قال مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود، إن ما تعانيه البلاد من ضائقة اقتصادية ومؤامرات خارجية، أساسه تمسك الدولة براية لا إله إلا الله محمد رسول الله، موضحاً أن التحدي، والاستهداف، سيظل قائماً ما دمنا نتمسك بقيمنا وعقيدتنا. (صحيفة آخر لحظة 23/1/2018)
إن الضنك والشقاء وفقدان الأمن والضائقة الاقتصادية، التي يعاني منها أهل السودان اليوم، السبب الأوحد فيها، هو ما تطبقه الدولة من سياسات بعيدة كل البعد عن الإسلام، فلم يكن لقادة حكومة الإنقاذ، يوم أن استلموا مقاليد الحكم، أي تصور لنظام الحياة الإسلامية إلا التصور الارتجالي، مما أبعدهم عن المبدئية الإسلامية فأخذوا يحكمون الناس تسع سنوات دون دستور، إلى أن وضعوا أول دستور في العام 1998م، ولم يكن للإسلام فيه نصيب، إلا الشعارات، وبعض أحكام النظام الاجتماعي، أودعوها في الدستور خوفا من نقمة الجمهور الذي أيدهم لرفعهم شعار تطبيق شرع الله!
وكون أن المجتمع في السودان يحيا حياة غير إسلامية، ويعيش وفق طراز من العيش يتناقض مع الإسلام فهذا واضح لكل ذي عينين، وذلك لأن جهاز الدولة، ونظام الحكم، الذي يقوم عليه هذا النظام، وقواعد الحياة التي يقوم عليها هذا المجتمع بكل مقوماتها، والتكوين العقلي الذي يقوم عليه تفكير الناس، ونظرتهم للحياة الدنيا، والاتجاه النفسي الذي يتجهه الناس هنا، والذي هو نتاج ما يدور في الرأي العام خاصة ما يتم تعلمه في المدارس، والجامعات، ولا ننسى دور الإعلام... كل ذلك يقوم على أساس مفاهيم تناقض المفاهيم الإسلامية، بل تميل هذه القيم في معظمها إلى التخلي الصريح عن الإسلام، واتخاذ النموذج الديمقراطي الغربي، ولو بتصرف بمزجه ببعض قيم الإسلام المسموح بها، والتي تبث عبر ما يسمى بالإعلام البديل، والتي فرغت الإسلام من محتواه ومضمونه، وحولته لدين كهنوتي لا يلامس مشاكل الناس، ولا يحلها، لأن الإسلام إذا جرّد من تنظيم حياة الناس، يبقى حضوره رمزيًّا في القلوب والسلوكيات الفردية، وأيّ معنى للإسلام إذا قدّست المرجعيات الدينية شعوريًّا واحتكم الناس في حياتهم إلى مرجعيات أخرى، وضعية، أرضية، تخالف الإسلام جملة وتفصيلا، وبعد أن حكموا على شعاراتهم التي رفعوها بعدم الصلاحية، وطرحوها جانباً وأقصوا كل ما له صلة بالإسلام في حوارهم الوطني عن مجالات الحياة وتنظيمها، وبدأوا بتسويق فلسفة جديدة ليس للإسلام فيها نصيب، هي فلسفة الحوار الوطني المعلوم بأنه قد فُرض فرضاً وليس وطنياً إلا بمن ينفذه.
إن رفع شعار الإسلام من قبل هولاء، والنكوص عن الالتزام بالشريعة، والانضباط بمقياسها، يبقى دعوى بلا دليل، ومن يخالف فعلُه قولَه هو كالذي يوبخ نفسه فيظهر فشله، وانتحاره السياسي، عيانا بياناً، ولكن للتمويه على البسطاء ممن اتبعوهم، لإعلانهم شعارات الإسلام، أصبحت حرفتهم اللعب بالمبادئ، والتلاعب عليها، ولي عنق النصوص، لتوافق واقعهم، وإماتة المطالبات بتطبيق الشريعة الإسلامية في أدراج اللجان، وتغييبها عن المواقف الجادة، والعبث بعواطف المسلمين، بادعاء المرحلية، وفقه السترة وفقه التدرج، والاعتذار بالغيرة على السودان، والخوف على مصالحه، وذلك بتقديم القضايا المهمة والخطيرة في أولويات البحث والمناقشة حسب زعمهم، وكأن البحث في تطبيق الشريعة ليس من القضايا المهمة! فأصبحت أمريكا، العدو المعلن، صديقاً ينسق معه أمنيا وتربطه بنا مصالح! وكانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير، قال غندور في حوار مع تلفزيون (بي بي سي) إن "السودان اتفق مع الجانب الأمريكي على تبادل الوثائق لبناء استراتيجية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية (للإرهاب) خلال الأسابيع المقبلة للاتفاق على مسارات أخرى في إطار الجولة الثانية من المحادثات بين الخرطوم وواشنطن" (سودان تربيون 24/12/2017). ويعترف مسؤولون أمريكيون بأن السودان أبدى تجاوبا وتعاونا كبيرا مع أمريكا فيما يخص مكافحة (الإرهاب)، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإزاحته من اللائحة السوداء. فإذا كان هذا التنسيق جارياً بين العدو الأمريكي والسودان، فأين المؤامرات الخارجية إذاً؟!
ونستشهد بقول مساعد الرئيس، إبراهيم محمود حامد نفسه، في مقابلته مع سبوتنيك الروسية حيث قال: (اتفقنا على قضايا بيننا نحلها سوياً متعلقة بمصالح البلدين في الاستقرار، وأن تحل القضايا التي تهم البلدين للمصلحة المشتركة، ومصلحتهم هي مشاركة السودان بمكافحة (الإرهاب)، والهجرة غير الشرعية، وفي استقرار دولة جنوب السودان وأفريقيا الوسطى)، مع وعي الجميع أن أمريكا تعني (بالإرهاب) الإسلام.
وقد جرى التعاون المعلن على محاربة (الإرهاب) بين البلدين، وأثنى على ذلك (جون رينان)، مدير المخابرات المركزية الأمريكية (السي أي إيه) السابق الذي قال في مقابلة مع قناة العربية في 12/06/2016م: (أتعاون أيضاً مع نظرائي السودانيين حيث عقدتُ مؤخراً اجتماعاتٍ مع رئيس جهاز الاستخبارات السوداني محمد عطا وأنا مرتاح جداً تجاه ما يقوم به السودان من جهود من خلال التعاون معنا لكشف وتدمير المنظمات الإرهابية). ونشرت صحيفة واشنطن تايمز في 18/5/2016م، قول السفير السوداني لدى أمريكا معاوية عثمان خالد، في مقابلة أجرتها معه، إن بلاده سبق أن سلمت معلومات مهمة لأجهزة الأمن الأمريكية والحليفة بشأن أنشطة تنظيم الدولة في ليبيا ومصر والصومال، وغيرها بشمال أفريقيا، ويقول: (وسبق لمسؤولين في الاستخبارات السودانية - نظرا لما تتمتع به بلادهم من أدوار قيادية في أجهزة الاستخبارات بشرق ووسط أفريقيا - التنسيق في تنفيذ عمليات لمكافحة "الإرهاب" على نطاق أفريقيا مع نظرائهم الفرنسيين والإيطاليين والأمريكيين...).
ولكن رضا أمريكا هو بعيد المنال، ويعني التخلي عن شعارات الإسلام التي رفعوها، وترك كل ما يمت للإسلام بصلة، فكانت التعديلات الدستورية التي أعلن عنها وهي في معظمها تستهدف أحكاما بها روح الإسلام، وتم تعديل حكم الرجم للزاني المحصن، وجاري التعديل للمواد الأخرى ذات الصلة بالإسلام!
قال عز وجل: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120]، إن الآيات القرآنية القطعية الدلالة توجب الاحتكام إلى شرع الله تعالى منها: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ[ [الجاثية: 18]، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: 49]، وقوله عز وجل: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50]، وقوله جل شأنه: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]. فهذه الآيات توجب علينا الاحتكام إلى الله ليس غير...
يا حكام السودان! ما زلتم تمسكون بالسلطة في بلد غني بثرواته، يمكن أن يشكل نواة لدولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، تطبق شرع الله، فثوبوا إلى رشدكم واجعلوا من الوحي مرجعكم في جميع شؤون الحياة، وهل أُنزِل القرآن الكريم إلا لهذا الغرض؟! وهل السنة النبوية سوى دليل نظري وعملي للحياة في ظلال الشريعة؟! فأيّ معنى يبقى للوحي دون تنزيله على الوقائع والأحداث؟! قال تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، ولا نجد أي حاجة إلى الوقوف عند مدلولات هذه الآية لأنها من الآيات المحكمة التي لا لبس فيها ولا تشابه، ولا مجال للتأويل أو التمحل. ومن يزعم أنه يتمسك بشرع الله ثم يتحاكم إلى غيره، فقد وقع في الضلالة والخزي، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا﴾.
رأيك في الموضوع