يتابع الشأن السياسي في الأردن يدرك الضوء الأخضر الخارجي الذي سمح للنظام باعتقال ومضايقة كل من يحاسبه أو ينتقده في الآونة الأخيرة، وما التسهيلات المالية التي تتدفق على النظام من كل جهة إلا دليل على الرضا الذي يتمتع به عند دوائر الاستعمار الخارجية، وما كان هذا النظام ليتجرأ على هذه الخطوة من تعليق عمل نقابة المعلمين لعامين واعتقال أعضاء المجلس لولا هذا الضوء الخارجي.
يتعمد النظام الأردني في أزمته مع نقابة المعلمين تحطيم هيبة المعلم وإهانته خدمة للمستعمر وذلك من خلال الصورة الإعلامية التي يقدمها؛ في طريقة الاعتقال وأسلوبه، وإهانة المعلمين وأعضاء فروع النقابة بإخراجهم من فروع نقابتهم بالقوة والإكراه، وضرب المعلمين في احتجاجاتهم السلمية،... فبئس النظام نظام يسمح لأجهزته بإهانة واعتقال من ربى وعلم، وبئس النظام نظام يسقط القدوة في عيون الناس ويعاملهم كقطاع طرق أو مختلسين، خدمة لمن يريد ضرب القدوة في مجتمعاتنا!
وملاحظة أخرى يجب أن لا تغيب عن المتابع لشأن الأردن أن هذا النظام ورأسه هو من يسعى لتصعيد الأمور واصطناع مواجهات بين المعلمين والأجهزة الأمنية، وكان هذا واضحا وملموسا خاصة في الكرك، بالإضافة للتجييش الإعلامي وشيطنة النقابة والعمل الحثيث لإنهاء وجودها كثقل بشري يمكن أن تقف أو تتحرك ضده أو ضد مخططاته على الأقل.
إن أزمة نقابة المعلمين ليست نزاعا بين نقابة وحكومة على قضايا قانونية أو جزائية، بل الأمر أعمق من ذلك وأخطر؛ فهي عملية إرهاب ممنهج لكل صوت يخرج عن مسارهم ومخططاتهم التي يتبعون فيها المستعمر، وعملية ممنهجة لضرب القدوات في مجتمعاتنا ليسهل عليهم فرض أجنداتهم المشبوهة في تغريب المجتمع، وهم مستعدون لفعل أي أمر حفاظاً على كراسيهم المعوجة قوائمها، وعليه فالواجب على المخلصين في الأردن الوقوف في وجه هذا النظام والأخذ على يده وكفها عن الإساءة وملاحقة المخلصين في المجتمع، فلا تجعلوهم يتمادون في ظلمهم وقهرهم لأبنائكم، فأنتم شهدتم ما جره عليكم ارتباط هذا النظام بدول الغرب الاستعمارية وأدواتها من صندوق النقد والبنك الدوليين وغيرهما، من ضنك عيش اقتصادي وسياسي، فلا تسلموا خيرة أبنائكم المعلمين وغيرهم من المخلصين في هذا البلد للنظام وأجهزته، يمارس عليهم القهر والاعتقال والإذلال خدمة ليهود ومشاريع الغرب الاستعمارية، وإننا لنسأل الله أن يعز هذه الأمة بخلافة راشدة على منهاج النبوة تسخّر جهود هؤلاء المخلصين في خدمة دينهم وأمتهم، ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾.
بقلم: الأستاذ عمر محمد الفاروق
رأيك في الموضوع