شغلت الأوساط السياسية في السودان في الأيام الفائتة وما زالت بما يسمى قانون الانتخابات للعام 2018 والذي ظل التداول حوله بين الحزب الحاكم والأحزاب المشاركة معه في السلطة، ظل هذا التداول لأكثر من خمسة أشهر، ثم أخيرا تمت إجازته بالأغلبية البرلمانية، وانسحبت بعض القوى من جلسة الإجازة اعتراضا على بعض البنود وليس على الأساس الذي قام عليه القانون. فما هو واقع هذا القانون؟ وما هو الحكم الشرعي المتعلق به؟
وقبل الإجابة عن هذين السؤالين لا بد من معرفة ماهية الانتخابات وهل هي غاية أم وسيلة. المعروف أن الانتخابات وسيلة لاختيار شخص أو أشخاص لأداء عمل معين، هذا هو واقع الانتخابات. والوسيلة تأخذ حكم العمل؛ فإذا كان العمل مشروعا كانت الوسيلة مشروعة. ونحن هنا نتحدث عن الأحكام الشرعية، أما إذا كانت الانتخابات لعمل لا يقره الشرع فتصبح هذه الانتخابات حراما، والقاعدة الشرعية (الوسيلة إلى الحرام محرمة).
ونأتي الآن لقانون الانتخابات للعام 2018م، فإن واقعه يقول إنه قانون لانتخاب رئيس جمهورية وانتخاب ولاة الولايات وكذلك انتخاب أعضاء المجالس التشريعية القومية والولائية. ورئيس الجمهورية في الأنظمة الديمقراطية الوطنية رجل يحكم بما تقرره المجالس التشريعية، فهو منفذ لإرادة الناس وليس منفذا لشرع الله، وبذلك يخالف حكم الإسلام. فحاكم المسلمين يتم اختياره حاكما بالبيعة الشرعية وليس مجرد انتخابات. والبيعة عقد مراضاة بين الحاكم والمحكومين مثله مثل كل العقود، له أركان وشروط شرعية إذا انتفت بطل العقد، فكيف إذا كان العقد أصلا غير موجود؟! ثم إن عقد البيعة يقع على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله e من الحاكم والسمع والطاعة في المنشط والمكره من الأمة. ورئيس الجمهورية لا يحكم لا بكتاب الله ولا بسنة رسوله e، وبذلك تصبح الوسيلة لاختيار رئيس جمهورية وسيلة محرمة لأنها لاختيار شخص وجوده باطل في الإسلام.
أما الولاة فإنهم من الناحية الشرعية لا ينتخبون من الناس في مناطقهم وإنما يعينهم خليفة المسلمين، وهذا ما فعله النبي e؛ فقد ولى زياد بن لبيد الأنصاري على حضرموت ومعاذ بن جبل على الجَنَد، وكان هو الذي يعزل الولاة بسبب أو من غير سبب؛ فقد عزل العلاء بن الحضرمي عامله على البحرين لأن وفد عبد قيس شكاه، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعزل الولاة بسبب وبغير سبب؛ فقد عزل زياد بن أبي سفيان ولم يعين سببا وعزل سعد بن أبي وقاص لأن الناس شكوا منه وقال: (إني لم أعزله عن عجز ولا خيانة)، مما يدل أن للخليفة أن يعزل الوالي متى يشاء وعليه أن يعزله إذا شكى منه أهل ولايته. وبهذا يتضح بطلان انتخاب الوالي من أهل ولايته كما في قانون انتخاب 2018م.
أما انتخاب رجال ليكونوا أعضاء في المجالس التشريعية والولائية ليقوموا بتشريع القوانين فهو أيضا باطل فليس في الإسلام مشرعون ولا مجالس تشريعية. لأن الدولة الإسلامية تقوم على أساس العقيدة الإسلامية وهذا يقتضي أن يكون دستورها وسائر قوانينها مأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله e، ولا يجوز أن يشرع الناس بالأهواء ولو كانوا أغلبية كما في الأنظمة الديمقراطية التي تقوم على أساس فصل الدين عن الحياة وبالتالي فصلها عن الحكم والسياسة، وإنما الحاكم والناس جميعا ملتزمون بشرع الله؛ ولهذا لا محل للبشر في التشريع. أما ما يستجد من قضايا ووقائع فإن الذين يستنبطون لها الأحكام هم المجتهدون الراسخون في العلم ويأخذ الخليفة عنهم الحكم ويتبناه إن لم يكن هو مجتهداً ويجعله قانونا. فللخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية. وبذلك يتبين أن انتخاب رجال أو نساء لمجالس تشريعية مخالف للإسلام وباطل لا يجوز للمسلمين أن يشاركوا فيه.
وبهذا يتضح جليا أن قانون الانتخابات للعام 2018م يخالف الإسلام ويكرس للباطل. أما أنه يكرس للباطل فإن السودان ومنذ خروج الكافر المستعمر الإنجليزي بجنوده منها ونحن نحكم بقوانينه وأنظمته التي ورثها لثلة من الذين صنعهم في مدارسه وجامعاته على عين بصيرة وسلمهم الحكم وهو مطمئن، ولذلك ظللنا طوال سبعة عقود ندور في دائرة مغلقة لا تخرج عن أنظمة الغرب الكافر المستعمر وقوانينه حتى ألف الناس هذا الواقع الباطل وظن كثير منهم أن هذا الوضع الذي نعيشه طبيعي، لكن ولله الحمد والمنة فهنالك رجال ظلوا يعملون من أجل نهضة الأمة؛ يصلون ليلهم بنهارهم من أجل أن تعود أحكام رب الناس وأنظمته التي ارتضاها لنا هي التي تحكم الحياة، وقد أثمر ذلك أن الأمة اليوم قد كفرت بكل الأنظمة الوضعية وصارت تتوق إلى التغيير الحقيقي على أساس الإسلام العظيم. ففي الوقت الذي تتصارع فيه القوى السياسية التي هي من جنس هذا الواقع السيئ من أجل كراسي الحكم المعوجة قوائمها؛ فإن الأمة ترنو إلى الأفق تنتظر النصر من عند الله بإقامة دولة الإسلام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي آن أوانها إن شاء الله؛ فها هو الغرب يتحدث عبر مراكز أبحاثه الاستراتيجية عن إقامة دولة الإسلام في العام 2020م بينما تتصارع أحزاب السودان على انتخابات في 2020م تكريسا للأنظمة الباطلة التي أوصلتنا إلى هذه الحياة الضنكا!
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع