حاصرت قوات الأمن والشرطة في السودان، جامعة الخرطوم، ومنعت طلابها المحتجين طيلة الأيام الماضية على غلاء الخبز، من الخروج إلى الشارع، وأمطرتهم بوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع، وكانت مدن سودانية أخرى قد شهدت في الأيام الأخيرة احتجاجات تركزت في الجامعات، ضد إقرار الحكومة موازنة العام 2018، التي أقرّت رفع سعر الدولار الجمركي من 6.7 جنيه إلى 18 جنيها، كما ضاعفت أسعار الدقيق، كما تم تحرير القمح بالكامل. وأقر وزير الدولة بالمالية أن تحريك السعر الرسمي للدولار في البنك المركزي إلى 18 جنيها، ساهم في ارتفاع أسعار الدولار في السوق الموازي، وقد بلغ سعره حتى ساعة كتابة هذه السطور 35 جنيها! مما أسهم في زيادة أسعار السلع كافة، فتحولت حياة الناس إلى ضنك. وعلى أثر ذلك خرجت مظاهرات في جامعة الأحفاد بمدينة أم درمان، إحدى مدن العاصمة السودانية، كما لقي طالب مصرعه، وأصيب ثلاثة آخرون خلال مشاركتهم في مسيرة بمدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، احتجاجاً على زيادة أسعار الخبز، وأفادت مصادر طبية، بأن الطالب قد تعرض لطلق ناري، أثناء مشاركته في المسيرة، وقال وزير الدولة للشئون الداخلية، في وقت سابق، إن السلطات ستتعامل بحزم مع أية أعمال تخريبية وإثارة الفوضى.
وقد اتخذت الحكومة عدداً من الإجراءات، لمواجهة هذه الاحتجاجات، وأكد عدد من الصحفيين، بحسب وكالة (سبوتنيك) الروسية، أن أجهزة أمنية صادرت صحف (التيار، الميدان، الأخبار)، كما تم اعتقال عدد من الناشطين السياسيين، حيث ذكرت اللجنة السودانية للتضامن مع المعتقلين، أن أكثر من 21 ناشطاً سياسياً اعتقلوا خلال الأسبوع المنصرم، على خلفية احتجاجات على تدهور الأحوال الاقتصادية، بينهم أكثر من عشرة طلاب، وعدد من القادة السياسيين، وحسب حديث منسق اللجنة، صديق يوسف، لمراسل الجزيرة نت في السودان، عماد عبد الهادي، يعاني عدد من المعتقلين أمراضاً مزمنة، فشلت أسرهم وأطباؤهم المعالجون من التواصل معهم.
وقد قالت هيئة علماء السودان: "إن معاش الناس ضرورة شرعية، وحاجة إنسانية، وتوفير القوت (للمواطنين) في أوقات الشدة والضيق واجب على الحاكم"، وأكدت الهيئة في بيان لها يوم الأربعاء، أن تعبير الناس عن رفضهم للزيادات التي طرأت على الأسعار، وما يشعرون به من ضيق، حق مكفول لهم بموجب الدستور والقانون، وأمر لا يمكن إنكاره.
لقد تحولت حياة أهل السودان إلى ضنك، جراء إنزال ميزانية العام 2018 إلى أرض الواقع، والتي اعتمدت في مجملها على الضرائب بنسبة 63%، والقروض الربوية بنسبة 32%، وذلك استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي، والتي تعهد بها وزير المالية الفريق د. محمد عثمان الركابي في الاجتماع الختامي مع بعثة صندوق النقد الدولي، بحضور وكيلي المالية والتخطيط الاقتصادي، التي انعقدت في 26/09/2017م، أكد تعاون السودان مع الصندوق لتحقيق التطور الاقتصادي المنشود، مع الاستعداد للمزيد من التعاون خلال المرحلة القادمة. وفي السياق نفسه أكد عبد الرحمن ضرار، وزير الدولة بالمالية، استمرار جهود الإصلاح الرامية إلى تطوير الأداء الاقتصادي، إنفاذا لبرنامج إصلاح الدولة. هذا وقد عاودت بعثة صندوق النقد الدولي زيارتها إلى السودان، والتي امتدت من 13- 26 كانون أول/ديسمبر 2017م، وذلك للتأكد من أن ميزانية العام 2018 تخرج وفق توصيات الصندوق. وهنا أود أن أذكّر بتقرير سابق لصندوق النقد الدولي يقول فيه: "إن ما يعوق إطار السياسة النقدية فى السودان هو هيمنة السياسة المالية والاعتماد على البنك المركزي في تمويل العجز في الميزانية"، موضحًا أن السودان بحاجة إلى برنامج شامل لتحقيق الاستقرار يضم ضبط أوضاع المالية العامة، يقابله تخفيض في تمويل البنك المركزي للعجز، وهو تحريض مباشر ومكشوف من الصندوق للحكومة، للقيام بحزمة إجراءات اقتصادية شملت رفع الدعم عن المحروقات، وتحريك سعر الصرف، وفرض ضريبة إنتاج على المنتجات السودانية تقدر بنسب عالية جدا، هذه الإجراءات أدت إلى الوضع الاقتصادي الحالي، الذي تعاني منه البلاد.
إن السودان ليس بلداً فقيراً، ولا معدماً، ومثال واحد على ذلك، فإن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، حسب منظمة الأغذية والزراعة، التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، حوالي 105 ملايين هكتار، (وهو حقا يعتبر سلة غذاء العالم)، ولكن نسبة الأرض المزروعة والمستغلة عملياً لا تتعدى 6.78% من مجموع الأرض الصالحة للزراعة، ولكن سياسة التبعية والارتهان للغرب الكافر ومؤسساته المالية والاقتصادية، هي التي أفقرت أهل السودان.
إن الحل لا يكمن فقط في الخروج في مظاهرات هنا وهناك، تطالب بمعالجات جزئية، إنما الحل في التغيير الجذري الشامل للحياة في السودان، بإزالة النظام الرأسمالي، الذي أفقر البلاد، وأذل أهلها، إلى نظام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، الذي يجلب الرعاية والعزة ورضواناً من الله أكبر.
رأيك في الموضوع