تحكم اتفاقية "سوتشي" الموقعة بين الرئيسين التركي والروسي، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، في أيلول 2018، مصير محافظة إدلب، وحدودها الجغرافية، وإن موسكو وأنقرة تعتبرانها حجر الأساس لما ستكون عليه المنطقة مستقبلاً.
وخلاصة بنود اتفاق سوتشي:
- ضمان كلا الطرفين لعدم القيام بأي أنشطة عسكرية تجاه الآخر وستكون النقاط التركية مراقبة لذلك مشرفة عليه.
- إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-20 كيلومتراً داخل منطقة خفض التصعيد.
- إبعاد جميع الجماعات الإرهابية الراديكالية عن المنطقة المنزوعة السلاح، بحلول 15 تشرين الأول/أكتوبر.
- استعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين M4 (حلب-اللاذقية) وM5 (حلب-حماة) بحلول نهاية عام 2018.
- يؤكد الجانبان مجدداً عزمهما على محاربة (الإرهاب) داخل سوريا بجميع أشكاله وصوره.
هذه اتفاقية سوتشي التي عقدت في عام 2018، وأذكّر بها لمن لم يقرأها أو لم يسمع بها، أذكر بها لا على أنها تاريخ مضى بل لأنها سارية المفعول حتى هذه اللحظة ويجري تنفيذها يومياً ولحظياً. أذكر بها لمن اتخذ ذاكرة الذبابة، التي لا تتجاوز بضع ثوان، تنسى بعدها ما عرفته، لذلك تحوم حولك، وعندما تحاول ضربها تفلت منك وتعود إليك بعد ثوان وقد نسيت، فيكون مصيرها أن تقضي عليها في المرة الثانية أو الثالثة!
وقع الجانبان الاتفاق وعلى أن تفتح الطرق الدولية في التاسع من عام 2018 لكن لم يكن تنفيذه بهذه السهولة، فبالرغم من ارتباط جميع الفصائل وغرف العمليات بتركيا ووقوف قلة المجاهدين المخلصين حيارى عاجزين إلا أن تحركات شعبية وجماهيرية أثار نقعها حزبُ التحرير عكرت صفو الغزل والانسجام الروسي التركي...
ففي الشهر العاشر لعام 2018 بدأت جموع الوجهاء وأولياء الدم تزور نقاط المراقبة التركية ووجهوا لقيادتها رسائل شديدة اللهجة؛ (فإما أن تكونوا معنا في هدفنا الذي خرجنا له فنسقط النظام في دمشق ونقيم حكم الإسلام أو خلوا بيننا وبين عدونا ونقاطكم إن كانت لا تجيد سوى العدّ فنحن نجيد العد والردّ).
وكذلك خرج الآلاف في مظاهرات حاربت هذا الاتفاق المشين والذي يقضي بتقييدهم وليّ أفواه بنادقهم.
ثم وفي الشهر الثاني عشر لعام 2018 خرج جمع كبير من الوجهاء إلى الطرق الدولية ليعلنوا للعالم ويخاطبوا أمتهم أنهم ثابتون يرفضون فتح الطرق الدولية مع المجرم الطاغية.
كل هذا وذاك كان كفيلاً بزرع القلق وإبقاء التوتر عند أصحاب الاتفاق ومن خلفهم سيدة الكفر أمريكا، وقد صرح بذلك وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، في 27 من آب 2019، حيث قال: إن تنفيذ "الاتفاقية الروسية-التركية حول منطقة إدلب يتم بصعوبة وتوتر"، مشيراً إلى أن "تركيا تسيّر دوريات داخل منطقة خفض التصعيد، بينما يستمر تسيير دوريات روسية خارجها".
ولكن كيف استطاع أصحاب الاتفاق التحايلَ على إرادة الأمة وفتح الطرق وتنفيذ الاتفاق؟
استطاعوا ذلك بوسائل وأساليب عديدة، أعانهم فيها رجالاتهم في الداخل وهي كالتالي:
حكومة الإنقاذ كان لها دور كبير في إلهاء الناس بلقمة عيشهم فأكثرت الضرائب والمكوس وضيقت على الناس، وترافق ذلك مع هبوط في سعر الليرة السورية أمام الدولار مما جعل كثيراً من السلع يتضاعف ثمنها مرة أو مرتين، هذا فضلاً عن ندرة في المحروقات كان سببها العلني والصريح قرارات حكومة الإنقاذ.
لم يتوقف دور حكومة الإنقاذ والتي هي ذراع هيئة تحرير الشام السياسي في المنطقة عند هذا الحد بل عملوا وبشكل منظم على إسكات صوت المحذرين من مؤتمر سوتشي والداعين إلى فتح معارك الساحل وقلب الطاولة على المجرمين، وأقصد بشكل منظم أي من خلال مؤسستهم وزارة الأوقاف، فقد أجروا مسحاً شاملا للمساجد وعينوا عليها مشايخ أصحاب ولاء لهم ونواطير على نوعية الخطاب فيها.
أما هيئة تحرير الشام فلعبت دور الشرطي المحافظ على مشاعر تركيا في إدلب فبحثت وتابعت صوت الرافضين للعبة الضامنين وعملت على كتمه فاعتقلت قرابة الأربعين شاباً من حزب التحرير ومعهم العديد من الوجهاء وأصحاب المواقف في إدلب وحماة وحلب.
ولاستكمال دورها بقيت حريصة وعينها على الجبهات كذلك، فأيما مدرعة أو مدفع أو سلاح ثقيل يغنمه المجاهدون الذين لها سيطرة عليهم تسحبه مباشرة من أرض المعركة لتبقى خطوط التماس خاليةً تماماً! وما هجمة النظام الأخيرة وقضمه السريع للمناطق المحررة إلا شاهد على ذلك.
وأخيراً وليس آخراً معارك وهمية زج أردوغان فيها بشبابنا وإخواننا الترك رحمهم الله ليخط من دمائهم حدود سوتشي الخبيث ويثبتها بعد طول انتظار ثم يجري اتفاق وقف إطلاق النار في موسكو ويصحب معه وزير المالية ومجموعة من المسؤولين، ليظهر لنا من تصريحاته أن مصالح البلدين روسيا وتركيا فوق دماء المسلمين السوريين بل وفوق دماء المسلمين الأتراك كذلك!!
ألا ترون بعد كل هذا أن آيات الله إنما هي حقائق لا تقبل المناقشة وأن ملة الكفر وأعداء الإسلام حريصون كل الحرص على قتالنا وحرفنا عن مبدئنا؟! قال تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾، وكما بين ثباتهم على حربنا كذلك أمرنا بالثبات على عدائهم والثقة بوعده. قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.
يا أهل الشام: إن الواجب الشرعي في حقنا اليوم كالآتي: تشكيل كتائب مستقلة ذاتية الدعم والقرار، ثوابتها:
١- إسقاط النظام بكافة رموزه وأركانه وليس تنفيذ الاتفاقيات والمؤتمرات التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين.
٢- قطع يد الدول والداعمين وليس الركون للذين ظلموا ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾.
٣- إقامة حكم الإسلام الخلافة على منهاج النبوة؛ فهي الحضارة التي تستعد للقيام على أنقاض منظومة الرأسمالية العفنة كما بشر رسول الله e بقوله: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
بقلم: الأستاذ أحمد حاج محمد
رأيك في الموضوع